ورقة المحاسبة تنجح في احتواء تمرّد نقابات التعليم في تونس

استطاعت وزارة التربية، ومن ورائها الحكومة التونسية، أن تضع حدا لأزمة التعليم التي أرّقت التونسيين وخلقت مناخا من التوتر في الآونة الأخيرة، وسط دعوات شعبية ملحّة إلى ضرورة معرفة نتائج التلاميذ وتحديد مصيرهم التعليمي.
تونس - توصّلت وزارة التربية في تونس من خلال الخطوات التي اتخذتها مؤخرا والقاضية بعزل مدراء من مهامهم وحجز رواتب عدد من المدرسين رفضوا تسليم أعداد امتحانات التلاميذ، إلى تجاوز الأزمة القائمة مع نقابة التعليم الأساسي في القطاع.
ويرى مراقبون أن سياسة المحاسبة التي اعتمدتها وزارة التربية نجحت في التصدي لتمرد نقابات التعليم في تونس، بعد أزمة طويلة بدأت منذ انطلاق السنة الدراسية وجعلت التلاميذ والأولياء رهائن بين الطرفين.
وقال وزير التربية محمد علي البوغديري الأربعاء، إنّ ”أزمة التعليم الأساسي قد تمّ تجاوزها ومن يتحدّث عن خلاف ذلك لا تمثيلية له”.
وأضاف البوغديري خلال منتدى “حوار السياسات التربوية” المنعقد بالحمامات أنّ “الأغلبية الساحقة من المدرسين قامت بتسليم الأعداد، فيما يواصل مدراء المدارس تحصيل البقية في أجل لن يتجاوز 24 يوليو الجاري وهو تاريخ غلق منصة تنزيل الأعداد”.
وتابع البوغديري “اضطررنا إلى تفعيل قرار غلق المنصّة في هذا التاريخ، فمن غير المعقول أن يتواصل حجب الأعداد إلى ما لا نهاية، يجب أن يعرف التلاميذ نتيجة سنتهم الدراسية وفي أيّ مؤسّسة سيدرسون”.
وأردف ”60 ألف معلم ومعلمة قاموا بتنزيل الأعداد وأتوجّه إليهم بالتحية لاستجابتهم لنداء الواجب وعدم تركهم التلاميذ في حر الصيف يترددون على المؤسسات التربوية لمعرفة مآل سنتهم الدراسية”.
وبخصوص ما أعلنه الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي خلال الهيئة الإدارية الوطنية المنعقدة منذ أيام في الحمامات حول حجز رواتب يوليو لـ23 ألف مدرس، قال البوغديري إنّ “العدد الصحيح للرواتب المحجوزة تمتلكه وزارة التربية فقط عبر منصة تنزيل الأعداد التي تسيرها”، وأكّد أن العدد الصحيح إلى غاية الثلاثاء هو 12 ألف مدرس وهو عدد في تراجع بسبب استجابة المعلمين لقرار تنزيل الأعداد.
وواصل البوغديري القول “ندعو بقية المدرسين إلى مواصلة تنزيل الأعداد لأن الوزارة ماضية في تحميل المسؤولية لكلّ من تعمد المس بالعملية التربوية وأطمئنكم بأن العودة المدرسية ستكون هادئة وفي ظروف عادية”.
وألقت أزمة التعليم بظلالها على التلاميذ الذين يعتبرون الطرف الأكثر تضررا من ذلك الصراع المتواصل منذ سنوات، في ظل غياب الإرادة السياسية اللازمة لمعالجة الأزمة.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “من حق النقابة أن تحتج لتحقيق مطالبها، وهي رأت أن حجب الأعداد شكل نضالي واحتجاجي يُختلف في تقييمه”، مستدركا “أعتقد أن وزير التربية أحسن إدارة الأزمة واليوم حسنا فعل”.
وأضاف لـ”العرب” أن “كل الأزمات لها حلولها التي لا تتشابه، والخطوات التي اتخذها البوغديري أدت إلى تحقيق نتائج إيجابية”.
وتابع الرابحي “الطرف النقابي يعتبر ذلك نوعا من الابتزاز والضغط تمارسه الوزارة على المدرسين، لكن لا يمكن أن يبقى التلميذ رهينة”.
وكان البوغديري قد أعلن إعفاء عدد من مدراء المدارس الابتدائية على خلفية تواصل عملية حجب نتائج امتحانات التلاميذ، قابله استغراب نقابي وتمسّك بضرورة تنفيذ الاتفاقيات السابقة.
وتمسكت النقابة بتنفيذ اتفاقات وُقّعت منذ عام 2019 تقضي بتمكين المدرّسين من التدرّج المهني، وبرمجة انتداب المعلمين النواب على مراحل. في المقابل، تقول وزارة التربية إنها غير قادرة على تلبية المطالب ذات التبعات المالية، وخصوصا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تقف الحكومة أمامها عاجزة، وأجبرتها على اتخاذ عدد من القرارات من بينها تقليص موازنات العديد من الوزارات وعدم تفعيل الاتفاقات بصيغتها المادية وإيقاف الانتدابات تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
وسبق أن قال الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الأساسي نبيل الهواشي في تصريح لإذاعة محلية إن “سرعة تنفيذ وزارة التربية لوعودها دليل على أن قائمة المدراء كانت جاهزة مسبقا”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة إنه “كانت هناك بداية خاطئة، حيث اتخذت النقابة شكلا نضاليا غير مقبول بالمرة، والوزارة كانت في شبه غيبوبة في الأشهر الستة الأولى من العام الدراسي”.
وصرّح لـ”العرب” أنه “مع تغيير وزير التربية أصبح ضروريا إيجاد مخرج للأزمة، وكان لا بد من تطبيق القانون، وارتهان التلاميذ قابله حجز رواتب وإعفاء المدراء من مهامهم”، لافتا إلى أن “الوزير لم تكن أمامه خيارات كبيرة، وربما تجربته النقابية وحسّه الوطني مكّناه من الخروج من الأزمة، مع كسب ودّ الأولياء والتلاميذ وشق كبير من المدرسين”.
ولم يخف متابعون للشأن التونسي أن الدور النقابي لجامعة التعليم طغت عليه الصبغة السياسية، خصوصا بعد تمسّك نقابة التعليم بمطالبها دون مراعاة للصعوبات المالية والاقتصادية للبلاد، في علاقة بتأمين سدّ عجز الموازنة للعام 2023.
وأشار هؤلاء إلى أن نقابتي التعليم الأساسي والثانوي في تونس هما أبرز النقابات التي يراهن عليها اتحاد الشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية ككل.
وتراجعت المنظومة التعليمية في تونس خاصة على مستوى المناهج والنقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع، كما ساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.
وتستدعي عملية إصلاح القطاع الحيوي في تونس وضع آليات وبرامج برؤية مستقبلية واضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التعليمية.