هوس الأمهات بالوظيفة يؤثر على نفسية أطفالهن

إدمان النساء على العمل يغبط المحيطين بهن حقوقهم.
الجمعة 2021/07/09
التوازن بين العمل والحياة الشخصية ضروري

يجمع خبراء علم النفس على أن إدمان الأمهات على العمل يلحق الأذى بالصحة النفسية لأطفالهن، ذلك أن الهوس بالوظيفة يؤثر على جوانب أخرى من الحياة. وينصح الخبراء الأمهات العاملات أن يقمن بالفصل بين العمل والحياة الشخصية، وأن يتأكدن من إعطاء الوقت والجهد المناسبين لكل منهما، مشيرين إلى أن ضغط العمل يؤثر على مزاج الأم وينعكس سلبا على نفسية الأطفال والمحيطين بها.

تجد معظم الأمهات العاملات أنفسهن مجبرات على بذل أقصى جهودهن للاستمرار بوظائفهن خاصة مع انتشار فايروس كورونا وما سببه من فقدان للوظائف، فيكرسن أغلب وقتهن للعمل حتى ولو كن يعملن من منازلهن. وتنعكس هذه الوضعية سلبا على نفسياتهن وتؤثر على مزاجهن ما يجعلهن يغضبن لأتفه الأسباب ويثرن سريعا ما يخلق مشاكل مع أطفالهن.

ويشير خبراء علم النفس إلى أن هوس الأمهات بالوظيفة يأخذ مكان معظم جوانب الحياة الأخرى ما يدمر الصحة النفسية لأطفالهن.

وتقول سامية جبري الأخصائية النفسية إن تكريس الأم نفسها للوظيفة يؤثر بطريقة سلبية على أكثر من مجال في حياتها، فهي الحاضرة الغائبة في نظر ابنها الذي يصبح بلا أم فيبحث عن الأمومة لدى غيرها ويحاول التقرب من نساء أخريات كالخالة أو العمة أو المربية.

وتضيف أن ذلك ينعكس سلبا على الطفل في عمر الخمس سنوات الذي يمكن أن يصبح عدوانيا أو انطوائيا أو يصاب باضطراب في الشخصية. وأشارت إلى أن الإهمال يدمر نفسية الطفل وأن الأطفال يستحقون الاهتمام والعاطفة.

ويؤكد الخبراء أنه على عكس الأشخاص الشغوفين الذين يستمتعون بعملهم، يعاني المدمنون على العمل من الإنهاك والإرهاق الشديدين ويكونون في الغالب شديدي التوتر.

وليس هذا وحسب، فعلى الرغم من أنهم لا يستمتعون بعملهم، يكونون أكثر بؤسًا وشقاءً عندما لا يعملون. ومثل هؤلاء الأشخاص يمرّون بأوقات عصيبة من الشعور بتأنيب الضمير حينما لا يعملون، وكثيرًا ما يعملون سرًّا خوفًا من التعرّض للتوبيخ من أصدقائهم وعائلاتهم.

كما يعتبر العديد من الناس قضاء ساعات طويلة في العمل، وكسب أموال كثيرة، دليلا على النجاح. ويُنظر إلى صفة المدمن على العمل في الكثير من الأحيان على أنها وسام شرف.

لكن بالنسبة إلى البعض، فإن الحاجة إلى العمل التي تبلغ حد الهوس تأتي على حساب كل شيء آخر. ويمكن للصحة، والعلاقات العائلية، وحتى نوعية العمل أن تتأثر بذلك كثيرا، فالهوس بالعمل يكلف ثمنا باهظا.

سامية جبري: الطفل يسعى للتقرب من نساء أخريات كالخالة أو المربية

ويعيش مدمن العمل تحت وطأة ضغط العمل فلا يعرف طعمًا للسكينة ولا للراحة وهو محب لهذا الأمر ويجعله هوس العمل مندمجًا لدرجة أنه غير قادر على ممارسة حياته بصورة طبيعية. ويعرف إدمان العمل بأنه الرغبة الملحة في الغوص في شكل من العمل المتواصل من دون الشعور بالشبع.

وقال الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة إن تحقيق التوافق بين الرغبات الشغلية الذاتية وبين الواجبات الأسرية من التحديات الصعبة التي تواجه المرأة الموظفة أو العاملة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الوظيفة مطلب الرجل والمرأة على حد السواء في عصرنا الراهن، وبه تتوج في الغالب المسيرة الدراسية لكل مواطن، غير أنّ الرجل أكثر حظا من المرأة باعتبار أنّ حدود تعبه اليومي تكون ساعة انتهاء توقيت العمل في حين أنّ المرأة تسارع للعودة إلى منزلها من أجل الطهي والتنظيف ومتابعة دراسة الأطفال… فالراحة لا تعرفها إلا عندما تأوي في ساعة متأخرة من الليل إلى فراشها.

وأكد بن منصور أن حرص المرأة على أن تكون ذات شخصية قوية في المجتمع وترتقي في سلم الوظيفة قد يجعلها إذا كانت فيها روح القيادة أو التسلط تضحي بعائلتها وتحاول إلقاء العبء الأكبر على الزوج، وفي هذا تعبر عن أنانية عائلية إذا كان همها رفع مقدار التحصيل المالي أو حيازة التقدير المهني والمجتمعي على حساب عنايتها بأبنائها الذين يكونون على هامش برنامج تحركها ونشاطها الأسبوعي.

وتقول الكاتبة لينا ناصر إن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمثل تحديا صعبا للعديد من العائلات؛ لأن “إدمان العمل” قد يدمر الصحة النفسية للأطفال.

وتصف مجلة “سيكولوجي توداي” إدمان العمل بأنه “أكثر من مجرد تكريس وقتك للوظيفة. إنه التزام يقترب من الهوس، ويأخذ مكان معظم جوانب الحياة الأخرى، ويشمل ذلك الأطفال”.

وحسب ناصر، فإن استمرار هذه الحالة لفترة طويلة، يعني عواقب أكثر خطورة على الأطفال، الذين يحتاجون إلى الكثير من العناية والاهتمام في سنواتهم الأولى.

وترسل الأم المدمنة على العمل مؤشرات لأطفالها أنهم ليسوا مهمين في حياتها، وأن الأولوية للعمل في المقام الأول. وهذا الشعور بعدم الأهمية يؤثر سلبا على نمو الطفل عاطفيا ونفسيا، ويسبب مشاكل طويلة المدى.

وتنصح ناصر الأم العاملة بأن تفصل بين العمل والحياة الشخصية، وأن تتأكد من إعطاء الوقت والجهد المناسبين لكل منهما.

إدمان العمل "التزام يقترب من الهوس"
إدمان العمل "التزام يقترب من الهوس"

ويؤكد الخبراء أنه إذا انشغلت الأم بالعمل على حساب الأطفال، قد يلجأون إلى خيارات أخرى لملء الفراغ العاطفي، مثل الإدمان أو السلوك العنيف. ووفقا لسيكولوجي توداي، فإن الأم التي تبذل الكثير من الوقت والجهد في حياتها المهنية، تؤثر سلبا على صحة أطفالها العقلية والعاطفية.

والمشكلة في هذه الحالة، أن العمل يستحوذ على ذهن الأم تماما، ويتحكم في مزاجها، وقد تتصرف بشكل سيء مع الأطفال عندما لا تسير الأمور جيدا على المستوى المهني. أما الأم المتوازنة، فتعطي الأولوية للأطفال وترتبط معهم بمشاعر قوية ولا يؤثر عليها الالتزام المهني.

وغالبا ما يترك أطفال الأم المدمنة على العمل أمام الشاشات والأجهزة الإلكترونية، بينما تنشغل هي بحياتها المهنية، وتبقى خارج المنزل لفترات طويلة، وهذا له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال.

ويتحمل الطفل في تلك الحالة الكثير من المسؤوليات، ويحرم من أوقات اللعب والمرح التي يحتاجها، ويكبر بسرعة دون أن تنتبه الأم.

وحسب خبراء علم النفس، فإن “الأطفال الذين لا يتمتعون بعطف الوالدين، يصبحون تدريجيا عرضة للإصابة بالاكتئاب، ثم الذهان بمرور الوقت”.

ويحتاج الأطفال بشدة إلى التواصل مع الوالدين، والحديث باستمرار عن تجاربهم اليومية؛ ليشعروا بالدفء العائلي.

لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يحرصوا على تلبية احتياجات أطفالهم العاطفية، تماما مثل حرصهم على تلبية الاحتياجات المادية.

ويجعل فقدان الطفل للعاطفة في البيت أو نقصها، يتعلق بكل من يمنحه هذا الدفء؛ فهو يتلقى عنه أسلوب حياته وربما معتقده ومفاهيمه وطريقة تذوقه وحديثه، وكذلك لغته ودينه وخاصة ممن يأنس منه القرب.

ويقول الكاتب مالك فيصل الدندشي في مقال بعنوان “الإشباع العاطفي لدى الطفل وأثره على سلوكه”، “إن الحب المفقود الذي هو بحاجة إليه؛ وتلك العاطفة التي لها خصوصية معينه، وطبيعة متفردة لا يجدها الطفل إلا عند أبويه ولا سيما الأم. الأم الذي إذا ضمته، وقبلته، وابتسمت له، ورعته بقلبها وروحها وكل ما تدخره في كينونتها الواهبة المتوهجة؛ انتعشت نفسه واطمأن قلبه”.

ويشير الكاتب إلى أن الأطفال والفتيان الذين ترعاهم أمهاتهم وتربيهم وتمنحهم من وقتها القسط الأكبر هم المتزنون المطمئنون المنسجمون مع محيطهم.

21