وزيرة التربية التونسية أمام تحدي حل أزمة المعلمين النواب

تونس - أكدت وزارة التربية في تونس أنها بصدد جرد وضعيات المعلمين النواب ودراستها، وذلك على خلفية تنفيذ عدد منهم وقفة احتجاجية أمام مقر الوزارة بالعاصمة، للمطالبة بتوظيفهم بشكل كامل كمدرسين.
وترى أوساط تربوية وشعبية في تونس أن وزيرة التربية سلوى العباسي تسعى لحلحلة هذا الملف الشائك والذي ظل عالقا منذ أكثر من 6 سنوات، في إطار عقود العمل الهشة التي استخدمتها الحكومات المتعاقبة لإسكات الأصوات المحتجة.
وتساءلت تلك الأوساط بشأن المتغيرات التي طرأت على سياسة الوزارة حتى تتخذ هذه الخطوة الجريئة بالنظر إلى شحّ المالية الذي تعاني منه البلاد واستنزاف الملف للخزينة العامة. كما لم يخف مراقبون أن يكون تعهد سلوى العباسي مجرد “مسكّن” للمعلمين المحتجين، خشية من انزلاق الأوضاع نحو التعقيد، وإخماد تلك الأصوات المتصاعدة بالتطمينات المؤقتة.
ويعتبر المعلمون النواب أن العقود التي تربطهم بوزارة التربية هشة ولا تفضي إلى التوظيف، وسط دعوات إلى تسوية الوضعيات عبر التوظيف المباشر والجلوس إلى طاولة الحوار لإيجاد الحلول وتنزيل الاتّفاق المطلوب بالرائد الرسمي حتّى يكون ملزما للجميع. وأجرت المنسقة الوطنية للمعلمين النواب مقابلة مع وزيرة التربية سلوى ومساعديها لإبلاغ مطلب النواب وتلقي إجابات حوله.
وأفادت المنسقة الوطنية للمعلمين النواب وفاء الدلنسي إثر استقبالها من قبل وزيرة التربية سلوى العباسي ومدير الموارد البشرية والمدير المكلف بالوظيفة العمومية، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بأنها أكدت خلال اللقاء ضرورة تسوية وضعية المعلمين النواب بانتدابهم.
وأكدت الدلنسي بأن “وزيرة التربية سلوى العباسي أبلغتها بأنها بصدد جرد الوضعيات ودراستها وأن قائمة المعلمين النواب المعنيين بالتوظيف، سيتم الإعلان عنها بحلول منتصف مايو المقبل”، موضحة أن المعلمين النواب يعيشون حالة حيرة لعدم تسوية وضعياتهم منذ سنين وأنهم قد يعودون إلى الاحتجاج يوم السادس عشر من مايو القادم إذا لم تعلن الوزارة عن دفعة من الموظفين”.
وتنص اتفاقية الثامن من مايو 2018 الخاصة بالمعليمن النواب والممضاة بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي، والتي صدرت بالرائد الرسمي في يناير 2019، على تمتيع المعلمين النواب بالعديد من الحقوق، خاصة الانطلاق في توظيفهم ابتداء من 2022 على دفعات وبأجر شهري قار قدره 750 دينارا (237.99 دولارا)، بالإضافة إلى تمتعهم بالتغطية الاجتماعية والصحية.
وأفاد المتخصص في علم النفس التربوي فريد الشويخي بأن “من الصعب أن تتنبأ بحقيقة الإمكانيات التي تغيرت لدى وزارة التربية لتوظيف 4500 معلم نائب، وهي خطوة جريئة من الوزيرة الجديدة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الاتفاقية بين المعلمين النواب والوزارة أبرمت سنة 2018، وهذه الخطوة الآن يمكن أن تكون حلا مؤقتا لإخماد احتجاجات المدرسين، لأنه يوجد تقريبا حسب آخر الإحصائيات 3 آلاف معلم ينتظرون تسوية وضعيتهم الصعبة”.
ولا تزال تونس تعاني من تركة ملف التشغيل الهش، والتي تتعلق بالمعلمين والأساتذة النواب، فضلا عن ملف عمال الحضائر وعدد من الآليات (الآلية 16 وآلية البيئة والبستنة)، وهي حلول اعتمدتها سلطات ما بعد 2011 في ظل تزايد المطلبية على الشغل.
وقال المحلل السياسي حاتم المليكي إن “وضعية المعلمين والأساتذة النواب تدخل في إطار ملف التشغيل الهش، ويفترض أنه تمت تسوية وضعية هذا الملف منذ سنوات”. وأشار في تصريح لـ“العرب” إلى أن “ملف التسوية كان شعارا مكررا لكل الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية، لكن الانتظار الحقيقي للمعلمين الآن هو التمتع بعقود عمل رسمية”.
ولفت المليكي إلى أن “كل وزراء التربية قاموا بإصلاحات في القطاع، لكن ملف المعلمين النواب يعود بالنظر أساسا إلى وزارة المالية، ولو فكرت الدولة في الالتجاء إلى الاكتتاب الوطني في التعليم، لتمت تسوية هذا الملف منذ فترة”.
وفي وقت سابق، قال المنسق الوطني للمعلمين النواب عبدالحفيظ الحجلاوي إن “الإشكال يتلخص أساسا في أن وزارة التربية قررت استثناء عدد من المعلمين النواب من اتفاقية الثامن من مايو 2018 بسبب ما اعتبرته أنهم لا يستجيبون لشرط العمل كمعلمين نواب لمدة 6 أشهر من أجل انتدابهم بصفة رسمية".
وأوضح في تصريح إعلامي أن "اتفاقية الثامن من مايو 2018 تنص على أن كل معلم يجب أن يكون قد استوفى العمل بالنيابة لمدة 6 أشهر ولكن البعض من المعلمين النواب لم يستوفوا هذا الشرط، في حين أنهم اشتغلوا لمدة 7 سنوات مع وزارة التربية (خارج إطار النيابة) ويمتلكون معرفا وحيدا. كما أنه يتم اقتطاع التغطية الاجتماعية لفائدتهم وبالتالي وجد هؤلاء أنفسهم خارج إطار الاتفاقية، الأمر الذي دفعهم إلى مطالبة وزارة التربية بضرورة إصدار اتفاق آخر يتم نشره بالرائد الرسمي ويتم إثره تقسيمهم على دفعات من أجل توظيفهم".
وبيّن أن "وزارة التربية وافقت على مطلب هؤلاء المعلمين النواب الذين يقدر عددهم بحوالي 5000 معلم نائب وطلبت منهم سدّ الشغورات، ولكن وزارة التربية تنكرت للاتفاق وقام وزير التربية بإيقاف مختلف الاتفاقات السابقة وفي المقابل اتخذت بعض القرارات بصفة شفوية فقط، حيث قرر الزيادة في رواتب المعلمين النواب إلى 1200 دينار (380.78 دولارا)، والتمتع بالتغطية الاجتماعية والصحية، ولكن هذا الاتفاق لم ير النور إلى حدود كتابة هذه الأسطر ولا يتمتع به المعلمون النواب".