هيئة الاتصال التونسية تنتقد سياسة التمييز في الدعم الحكومي للمؤسسات الإعلامية

جدّدت المساعدات المالية الحكومية للمؤسسات الإعلامية المتضررة من وباء كورونا في تونس، الخلاف بين الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري (الهايكا) وحكومة هشام المشيشي، التي لطالما اتهمتها الهايكا ونقابات الإعلام بالمماطلة والمناورة في التعاطي مع مطالب الصحافيين.
تونس - استنكرت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري في تونس (الهايكا) سياسة التمييز في توزيع المساعدات المالية على المؤسسات الإعلامية التي ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة زادت حدتها في أعقاب ظهور الوباء.
ونددت الهايكا في بيان الأربعاء بإسناد الحكومة لمساعدات مالية لعدد من المؤسسات الإعلامية ”دون الالتزام باحترام مبادئ الشفافية والنزاهة والإنصاف ودون اعتماد معايير موضوعية محددة وقبلية على غرار التجارب الرائدة في هذا المجال.”
وعمقت أزمة كورونا من متاعب قطاع الإعلام في تونس، خاصة الصحافة الورقية التي تعاني ارتفاع التكاليف وغياب الدعم. وشكلت تداعيات الوباء ضربة قوية للقطاع الذي يعاني أصلا من أزمات مالية كبيرة منذ سنوات طويلة.
وفي مواجهة أزمة اقتصادية خانقة قادت إلى توقف عدد من المؤسسات الإعلامية وتسريح عدد كبير من الصحافيين، أعلنت الحكومة التونسية السابقة برئاسة إلياس الفخفاخ عن إجراءات للتخفيف من معاناة القطاع ودعمه.
وأفادت الحكومة في مايو الماضي، بأن الدولة ستتكفل بنسبة 50 في المئة من رسوم البث عام 2020 لكل القنوات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة، التي تلتزم بدفع الرسوم المذكورة في مواعيدها المحددة، إضافة إلى منحها مهلة لتسديد رسوم الربع الأول من العام الجاري حتى نهاية 30 يونيو القادم.
كما قررت المساهمة في الاشتراكات الرقمية للنسخ الإلكترونية من الصحف المطبوعة من قبل الدولة والمؤسسات العمومية وفق ميزانية تقدر بـ1.2 مليون دينار (حوالي نصف مليون دولار)، ويقتطع ذلك من الاعتمادات المرصودة في الميزانية.
وأكّدت الهايكا على أهمية الدعم المالي لوسائل الإعلام السمعية البصرية المتضررة من الأزمة الصحية، لكنها في نفس الوقت أبدت رفضها لطريقة تعاطي الحكومة مع الوضعية المالية الصعبة التي تعيشها العديد من المؤسسات الإعلامية، وهي طريقة اعتبرتها “تذكر بثقافة العطاءات والمزايا وتفتح المجال لشبهات التوظيف والتلاعب والسعي للتحكم في القطاع وتتعارض مع مبادئ الحوكمة في التصرف في المال العام التي تقتضي أقصى درجات الشفافية والنزاهة”.
وجدّدت رفضها لهذا التمشي ”الذي تتعمد الحكومة من خلاله تغييب دور الهيئة التعديلية في معالجة العديد من ملفات القطاع وعدم تشريكها في وضع المعايير القبلية المجردة لإسناد المساعدات المالية كدليل على الإمعان في تجاوز الهيئات الدستورية لمجرد تمسكها بدورها كسلطة عمومية مضادة”.
وأوضح هشام السنوسي عضو الهيئة أنه “وفق المعمول به في التجارب الديمقراطية الرائدة عندما تقرر الحكومات أن تعطي مساعدات يجب أن تكون معلنة وضمن معايير محددة.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن ما حدث في تونس، هو عدم إشراك الهيئة التعديلية باعتبارها المشرف العام على القطاع السمعي البصري في وضع هذه المعايير.
وأبدى السنوسي أسفه لتجاهل الحكومة بلهيئة، كما تبدو المعايير التي وضعتها غير واضحة. لافتا إلى أنه “لا يوجد إنصاف في توزيع المساعدات حيث تم حرمان الإعلام الجمعياتي من هذه المساعدات”.
ولاحظ أن الحكومة ركزت على دعم الإذاعات والقنوات التلفزيونية التجارية لما لها من نسب عالية من الاستماع والمشاهدة، في خطوة وصفها بـ”غير المقبولة”.
وفي تقديره “كان لا بد أن يخضع صرف المال العالم إلى حوكمة متعارف عليها”.

وبين السنوسي أن للهيئة مقترحا لم تتفاعل معه الحكومات المتعاقبة وهو إحداث صندوق لدعم الإعلام الخاص وجودة المضامين الإعلامية الذي يشترط أن تكون المساعدات مرتبطة بجودة المضامين وليس مجرد مساعدات خاصة أننا نعلم أن هناك إشكالية كبيرة في جودة المضامين في العديد من وسائل الإعلام التونسية.
وعبّرت الهايكا عن رفضها لما وصفته بسياسة التمييز التي انتهجتها الحكومة في هذا الملف تجاه عدد من وسائل الإعلام، وشدّدت على استهجانها لتجاهل إذاعات الجمعيات رغم خصوصيتها غير الربحية والدور الذي تقوم به على مستوى المناطق المهمشة إعلاميا.
والمفارقة أنه تم تجاهل إذاعات الجمعيات رغم إقرار الحكومة بإنشاء صندوق أموال مشاركة لدى رئاسة الحكومة بقيمة خمسة ملايين دينار لدعم المجهود الاتصالي للدولة في الحملات التوعوية والتثقيفية.
ويضاف إلى ذلك تخصيص اعتماد من ميزانية الدولة بقيمة خمسة ملايين دينار لتمويل برنامج تأهيل القطاع ومساندته في الدخول إلى منظومة التحول الرقمي.
وأشار الطيب الزهار رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف أن “الجمعية شاركت في هذه الحملة التوعوية في بداية أزمة كوفيد – 19 لدعم جميع وسائل الإعلام.”
وبين الزهار في حديث لـ”العرب” أنه “اقترح تخصيص مبلغ مالي لمساعدة الصحافيين الذين تم الاستغناء عنهم في أزمة كورونا، كما تم إعداد شروط تراعي أخلاقيات المهنة واتفاقيات الشغل لتوزيع هذه المساعدات.”
ولفت إلى أن حكومة هشام المشيشي وافقت على هذه الإجراءات التي أعدتها الحكومة التي سبقتها، لكنها تأخرت في تطبيقها.
وتوقع الزهار أنه بعد ضغوط النقابات ستتحرك حكومة المشيشي لدعم المؤسسات الإعلامية.
وتعليقا على بيان الهايكا، اعتبر الزهار أن التشكيك في عملية توزيع المساعدات في غير محله، وأنه كان على الهيئة أن تدعم جميع المساعدات المالية للقطاع.
ولطالما اتهمت الهايكا ونقابات الإعلام حكومة المشيشي بالمماطلة والمناورة في التعاطي مع مطالب الصحافيين. واتهمت الحكومة التي تقف حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية على رأسها بالانحياز إلى مؤسسات بعينها تواليها لتطبيق أجندتها، كما اتهمت بمساعيها لوضع يدها على الإعلام فيما ينفي المشيشي ذلك.
وسبق أن هاجمت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري حكومة المشيشي، وحملتها مسؤولية عرقلة مسار إصلاح الإعلام العمومي وتعطيل معالجة ملفاته العالقة منذ سنوات، وفسح المجال للأحزاب لاستغلال وسائل الإعلام.
واتهمت الهايكا الحكومة في فبراير الماضي بالإصرار على “تطويع المشهد السمعي البصري وتوظيفه لفائدة أحزاب سياسية ولوبيات مالية استثمرت على غير وجه حق في الإعلام وتمكنت من الهيمنة على مؤسسات الدولة وتسيير دواليبها ورسم توجهاتها خدمة لأجندات خاصة”.