وصفة مهنية تنجح مواقع مصرية متخصصة

منبر مهتم بالشؤون البرلمانية يفك لغز جماهيرية صحف واندثار أخرى.
الخميس 2022/03/03
ليس المهم انتشار الكاميرات في كل مكان

كانت الصحافة المتخصصة في مصر حتى وقت قريب على كلّ شكل ولون، فنية واقتصادية وعلمية وطبية وأدبية وسياسية، اندثر الكثير منها، وبقي القليل الذي لم يعد القارئ يشعر بوجوده بسبب شح موارد المؤسسات الصحافية وسوء الإدارة وغياب الابتكار وتطوير المحتوى. وأعاد رواج موقع “برلماني” المصري الجاذبية إلى الصحافة المتخصصة، فما هي الوصفة المهنية التي مكنته من الانتشار أخيرا؟

القاهرة- ارتبط غياب المنبر الصحافي المتخصص أو حضوره في مصر بما يحققه من تقدم وتأثير وشعبية، ولأن الكثير من الصحف تعاطت بشكل سلبي مع احتياجات الشارع والشرائح المستهدفة عوقبت بالإقصاء من المشهد، وظهرت منابر حديثة استطاعت أن تعيد إلى الصحافة المتخصصة رونقها وتصنع الفارق عند الجمهور.

وأصبح موقع “برلماني” المتخصص في شؤون مجلسي النواب والشيوخ والتابع لمؤسسة “اليوم السابع” أحد أبرز هذه المنابر في مصر بعد نجاحه في أن يحجز مكانه بين المواقع الإلكترونية وصار أشبه بوكالة أنباء، وليس مجرد إصدار صحافي تقليدي، ويقوم بنشر الأخبار والتقارير والتحليلات بعمق في كل ما يصدر عن البرلمان.

إحسان السيد: حاول ربط الجمهور بالجهة التشريعية بمحتوى شيق

وتحول “برلماني” بالنسبة إلى الكثير من الصحف الإلكترونية إلى مرجعية موثوق بها لما يجري داخل مجلسي الشيوخ والنواب، حيث يقدّم نوعا جيدا من الإعلام تفتقده أغلب المنابر الصحافية، ويركز على قراءة ما وراء الخبر ويتتبع أسرار وكواليس الجلسات داخل البرلمان وتقديم تحليلات لنصوص التشريعات المطروحة على الطاولة.

وتفتقد شريحة من الصحف الورقية والإلكترونية في مصر إلى ثقافة التعمق في المحتوى وتحليل القضايا الفنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى صار أغلبها نسخا مكررة تعيد نفس المحتوى تقريبا، ويعتمد البعض الآخر على الإثارة والتشويق وتسليط الضوء على موضوعات لا تستهدف سوى تحقيق نسبة كبيرة من المشاهدات.

ولا توجد لدى الكثير من الصحف المصرية استراتيجية واضحة المعالم لكيفية جذب الجمهور إليها بما يجعله يدرك ما يجري حوله، وهي نوعية غائبة من الصحافة التوعوية، كما أن فئة عريضة من الصحافيين أنفسهم لا يملكون مهارة التحليل.

ونجح موقع “برلماني” الحديث في تجاوز إشكاليات مهنية وسياسية عديدة عندما وضع لنفسه قاموسا تحريريا يجاري به الصحافة الاحترافية، وبات مقصدا للباحثين عن المعلومة، وتحليل أبعاد القوانين المطروحة أمام البرلمان، حيث يقدم تفسيرات لما بين سطور القوانين ويقدمها للقارئ النخبوي والبسيط بطريقة شيقة.

تتقاطع هذه الرؤية مع السياسة التحريرية لصحف ومواقع إلكترونية مصرية عديدة، مشكلتها أنها لا تمارس جهدا لصناعة محتوى خاص بها وتعتمد غالبا على البيانات الرسمية، ونشرها كما هي دون تحليل أو تفسير لمضمونها، عكس “برلماني” الذي يصنع محتوى شيقا من نفس البيانات والقوانين التي تنشرها المواقع العامة.

يوحي هذا الواقع بأن أزمة الصحافة في مصر ليست كلها في انخفاض سقف الحريات والتضييق على حركة الصحافيين، بل في السياسة التحريرية التي يتحكم فيها المسؤول المباشر عن الصحيفة أو الموقع، فهناك حالة كسل وعدم ابتكار لما يتم طرحه من قضايا، فالناس في حاجة إلى أن تفهم ما يشير إليه البيان الرسمي لا ما يتضمنه فقط.

وقالت إحسان السيد رئيسة تحرير موقع “برلماني” إن رسالته توعية المواطن، باعتباره المستهدف من أي نقاش في البرلمان، لذلك يتم تقديم كل ما يريده ويحتاج إليه المواطن، بالمعلومة والتوضيح والتفسير والتحليل وقراءة ما بين نصوص القوانين لمخاطبة كل الفئات دون استثناء، وهو ما يدخل ضمن صحافة المواطن بمفهومها العلمي والشامل، فالهدف الأهم عند الموقع تقديم كل شيء يريده بالطريقة التي يفضلها.

وأضافت لـ”العرب” أن التعمق والتحليل في الصحافة المتخصصة من أهم وسائل التقارب مع الجمهور المستهدف، فنحن لسنا متحدثين بلسان البرلمان أو الأعضاء فيه، ونحاول ربط الجمهور بالجهة التشريعية بمحتوى شيق وبسيط، فلا أحد يبحث عن نص قانوني يقرأه، كل مواطن يريد معرفة علاقته الشخصية بهذا القانون أو ذاك، وحقوقه وواجباته وكيف سيؤثر عليه حال صدوره؟

وأكدت أن الإثارة والسطحية والتركيز على القشور ليست في قاموس السياسة التحريرية للموقع، لأنه قائم على تقديم صحافة توعوية ويتناول مشكلات الجمهور لنقلها إلى ممثليهم من الأعضاء في البرلمان، كي يتم ربط النواب بما يجري على الأرض، وربط أعمال البرلمان بالملفات الحيوية العامة، اقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها، وبالتالي اتسعت قاعدة الجمهور المستهدف.

وأصبحت الصحيفة الإلكترونية البرلمانية المتخصصة (برلماني) هدفا لشريحة كبيرة من الجمهور للبحث عمّا وراء الخبر الخاص بالمجلسين التشريعيين (النواب والشيوخ)، حتى حقق شعبية لدى قطاعات مختلفة، حيث يركز جهده على كل الفئات المجتمعية، وهذه كانت إحدى مشكلات الصحافة المتخصصة قبل تراجعها.

يحيى قلاش: التمويل جزء أساسي لنجاح الصحافة المتخصصة

وما وسع قاعدة انتشار الصحيفة الإلكترونية المتخصصة أن محتواها التحليلي المتعمق يصل إلى الجمهور عبر تناول موضوعاتها في منابر أخرى، مثل البرامج التلفزيونية، حيث يعيد البعض من المذيعين تقديمها للناس، وإذا ما ارتبط الأمر بشرح مشروع قانون أو تحليل بعض نصوصه بطريقة مبسطة ضاعفت من شعبية هذا المنبر المتخصص وتأثيره وجماهيريته.

وأشار الكاتب الصحافي يحيى قلاش نقيب الصحافيين الأسبق إلى أن التمويل جزء أساسي لنجاح الصحافة المتخصصة لتقوم بدورها ويكون لديها الجمهور العريض، وهامش الحرية عليه دور حيوي، لكن من الأهم أن يكون للمنبر الصحافي مصداقية عند الجمهور، سواء كان متخصصا أو عاما، وعندما يجد المواطن لنفسه صوتا في أيّ وسيلة ستكون مفضلة بالنسبة إليه.

وأوضح لـ”العرب” أن التنوع والتعمق والتحليل أمور لا غني عنها لنجاح أيّ منبر إذا كان الاصطفاف الإعلامي أمرا واقعا، لأن الناس لم يعودوا يتقبلون الخبر الرسمي وبدأت عملية الإثارة تخف جاذبيتها، ولا بديل عن مشاركة الجمهور وقراءة احتياجاته من الموضوعات لتقديمها إليه في قوالب ترضيه، لذلك تنجح صحف متخصصة وتختفي أخرى ولا تستطيع البقاء لأنها خاطبت نفسها.

ويعتقد خبراء في مجال الإعلام أن نجاح الاصدار المتخصص لا يحتاج إلى معجزة، لكن إلى إدارة واعية تدرك احتياجات الجمهور ويكون هو هدفها الأول لتقدم إليه ما يريده بطريقة أكثر تفصيلا واتساعا ومناقشة وشمولا، مع استعراض آراء المتخصصين لزيادة سعة علم القراء الذين يخدمهم هذا الإصدار ويعرّفهم بما يدور حولهم ويرتبط بحياتهم مباشرة، وحاضرهم ومستقبلهم.

ولا يكفي التحجج بشح الموارد المالية لتفسير اندثار الصحافة المتخصصة بدليل أن هناك منابر صحافية متخصصة في مجالات اقتصادية تحقق مبيعات ومتابعات كبيرة، وهناك منابر أقرب إلى الصحافة السياسية، مثل برلماني، لديها شعبية واسعة، فالمعيار كيف تتنوع وتتعمق وتتخصص باحترافية لتكون متخصصا وشعبيا في نفس الوقت.

16