"وتر حساس".. مسلسل يمس قيم الطبقة المخملية واتهامات بالتحريض عليها

العمل المصري يطرح نقاشا حول تراجع مناقشة قضايا الطبقة المتوسطة.
الاثنين 2024/11/25
المسلسل يناقش فكرة الخيانة بمفهومها الواسع

الجدل في مسلسل وتر حساس هو تكرار التركيز على أفراد الطبقة المرفهة وقضايا أشبه بالسطحية، وما إذا كان الهدف نشر ثقافتها وقيمها المستمدة من الغرب في مجملها، خصوصا أن العمل يتزامن مع انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا لهذا النوع من المسلسلات.

القاهرة - للوهلة الأولى يبدو أن صناع المسلسل المصري “وتر حساس” الذي يعرض حاليا على قناة “أون” المصرية ومنصة “واتش ات”، اختاروا قضايا اجتماعية سطحية للابتعاد عن مناقشة قضايا حيوية تهم قطاعا كبيرا من المواطنين، مثل ارتفاع أسعار السلع والخدمات والوضع السياسي العام وتعقيداته، لكن مشاهدة الحلقات بتمعن تحيل المشاهد إلى حقيقة مربكة، مفادها أن العمل يبدو تحريضا على الطبقة المخملية أو كما اعتاد البعض أن يطلقوا عليهم “سكان الكمبوندات” ورواد “الساحل الشرير”.

ويناقش المسلسل فكرة الخيانة بمفهومها الواسع من خلال سلمى طبيبة التجميل (النجمة الأردنية صبا مبارك) التي ترتبط بعلاقة حب مع رشيد (الفنان المصري محمد علاء) زوج صديقتها وابنة خالتها كاميليا (انجي المقدم)، لكنها تتردد قبل الاعتراف بذلك الحب حرصا على ألا تخون قريبتها، وهي في نفس الوقت شقيقة زوجها الراحل، ثم تتحول الأمور بعد أن تكتشف أن تلك القريبة دبرت في وقت سابق كمينا لها مع أحد زملائها في منزله لتجعل زوجها يكتشف خيانتها المزعومة ويتوفى متأثرا بانفعاله.

تركيز وإهمال

صناع العمل عمدوا التركيز على أفراد الطبقة المرفهة
◙ صناع العمل عمدوا التركيز على أفراد الطبقة المرفهة

تبدو القصة عادية ومكررة بمقاييس المجتمع المصري، لكن تعمد صناع العمل التركيز على أفراد الطبقة المرفهة يثير تساؤلات عن سبب تركيز الدراما على مناقشة قضايا هذه الطبقة، وما إذا كان الهدف نشر ثقافتها وقيمها المستمدة من الغرب في مجملها بين الطبقات الأدنى، ويمكن أن يوصف ذلك بأنه مسعى لـ"تغريب" المجتمع، أو تحريض تلك الطبقات ضدها، خصوصا أن العمل يتزامن مع انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، لإبراز كل عيوب المنتمين لتلك الطبقة وتصويرهم على أنهم من أسباب مشاكل مصر، لدرجة إطلاق تسمية “الساحل الشرير” على بعض القرى السياحية المطلة على البحر المتوسط، والتي يرتادها الكثير من الأغنياء.

بجانب مشاكل الخيانة والتآمر المنتشرة بين أبطال مسلسل “وتر حساس” الذين ينتمون لطبقة الأثرياء، قدم المسلسل استعراضا لسلبيات وانحرافات أخرى تخصهم مثل ازدواجية المعايير الأخلاقية التي تجعلهم يحتسون الخمور ببساطة ويحرصون على أداء صلاة الاستخارة قبل اتخاذ القرارات المهمة، أو جعل “مازن” ابن المحامي الشهير يحاسب خطيبته على تناولها الغداء مع زميلها في منزله بينما لا يرى مشكلة في تورطه بعلاقة غير شرعية مع عاملة في كافتيريا النادي تدعى فرح ثم تهربه منها بعد أن حملت سفاحا.

كما لا يخلو المسلسل من الإساءة للفقراء دون أن نعرف إذا كان الهدف إظهار تعرضهم لمعاملة سيئة من الأغنياء، وبالتالي تأليب المشاهدين ضد هؤلاء، أو ترويج فكرة أن الفقراء موجودون فقط في المجتمع من أجل خدمة وتلبية أغراض الأثرياء الذين يظهر العمل أنهم لا يرون فيهم سوى أدوات لتحقيق رغباتهم، منها الجنسية مثلما فعل مازن مع عاملة الكافيتريا، أو التآمر كما استخدمت كاميليا زميل سلمى الطبيب المكافح لينصب لها فخا ويفضحها أمام زوجها ما تسبب في وفاته مقهورا.

استنكار مجتمعي

يمكن رصد مشاهد وجمل حوارية ملفتة، مثل حالة الاستنكار التي قابلت بها سلمى وشقيقتها ليلى ادعاءات عاملة الكافيتريا (فرح) بوجود علاقة مع مازن، ليس لسبب أخلاقي، لكن لأن الشاب الثري يمكنه الارتباط بعلاقة مع أي فتاة من طبقته وليس مع عاملة بسيطة، أو قبول الفتاة لتغيير موقفها وإنكار علاقتها مع مازن بعدما قدمت لها كاميليا رشوة مالية جيدة لتغيير موقفها، في دلالة واضحة على أن الأغنياء مقتنعون بأنهم يستطيعون شراء شرف الفقراء وكرامتهم بالمال.

ويلفت الانتباه أن المسلسل قدم الفتاة الوحيدة المتمسكة بالمبادئ وهي داليا الشقيقة الوسطى لسلمي وليلى في صورة الفتاة النكدية الفقيرة التي تعيش وزوجها على فتات النعم التي يلقيها لهم أقاربهم الأثرياء، حيث يعيشان في الفيلا التي تملكها سلمى ويفرضان نفسيهما على الأسرة كما يعمل الزوج موظفا في شركة رشيد عشيق ليلى، وهي تفاصيل تجعل المشاهد ينفر من انحياز داليا للمبادئ بينما تستفيد هي زوجها من هؤلاء الناس الذين تنتقدهم ليلا ونهارا.

المخاوف من الرقابة دفعت صناع الدراما إلى تجاوز الواقع بالأفكار الخيالية والقضايا التاريخية وصراعات ومشكلات الأغنياء

مسلسل “وتر حساس” ليس أول عمل يمكن تصنيفه على أنه تحريضي ضد الطبقة المخملية، لكنه الأكثر تركيزا عليهم، وسبقته أعمال تناولت انحرافات أبناء تلك الطبقة بالنقد المبطن، أشهرها مسلسل “فوق مستوى الشبهات” للنجمة يسرا وعرض في رمضان 2016، وقدمت فيه يسرا دور سيدة من المجتمع الراقي تتفنن في إلحاق الضرر بمن حولها، وأبرز ما ركز عليه شخصية دينا (نجلاء بدر) وهي سيدة متزوجة وأم تعيش في فيلا داخل مجمع سكني فاخر وتخون زوجها مع صديقه بلا خجل.

وفي رمضان عام 2023 عرضت الفضائيات المصرية عدة مسلسلات ناقشت قضايا اجتماعية تخص الأسر المنتمية للطبقة المتوسطة العليا، مثل الخيانة والطلاق فيما بات يعرف بـ”دراما الكمبوند”، ومن بين هذه الأعمال مسلسلات “كامل العدد” و”الهرشة السابعة” و”مذكرات زوج”، ولا يعرف إذا كان هذا التوجه تحريضيا ومقصودا من قبل صناع الدراما ويهدف للتركيز على تلك الطبقة، أم هو محاولة للهروب من تناول قضايا اجتماعية مهمة تخص الطبقة المتوسطة التي تمثل الشريحة الأكبر من المشاهدين في مصر.

الرقابة المستترة

◙ تجاوز الواقع بالأفكار الخيالية والقضايا التاريخية وصراعات ومشكلات الأغنياء
◙ تجاوز الواقع بالأفكار الخيالية والقضايا التاريخية وصراعات ومشكلات الأغنياء

ويقول الناقد المصري محمد الأسواني إن هناك مبررا (كلشيهات) جاهزة وراء عدم قدرة صناع الدراما على مجاراة رغبة الجمهور في رؤية نفسه وواقعه في الشخصيات والأعمال الدرامية، وهي محاذير رقابية وخوف من التصنيفات السياسية في حالة مناقشة الفقر والتراجع الطبقي بشكل جاد أو ساخر، في ظل حساسية شديدة لدى السلطة تجاه إظهار المجتمع المصري بصورة سلبية، والخوف من تهمة نشر الروح السلبية.

هذه المخاوف دفعت صناع الدراما إلى تجاوز الواقع بالأفكار الخيالية والقضايا التاريخية وصراعات ومشكلات الأغنياء، والتي قد ترضي أيضًا ذوق فئات عديدة في المجتمع، لكن تبقى التحولات الطبقية الدرامية في المجتمع بسبب الواقع الاقتصادي منطقة غير مستغلة في الدراما المصرية حتى الآن.

◙ مسلسل "وتر حساس" ليس أول عمل يمكن تصنيفه على أنه تحريضي ضد الطبقة المخملية لكنه الأكثر تركيزا عليها

كما أن أغلب المنتجين يتجنبون تقديم أعمال درامية تتناول قضايا سياسية حالية بمختلف أشكالها وتأثيراتها، خوفا من رد الفعل الرافض لها، أو لأنهم لن يجدوا شاشة تعرضها لهيمنة شركة واحدة على الإنتاج الدرامي، وتحكمها الكامل في الموضوعات التي تناقش، لكن الملفت أنهم لا يستطيعون انتاج أعمال تبرز الجوانب الايجابية في القضايا السياسية، لأن هكذا أعمال يتم إنتاجها بالأمر المباشر وغير مسموح لشركات الإنتاج بالمبادرة أو الاجتهاد أحيانا.

وهناك من يعتقد أن منتجي الدراما يكبلون أنفسهم بقيود وهمية ربما ناتجة عن المناخ العام، والذي لا يسمح بكثير من الحراك الإبداعي، ويؤكدون على أن أي جهة يصعب عليها منع عمل جيد من العرض، بدليل السماح لعرض مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" في رمضان الماضي ويحكي قصة أسرة تعيش في منطقة شعبية في القاهرة، وتعاني من فقر شديد دفع بناتها لعمل فيديوهات على منصة "تيك توك" سعيا لكسب المال، وقدم العمل استعراضا لمشاكل اجتماعية، مثل الفقر والتراجع الطبقي وأزمات أصحاب المعاشات في مصر.

بشكل عام يندر وجود عمل درامي في السنوات الماضية يناقش مشاكل المجتمع الأكثر عمقا وواقعية، فضلا عن الغياب شبه الكلي لقضايا الطبقة المتوسطة بعدما كانت القاسم المشترك في معظم الأعمال الناجحة في عقود سابقة، مثل “ليالي الحلمية” و”الشهد والدموع”، كما قلت الأعمال التي تناقش قضايا مجتمع الصعيد (جنوب مصر) على الخريطة الدرامية بعدما كان بطلا لمسلسلات مهمة في أوقات سابقة مثل “حلم الجنوبي” و”الضوء الشارد” و”الليل وآخره”.

يرجع ذلك إلى افتقاد المؤلفين الموهوبين أصحاب الرؤى الفنية والاجتماعية، بالرحيل عن الدنيا، مثل أسامة أنور عكاشة، ومحمد صفاء عامر، أو بالانزواء والبعد عن المجال الفني مثل محمد جلال عبدالقوي.

15