وعيد لـ"المتقمصين أدوارا إعلامية" تشي بالحملة ضد الصحافة في الجزائر

الحكومة تريد إلغاء الفضاء الحر باحتواء المواقع الإخبارية.
الاثنين 2021/01/04
صوت الشعب مكتوم

تتحول مخاوف الصحافيين الجزائريين من الرقابة المتزايدة إلى واقع ملموس بحسب ما تشير إليه تصريحات وزير الاتصال الجزائري الذي يلوّح بمحاسبة وسائل الإعلام التي يسميها “المشبوهة” وتطهير القطاع، استنادا إلى قانون مثير للجدل، وسبق أن حذر أهل المهنة من تأثيره عليهم.

الجزائر - شن وزير الاتصال الجزائري عمار بلحيمر، هجوما على بعض الصحافيين ووسائل الإعلام معلنا أنه تمت “محاصرة المتخندقين وراء الريع الإعلاني والمتقمصين أدوارا إعلامية لتمرير مخططات مشبوهة” مع بداية إصدار النصوص التنظيمية وإعادة النظر في الكثير من الأمور الهيكلية.

وقال بلحيمر في مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، “إنهم باتوا قريبين من الخروج إلى المحاسبة أمام الرأي العام بمجرد تطهير المجال الإعلامي من كل الممارسات المشبوهة”.

ويشير الوزير إلى المرسوم التنفيذي الذي صدر في ديسمبر الماضي، لتحديد قواعد ممارسة الإعلام الإلكتروني بالبلاد، وروجت لها الحكومة باعتبارها أول خطوة من نوعها لتنظيم القطاع الذي يشهد فوضى متزايدة، بينما اعتبر العديد من الصحافيين أن القانون يهدف إلى زيادة الرقابة على المواقع الإخبارية، ما يهدد حريّتها وحتى وجودها بالنظر إلى التضييق الذي تعاني منه.

وانتقد أهل المهنة هذا النص الذي قدمه الوزير كدرع ضد الهجمات التي تستهدف الجزائر وجيشها على شبكة الإنترنت، ويتيح تحديد طبيعة المؤسسات الإعلامية التي تنشر مادة إعلامية في الإنترنت، ومعرفة من يديرها، ومكان تواجدها مع ضرورة توطينها محليا، معتبرا أن “الأمر يتعلق بنصوص قانونية تعيد الاعتبار إلى العمل الإعلامي المهني المحترف”.

أهل المهنة ينتقدون القانون الذي قدمه وزير الاتصال كدرع ضد الهجمات التي تستهدف الجزائر وجيشها على الإنترنت

وحذر صحافيون منذ صدور المرسوم من أن المواقع الإخبارية الإلكترونية تمثل فضاء حرّا وهي تفلت من سيطرة السلطات فنيا واقتصاديا. وبهذا القانون يريدون وضع اليد عليها، ولاسيما بعد الحملة التي شنتها الحكومة على المواقع الإخبارية المعارضة وحظرت العديد منها، ما أثار حملة تنديد عربية ودولية أزعجت السلطات.

واعتبر الصحافي سعيد جعفر أن القانون يمثل “حظرا سخيفا للصحافة الإلكترونية المستقلة. وهذه إشارة سيئة أخرى”.

وبموجب القانون باتت المواقع الإخبارية ملزمة بالتوطين حصريا، في الجزائر بامتداد اسم “النطاق dz”.

وعلى المواقع الإلكترونية الإخبارية الامتثال للأحكام الجديدة والحصول على شهادة تسجيل للاستمرار في العمل قبل نهاية العام 2021 أو يتم حظر نشاطها.

وأشار صحافيون إلى أن الحكومة تعتبر الصحافيين الذين يعملون خارج البلاد متآمرين ويسعون إلى تمرير مخططات مشبوهة، لأنهم ينتقدون السلطة.

ويتعارض نظام الترخيص هذا “مع أحكام الدستور التي تمنع أي رقابة مسبقة” على وسائل الإعلام، وفق ما ذكره أيمن زغدودي، المستشار القانوني للمنظمة غير الحكومية؛ “المادة 19” المدافعة عن حرية التعبير.

وأوضح “المرسوم التنفيذي يتضمن التزامات تهدف إلى تعزيز قبضة السلطة السياسية على حرية التعبير على الإنترنت”.

ونبه إلى أن معظم المواقع مستضافة حاليا في الخارج، لأسباب فنية تتعلق بإمكانية الدخول إليها بشكل أساسي، والالتزام بنقلها إلى الجزائر “قد يؤدي إلى انتهاك بعض المبادئ مثل سرية المصادر”.

وأشار إلى أن هذا الإجراء “أداة للتدخل في المحتوى المنشور على المواقع الإلكترونية من خلال فرض رقابة على كل ما ينتقد السلطات”.

المحاسبة أمام الرأي العام
المحاسبة أمام الرأي العام

أما بالنسبة إلى السلطتين التنظيميتين الموعودتين في المرسوم، إحداهما مسؤولة عن الصحافة الإلكترونية والأخرى عن الخدمات السمعية والبصرية عبر الإنترنت، فهما غير موجودتين بعد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن على كل مدير موقع إخباري إخطار السلطات بأي “محتوى غير قانوني” ينشر على منصته، وفقا للمرسوم التنفيذي. ما جعل المستشار القانوني لمنظمة “المادة 19” يعبر عن تخوفه من أن “يجعل هذا الالتزامُ الصحافيين معاونين للشرطة”.

ويمكن للعديد من وسائل الإعلام الإلكترونية أن ترفض أيضا الامتثال للقانون، لكن الحجب الذي قد تفرضه السلطات، على الرغم من إمكانية التحايل عليه، له تأثير حتمي على انتشارها وجمهورها وبالتالي على مصداقية هذه المواقع الإخبارية.

وقد يؤدي تراجع الوصول إلى المواقع الإخبارية إلى زعزعة استقرارها المالي بما أن معظمها يعتمد بشكل حصري تقريبا على الإعلانات.

ومع انخفاض عدد الزائرين للمواقع وبالتالي جمهور الإعلانات، فإن للرقابة أيضا تأثيرا رادعا على المعلنين المحتملين من الشركات الخاصة، بما أن إعلانات الشركات الحكومية مُحتكرة من قبل الوكالة الوطنية للنشر والإشهار المملوكة للدولة، ويمكن استخدامها بسهولة للضغط على وسائل الإعلام، وهو ما أشارت إليه صراحة تصريحات بلحيمر بقوله “تمت محاصرة المتخندقين وراء الريع الإعلاني”.

وتستعد الوكالة الحكومية، التي عملت حتى الآن مع وسائل الإعلام التقليدية، لاحتلال مشهد الإعلام الإلكتروني من خلال إنشاء فرع للإعلانات الرقمية.

وسبق أن تعرض ما لا يقل عن عشرة مواقع إخبارية للرقابة من قبل النظام خلال العام الماضي، مثل “راديو أم” و”مغرب إمرجنت” و”أنترلين” و”قصبة تريبون”، وغيرها. وسبق أن تعرض موقع “كل شيء عن الجزائر” للحجب منذ 2017، لكن هذه الممارسة تتزايد، وفقا لصحافيين.

وبذلك فإن الرقابة المتزايدة تمس كل شبكة الإنترنت الجزائرية، التي تضم 22 مليون مستخدم ومثلهم من مستخدمي الشبكات الاجتماعية. وإذا كانت السلطة تحاول وضع وسائل الإعلام تحت السيطرة من خلال الضغوط القانونية والتضييق الاقتصادي، فهي أيضا تقاضي مستخدمي الإنترنت بسبب منشوراتهم النقدية على الشبكات الاجتماعية.

وبالنسبة إلى الصحافي سعيد جعفر، فإن القواعد الجديدة تهدف إلى “جعل أولئك الذين ينوون البقاء مستقلين، خارجين عن القانون”.

18