فصائل التحالف الفلسطينية تُسدِل على نفسها الستار في سوريا

هذه الفصائل تُحاسب اليوم لأنها وقفت ضد ثورة الشعب السوري وحاصرت أبناء جلدتها كرمى لعيون نظام الأسد كما حصل في مخيم اليرموك حيث مات الكثير من أطفاله جوعًا.
الخميس 2025/06/12
مخيم اليرموك كما تركه بشار الأسد

تناقلت بعض وسائل الإعلام خبرًا مفاده مغادرة بعض قادة الفصائل الفلسطينية، والتي تُسمّي نفسها “فصائل التحالف”، العاصمة السورية دمشق؛ بسبب ضغوط تعرضت لها من قبل النظام السوري الجديد.

ولكن، وللأمانة، هذه المعلومات غير دقيقة، فقد غادر الكثير من هؤلاء القادة، الذين كانت المخابرات السورية تنصّبهم، ليلة سقوط النظام السوري، بعد تلقيهم أوامر بإخلاء المواقع بلا قتال، حالهم كحال أيّ فرع أمني سوري أو ميليشيا حليفة للنظام السوري البائد.

والغريب في الأمر أن هذه الفصائل أطلقت على نفسها اسم “فصائل التحالف”، كناية عن تحالفها ضد سياسات منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو الشهير؛ والأغرب من ذلك أن بعضهم أعضاء في المنظمة ويتلقون مستحقاتهم المالية من صندوقها القومي بشكل دوري.

لقد استخدم نظام الأسدين اسم فلسطين لتسويق سياساته، في حين سخّر الفصائل الفلسطينية لتحارب عنه داخل سوريا وخارجها، حيث أسّسها لتعمل لصالحه وليس لصالح القضية الفلسطينية كما كان يدّعي.

◄ هذه الفصائل خاضت معاركها إلى جانب نظام الأسد، وقد خسر الأخير المعركة، وبالتالي خسرت معه. لذا، فهي اليوم تدفع ثمن تبعيتها له ودورانها في الفلك الإيراني المحترق

كان نظام الأسدين حريصًا جدًا على هذه الفصائل، ويُعنى بها أيما عناية. يُذكر أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة، والتي كانت دُرّة التاج للفصائل الحليفة لنظام الأسدين، شهدت خلافًا حادًا بين أمينها العام أحمد جبريل ونائبه طلال ناجي، وكانا على حافة الانشقاق، ولكن الأسد الأب تدخّل فورًا واستدعاهما إلى قصر الشعب، وأبلغهما ألا يخرجا من عنده إلا متفقين، وأن الانشقاق ممنوع منعًا باتًا في القيادة العامة.

وبدورها، استفادت القيادة العامة من كونها جزءًا لا يتجزأ من نظام الأسدين، فزاد عدد منتسبيها بعد الثورة السورية، خوفًا من النظام السوري، وطمعًا في الحصول على هوية القيادة العامة للاستفادة من ميزاتها. أذكر جيدًا كيف انتسب الكثير من الشبان الفلسطينيين والسوريين، وغالبيتهم في سن المراهقة، إلى صفوف القيادة العامة للحصول على هذه الهوية، حيث استخدمها هؤلاء الشبان للحصول على ربطات الخبز وأسطوانات الغاز خلال الأزمات التي كان النظام البائد يفتعلها انتقامًا من السوريين. كما كان الانتساب إلى القيادة العامة يُعتبر نوعًا من تأمين الحماية الذاتية، فحامل الهوية يقي نفسه شرّ شبيحة الأسد الابن، فلا يتعرض للاعتقال التعسفي والعشوائي على الحواجز المنتشرة بكثافة في سوريا، وهو اعتقال كان شائعًا جدًا في السنوات الأولى للثورة السورية.

ولا آتي بجديد حين أقول إن نظام الأسدين لم يكن الداعم الوحيد للقيادة العامة، فقد ذكر العقيد الراحل معمر القذافي في إحدى المرات أنه قدم للقيادة العامة أكثر من ثلاثة مليارات دولار. وهذا يُفسر إرسال القيادة العامة 2000 من مقاتليها للدفاع عن ليبيا خلال صراعها مع تشاد على إقليم أوزو، حيث انتقلت هذه القوات عبر مقاتلات عسكرية ليبية من سوريا إلى ليبيا.

ولكن، لم يستفد الشعب الفلسطيني من المليارات الثلاثة التي قدمها القذافي للقيادة العامة، ومول بها حربها ضد منظمة التحرير الفلسطينية. وأنا على دراية تامة بأن الراتب الشهري للشهيد الذي كان منتسبًا لصفوف القيادة العامة حاليًا لا يتجاوز 25 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 2.5 دولار أميركي فقط.

◄ نظام الأسدين استخدم اسم فلسطين لتسويق سياساته، في حين سخّر الفصائل الفلسطينية لتحارب عنه داخل سوريا وخارجها، حيث أسّسها لتعمل لصالحه

وفي الخلاف الشهير بين الأسد الأب والشهيد ياسر عرفات، قام الأسد باغتصاب أملاك منظمة التحرير الفلسطينية، ومنحها للفصائل الحليفة له. وعلى سبيل المثال، مقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح – المنشقين في ساحة التحرير بدمشق، كان مكتبًا للرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل عام 1983.

ومن المعروف أن أملاك منظمة التحرير الفلسطينية كثيرة ومنتشرة في كافة المحافظات السورية، فعلى سبيل المثال، هناك مبنى الإذاعة في حي المطار بمدينة درعا، ومستودعات حركة فتح في عين ترما، وممتلكات حركة فتح في عدرا بريف دمشق، والقائمة تطول.

وبالعودة إلى مستهل المقال: ليس ثمّة شيء مجاني في السياسة، وهذه الفصائل التي ما زالت حتى اليوم تتلقى تمويلها من طهران، يعني أن ولاءها سيظل لطهران، ومن الطبيعي أن تتخوف السلطات السورية الجديدة منها ومن تصرفاتها المستقبلية، بسبب حالة العداء الواضحة بين القيادة السورية الجديدة وملالي طهران.

أما عن هروب قادتها إلى خارج سوريا، أو تعرضهم للاستجواب والتحقيق، فهذا أمر متوقع جدًا، لأن هذه الفصائل خاضت معاركها إلى جانب نظام الأسد، وقد خسر الأخير المعركة، وبالتالي خسرت معه. لذا، فهي اليوم تدفع ثمن تبعيتها له ودورانها في الفلك الإيراني المحترق.

أما ما تردد حول تضييق السلطات السورية عليها، فباعتقادي، إن صح ذلك، فليس لكونها فصائل مقاومة ضد إسرائيل كما تدّعي زورا وبهتانًا، بل لأن الأسد الأب، منذ انقلابه المعروف، أوقف العمل العسكري الفلسطيني نحو الأراضي المحتلة، وهذا يعني أن العمل المقاوم متوقف منذ ما يربو على خمسين عامًا.

وبالنتيجة، هذه الفصائل تُحاسب اليوم لأنها وقفت ضد ثورة الشعب السوري، وحاصرت أبناء جلدتها كرمى لعيون نظام الأسد، كما حصل في مخيم اليرموك، حيث مات الكثير من أطفاله جوعًا، ومن أصل 100 ألف عائلة، لم يتبقَّ فيه سوى 600 عائلة بعد الحصار.

9