وزير الدفاع التركي في العراق لفرض معادلة الأمن مقابل المياه

تجد تركيا في حالة الضعف التي أصبح عليها العراق، وفي حاجته الماسّة للتنسيق معها في ملفات حيوية في مقدّمتها ملفّ المياه، مدخلا لفرض معادلتها الأمنية عليه والتي تتضمّن التدخل العسكري المباشر في أراضيه، ولا تستثني إقامة قواعد دائمة لها هناك، بما يضمن لها موطئ قدم في البلد، ويحوّلها إلى طرف رئيسي، إلى جانب إيران، في صراع النفوذ في العراق المفتوح على مصراعيه للتدخّلات الخارجية.
بغداد – بدأ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الإثنين، زيارة رسمية إلى العراق، اعتبرها مراقبون امتدادا لجهود تركيا لفرض معادلتها الأمنية والعسكرية على العراق والتي قطعت أشواطا في تنفيذها على الأرض وتقوم على جعل الأراضي العراقية خط دفاع متقدّما على الأمن التركي ومسرحا للحرب التركية ضدّ مقاتلي حزب العمّال الكردستاني.
وتعوّل أنقرة على فرض معادلتها بالقوّة من خلال تكثيف عملياتها العسكرية داخل العراق وتوسيع دائرتها لتتجاوز المناطق الحدودية إلى مناطق أبعد داخل العمق العراقي، وتراهن بالتوازي مع ذلك، على إقناع السلطات العراقية بالتعاون معها والقبول بوجود القوات التركية على الأرض العراقية، من خلال مساومة حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على ملفّات حيوية على رأسها ملف المياه.
وقد تزامنت زيارة أكار التي يتوقّع أن تستمرّ ليومين وأن تشمل أربيل مركز إقليم كردستان العراق، مع فتح حكومة الكاظمي ملف المياه مع الحكومة التركية أملا في التوصّل معها إلى اتّفاق دائم وواضح المعالم حول مياه نهر دجلة الذي شرعت تركيا في إقامة مشاريع ضخمة عليه يتوقّع أن تؤدي إلى تقليص حصّة العراق من مياه النّهر، الأمر الذي سيكون بمثابة كارثة على البلد الذي يعتمد إلى حدّ كبير على تلك المياه في الشُّرب والزراعة والصناعة.
وأعلن وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد، مؤخّرا أن بلاده سلّمت تركيا رسميا بروتوكول التعاون في المجال المائي الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا، ويتضمّن مقترحا بالإطلاقات المائية المنتظمة التي يريد العراق الحصول عليها من مياه نهر دجلة.
ولا يستبعد عراقيون أن تلجأ حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، بما عرف عنها من انتهازية، إلى مساومة بلدهم على إقامة قواعد عسكرية تركية داخل أراضيه مقابل الحصّة المائية المطلوبة من قبل حكومته.
وقال الكاظمي، لدى استقباله أكار الإثنين، إنّ بلاده ترفض “أي تهديد إرهابي ضد تركيا انطلاقا من الأراضي العراقية”. وجاء في بيان مشترك إثر اللقاء أنّ الجانبين “بحثا القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون العسكري بين العراق وتركيا ضمن إطار التعاون العام، وترسيخ مبدأ احترام سيادة العراق على جميع أراضيه”.
حديث خلوصي أكار عن احترام سيادة العراق مناقض تماما للتدخل العسكري التركي في أراضيه دون التنسيق مع حكومته
وخلال السنة الماضية، وإثر إطلاق القوات التركية عملية عسكرية واسعة لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية ودون تنسيق مع حكومته، احتجّت بغداد أكثر من مرّة على انتهاك تركيا لسيادة العراق ولحرمة أراضيه، خصوصا وأن العملية التي حملت اسم “مخلب النمر” أوقعت قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين عراقيين.
وفي أغسطس الماضي، وفيما كانت حكومة العراق تنتظر اعتذارا من أنقرة على قتل ضابطين وجندي من القوات العراقية في قصف جوي تركي على منطقة برادوست بإقليم كردستان العراق، بادرت حكومة أردوغان إلى تحميل الجانب العراقي مسؤولية ما حدث، متهمة إياه بالتغاضي عن أنشطة حزب العمال، متوعّدة بمواصلة عملياتها عبر الحدود العراقية ضد مسلحي الحزب إذا استمرت بغداد في التغاضي عن وجودهم في المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية العراقية حينها إنّ بغداد ألغت زيارة لوزير الدفاع التركي إلى البلاد، واستدعت السفير التركي لإبلاغه “برفض العراق المُؤكّد لما تقوم به بلاده من اعتداءات وانتهاكات”.
وردّت وزارة الخارجية التركية في بيان أن وجود حزب العمال الكردستاني يهدد العراق أيضا، وإن بغداد مسؤولة عن اتخاذ إجراءات ضد المسلحين، لكن تركيا ستدافع عن حدودها إذا سُمح بوجود تلك الجماعة الكردية.
وفي خطوة أخرى تتناقض جذريا مع مبدأ احترام سيادة الدول تحتفظ تركيا بقواعد عسكرية صغيرة في شمال العراق أنشأتها بقرار أحادي وما تزال ترفض إلى الآن إخلاءها. وعن الجانب التركي أعرب أكار عن استعداد جيش بلاده “لتقديم الدعم والمشورة في مجالات مكافحة الإرهاب والتدريب والمناورات المشتركة”.

وقال البيان إن الجانبين اتفقا على “أهمية معالجة التهديدات الإرهابية قرب مناطق الحدود المشتركة، وأن الاستقرار سيفتح الأبواب أمام المزيد من التعاون بين البلدين بما يدعم الازدهار والتقدم لدى الشعبين الصديقين، العراقي والتركي”.
ويرصد متابعون للشأن التركي بروز نزعة متنامية لدى تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال السنوات الأخيرة للتدخّل العسكري خارج الحدود، في سوريا وليبيا والعراق، وأخيرا في إقليم قرة باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
ويخشى عراقيون، لاسيما من أكراد البلاد، أن يكون التدخّل التركي في العراق انعكاسا لمطامع حقيقية في أراضيه وامتدادا للمطامع في أراضي سوريا المجاورة والتي جسدتها أنقرة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال وشرق سوريا باستخدام الذريعة ذاتها وهي ملاحقة التشكيلات الكردية المسلّحة التي تصنّفها أنقرة تنظيمات إرهابية.
وتقول مصادر عراقية إنّ ملامح شريط أمني تركي بدأت تتشكّل في عمق الأراضي العراقية، متوقّعة عدم انسحاب تركيا من مناطق عملية “مخلب النمر” بالنظر إلى سوابق حكومة أردوغان في سوريا، وحتى في العراق.
وسبق لمسؤول تركي بارز أن أعلن أن بلاده تعتزم إقامة المزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق بعد أن كثفت ضرباتها على المقاتلين الأكراد هناك، معتبرا أن هذه الخطوات تصبّ في ضمان أمن الحدود، موضّحا أنّ خطّة بلاده تتمثّل في إقامة “قواعد مؤقتة في المنطقة لمنع استخدام المناطق المطهرة (من حزب العمّال) للغرض نفسه مرة أخرى”، مضيفا “هناك بالفعل أكثر من عشر قواعد مؤقتة. وستقام قواعد جديدة”.
وتؤكّد مصادر عراقية أنّ الحديث التركي عن “قواعد مؤقتة” هو مجرّد غطاء لوجود عسكري دائم، وتستدلّ على ذلك برفض أنقرة إزالة قاعدتها العسكرية التي أقامتها قبل سنوات في بعشيقة قرب الموصل وترفض بشكل قطعي إزالتها رغم المطالبات العراقية المتكررة بذلك.