هيئة الإعلام التونسية في قلب جدل سياسي يهدد استقلاليتها

أصبحت الهايكا في قلب جدل سياسي مع مساعي بعض الجهات والأحزاب داخل البرلمان التونسي لتغيير الأسس القانونية التي أنشأت بموجبها وهو ما يمس فكرة استقلاليتها ويكرس المال السياسي في قطاع الإعلام.
تونس – كشفت نسرين العماري النائبة بالبرلمان التونسي عن كتلة الإصلاح الوطني، أن ما يريده ائتلاف الكرامة هو أن ينتخب أعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهايكا” في البرلمان مما يعني تعيينهم بالولاءات الحزبية وإفراغ الهيئة من عنصر الاستقلالية، الأمر الذي سيجعل الهايكا جزءا من الصراع السياسي.
وتعتبر الاستقلالية الأساس الذي أنشأت على أساسه الهيئة بهدف “تكريس مشهد إعلامي متنوّع ومتوازن يخضع إلى القانون دون سواه ويضمن المساواة التامّة بين مختلف الفاعلين في المشهد السمعي البصري”، وفق نص القانون 116 الذي ينظم القطاع الإعلامي في تونس، لذلك يعتبر خضوعها لأطراف سياسية ضربا لصميم عملها وإلغاء لأسس إطلاقها.
وأصبحت الهايكا في قلب الجدل السياسي مع مساعي بعض الجهات والأحزاب داخل البرلمان لإزاحتها عن المشهد الإعلامي وتهميش دورها، من خلال تمرير مشروع قانون مبادرة ائتلاف الكرامة الذي أثار عاصفة في تونس واضطر البرلمان لتأجيل مناقشته إثر إصرار الصحافيين والنقابات المهنية على رفضه باعتباره يهدد القطاع بالفوضى.
ويتعلق مشروع القانون الذي تقدّمت به كتلة ائتلاف الكرامة بنقطتين أساسيتين تتعلق الأولى بإجراءات تجديد تركيبة مجلس الهايكا من خلال تعديل الفصل 7 من المرسوم عدد 116 وذلك باقتراح انتخاب أعضاء الهيئة المرتقبة بالأغلبية المطلقة (109 نواب) عوضا عن الأغلبية المعزّزة التي ينص الدستور على توفّرها لانتخاب الهيئات الدستورية (145 نائبا).
وتتعلّق الثانية بإضافة فصل جديد للمرسوم يتمّ بمقتضاه تعويض الإجازات بالتصاريح، وإلغاء التراخيص عند إحداث القنوات التلفزيونية وقد علّلت كتلة ائتلاف الكرامة ذلك بأنّ الحصول على إجازة بثّ لإطلاق قناة تلفزيونية “غير مبرّر مطلقا ولا يمكن تفسيره سوى برغبة بعض الجهات بالهيمنة السياسية أو المالية على المشهد التلفزيوني”، في نقض صريح لمقتضيات الفصل 16 من المرسوم 116 الذي ينص على أنّ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هي من تتولّى البت في مطالب منح الإجازات المتعلقة بإحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي البصري.
كما تتولّى ضبط كراسات الشروط واتفاقيات الإجازة الخاصة بمنشآت الاتصال السمعي البصري وإبرامها ومراقبة احترامها، وحدد الفصل السابع من المرسوم 116 مدة عمل الهايكا بست سنوات غير قابلة للتجديد على أن يقع تجديد ثلث أعضائها كل سنتين بالتناوب.
ويعتبر القطاع الصحافي التونسي أن سعي ائتلاف الكرامة لتنقيح القانون 116 المنظم للصحافة، وتغيير انتخاب أعضاء الهايكا عبر إيكال هذه المهمة للبرلمان، مناورة سياسية لخدمة أحزاب تملك قنوات إعلامية وأخرى تريد إلغاء نظام الترخيص، ولاقت المبادرة رفضا واسعا من القوى التقدمية الحية وفي مقدمتها نقابة الصحافيين، واتحاد الشغل، والهايكا، ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات والجمعيات المساندة لاستقلالية الهايكا والقطاع الإعلامي.
وتقول هذه المنظمات والهيئات إن السماح بإحداث قنوات تلفزيونية عن طريق “التصريح فقط” ستكون نتائجه وخيمة على المشهد الإعلامي الذي سيصبح المتحكم فيه هو المال السياسي للتلاعب بالرأي العام والتلاعب بنزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وخلال فترة عمل الهيئة منذ عام 2013 تباينت التقييمات حول القرارات التي اتخذتها، ويرى البعض أنها نجحت في اتخاذ مواقف متوازنة من بعض التجاوزات التي أتت بها بعض المؤسسات الإعلامية واتخذت في شأنها عقوبات مالية، بالإضافة إلى إيقاف بعض البرامج أو محوها من المواقع الرسمية أو منع إعادة بثها، في حين أنها تغاضت عمّا يحدث في أحيان أخرى من تعدّ على القيم المجتمعية والمساس بالأخلاق بدعوى حرية الضمير ومواقف سياسية.
لكن يؤكد الجميع على أهمية الحفاظ على استقلال الهايكا، وأشارت العماري في تصريحات إذاعية “لا أحد ينكر أن الهايكا وأي هيئة تعديلية في العالم لها مشاكل لكن لا يعني ذلك أن تتخلى عن دورها، الهايكا قامت بدورها في فترة الانتقال الديمقراطي في مراقبة المضامين ووقفت على نفس المسافة من الجميع وسلطت عقوبات على المخالفين وأخذت مواقف شجاعة بخصوص القنوات والإذاعات الخارجة عن القانون مثل نسمة والزيتونة وقناة حنبعل التي تشهد توظيفا سياسيا لصالح أطراف وأحزاب موجودة في البرلمان وهذه الأطراف لها مصالح في الحفاظ على الثغرات القانونية في قطاع الإعلام حتى لا تتم محاسبتها ولهذا أرادت تعديل المرسوم 116”.
واعتبرت “أن هناك أطرافا في المجلس لا تؤمن بتنظيم قطاع الإعلام عبر قوانين ومراسيم بل تؤمن بالفوضى لأن الإعلام بالنسبة إليهم غير مهم، وحتى يفلت العديد من الرقابة والعقاب على المحتوى الذي يبثونه وتهميش الصحافيين والتقنيين”.
واقترحت أن يكون قانون الاتصال السمعي البصري الذي اشتغلت عليه الحكومة مع الهياكل النقابية والمجتمع المدني هو المرجع.
وكان مجلس الوزراء قد صادق في يوليو الماضي على مشروع قانون أساسي يتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري ويهدف إلى تنظيم القطاع وصلاحيات الهيئة الدستورية المستقلة، لكن حكومة هشام المشيشي سحبت القانون من البرلمان.
واعتبر هشام السنوسي الأسبوع الماضي، أن سحب حكومة المشيشي لمشروع القانون تم بأمر من كتل النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة في البرلمان لتمرير مبادرة ائتلاف الكرامة لتنقيح المرسوم 116.
وأضاف السنوسي في تصريحات إذاعية أن المبادرة التي سحبتها حكومة المشيشي اشتغلت عليها ‘الهايكا’ وقدمتها الحكومة السابقة للبرلمان، مشيرا إلى أنها استوفت شكليا وأخلاقيا جميع الإجراءات باعتبار استشارة جميع الأطراف أثناء صياغتها.
وتابع “من الناحية القانونية ليس لنا أي إشكال في تحالفات الحكومة، ولكن من الناحية السياسية أعلنت نفسها محايدة ولكنها في الواقع أكثر حكومة تحزبا منذ الثورة وتأتمر بأوامر النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة”.