هل ينجح المصلح الأسري بمصر في ترميم شروخ العلاقات الزوجية

خصصت مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء دعاة ووعاظا وأئمة على درجة من الوعي المجتمعي ليقوموا بمهمة المصلحين الأسريين الذين يتدخلون في حال نشب خلاف بين الزوجين من شأنه أن يهدد سلامة الأسرة. كما عهدت إليهم بمهمة تدريب المقبلين على الزواج وتأهيلهم، للحد من ظاهرة الطلاق وسد الفجوة بين الأزواج.
القاهرة - لجأت المؤسسة الدينية في مصر أخيرا إلى إطلاق ممثلين لها في الأحياء والقرى والمدن تحت مسمى مصلحين أسريين، يتدخلون قبل حدوث الطلاق أو عند تأزم الخلافات، ويجلسون مع الزوجين لتقريب المسافات بطلب من العائلة أو تطوعا.
هناك من رأى الخطوة إيجابية ويمكن أن تنجح في ترميم شروخ العلاقة الزوجية، وآخرون اعتبروها بلا جدوى لأن المصلح الذي يقوم بهذه المهمة ليس خبيرا اجتماعيا.
تعتقد المؤسسة الدينية أن أكبر مشكلة تواجه الزوجين، اللذين وصلت علاقتهما إلى طريق مسدود أو اقتربا من الانفصال، ترتبط بعدم وجود من يرشدهما إلى الصواب ويتحاور معهما بطريقة إنسانية قائمة على النصح والإرشاد، وترهيبهما من تبعات الخطوة مستقبلا، خاصة أن هناك الكثير من العلاقات تنتهي لأسباب واهية يمكن حلها بالحوار والتفاهم، بعيدا عن الصدام والعناد الذي تغذيه العائلات نفسها.
ووفق إحصائيات رسمية، فإن قرابة 85 في المئة من حالات الطلاق في مصر تقع في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، الأمر الذي انطلقت منه مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء بتخصيص دعاة ووعاظ وأئمة لديهم الوعي المجتمعي، وتم انتقاء هؤلاء بعناية للقيام بمهمة المصلحين الأسريين، لتكون مهمتهم تدريب وتأهيل المقبلين على الزواج، إضافة إلى الدور الأكبر بالتدخل عند أي أزمة تعصف بالأسرة، للحد من ظاهرة الطلاق وسد الفجوة بين الشريكين.
علاء الغندور: الراغبون بالانفصال في حاجة إلى تدخل من أطراف لها ثقة ومصداقية
وتدعم الحكومة هذا التوجه، ممثلة في وزارة العدل التي أثنت على الخطوة وسبق لها إبرام اتفاق مع دار الإفتاء على تشكيل لجان من رجال دين يتم تدريبهم على أيدي متخصصين نفسيين واجتماعيين، قبل الانتشار في عموم الجمهورية للتدخل لفض النزاعات بين الأزواج الراغبين في الطلاق، بحيث تتم توعيتهم ونصحهم ومحاولة إصلاح مسار العلاقة قبل اتخاذهم القرار النهائي بالانفصال، وهي نفس الخطوة التي تنطلق منها فكرة المصلح الأسري حاليا.
بدأت المؤسسة الدينية تنشط بشكل واسع في ملف مواجهة الطلاق من خلال عدة مسارات، بينها إنشاء لجان لتوعية المقبلين على الزواج، وأخرى معنية بإعداد خطب في المساجد حول العلاقة الزوجية المثالية وكيفية تجنب الوصول إلى الطلاق.
ومسار ثالث يرتبط بتأهيل وتدريب المأذونين الشرعيين على عدم الانصياع لرغبة أي طرف من الزوجين في الطلاق، وإرسال الشريكين أولا إلى لجان الإفتاء والجلوس مع المختصين وشرح المشكلة وإيجاد حل لها قبل الانفصال.
يعتقد بعض المتحفظين على الخطوة أن زيادة نشاط المؤسسة الدينية بشأن البحث عن حلول لإشكالية الطلاق، قد لا تخرج عن كونها دعاية الغرض منها الظهور أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بصورة إيجابية، لأن الأزهر سبق له ورفض طلبا لرئيس الدولة بعدم الاعتراف بالطلاق الشفهي، ومن وقتها وتتهم المؤسسة الدينية بأنها تسببت في زيادة معدلات الطلاق في المجتمع.
ويبني هؤلاء وجهات نظرهم على أن رجال المؤسسات الدينية ليسوا ضالعين في حل المشكلات الأسرية والاجتماعية، لأنهم في النهاية رجال دين يتحدثون بلغة الحلال والحرام ليس أكثر، والقليل منهم لديه وسطية في التعامل مع القضايا الزوجية المتشابكة، وليس من السهل على هؤلاء التدخل لعدم وصول العلاقة بين الزوجين إلى مرحلة الطلاق.
يقوم الأزهر بتقديم دورات إرشادية للمقبلين على الزواج منذ فترة طويلة، لكن نتائجها لم تظهر على الأرض بالشكل الأمثل، كما أن المؤسسة الدينية لها لجان متخصصة في فض النزاعات الأسرية وتنشط في مناطق كثيرة، أو يذهب إليها الأزواج طواعية.
تظل الإشكالية في طريقة الخطاب الموجه من هذه اللجان إلى أصحاب المشكلات أنفسهم، إذ يختزل رجال الدين الأزمة في ما يجب فعله أو تجنبه، مع أن مؤسسة الزواج قائمة على التفاهم والتشارك والمودة.
يقول استشاريون أسريون إن كل تدخل من أيّ جهة، مهما بلغت درجته سيحد من أزمة الطلاق، فالعلاقات الزوجية أصبحت نفسية، وكل شريك يكون بحاجة إلى من يتحدث إليه ومعه، ويسعى لحل المشكلة بطريقة سهلة بسيطة بعيدا عن التعقيد، وتعريفه بكيفية التعايش وعبور الأزمات دون الوصول إلى الطلاق، فالانفصال لن يكون حلا، بل بداية لأزمات أخرى أكبر، وهو ما يستهدف المصلحون الأسريون تطبيقه.
أكد علاء الغندور، استشاري العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة، أن النسبة الأكبر من الراغبين في الانفصال يرفضون من داخلهم الوصول إلى مرحلة الطلاق وانهيار الأسرة، لكنهم بحاجة إلى تدخل من أطراف لها ثقة ومصداقية وبلا مصلحة ذاتية لتعديل قراراتهم وإنارة بصيرتهم إلى الصواب، لأن الكثير منهم يتخذ قرار الانفصال دون تفكير وفي لحظة غضب ولأسباب غير مقنعة، ووجود متخصصين في حل الخلافات الزوجية سيكون له دور إيجابي في مواجهة الأزمة.
وأضاف لـ”العرب” أن فكرة المصلح الأسري التابع للمؤسسة الدينية مقبولة نسبيا، لكنها منقوصة، إذ يجب أن يكون لدى الشخص خبير في علم النفس الاجتماعي ليتبنى الحل الأنسب للزوجين، ومهما كانت مثل هذه اللجان مهمة، فالأهم تأهيل المقبلين على الزواج وتعريفهم بقدسية الحياة الأسرية والطرق المثالية لتجاوز الخلافات بعيدا عن استسهال تدمير العلاقة، لافتا إلى أن وجود مختصين في العلاقات الأسرية مع رجال الدين يسهم بنسبة كبيرة في حل الإشكاليات الزوجية بعقلانية وفهم.
ويفتقد الكثير من الأزواج في سنوات الزواج الأولى الخبرة الحياتية في مواجهة الأزمات الأسرية، لذلك يطالب المختصون بضرورة أن يكون التدخل مبنيا على فهم، وهذا يتطلب وجود خبراء لهم علاقة بالأسرة عموما، يجلسون مع كل زوج بشكل منفرد لسماع المشكلة ويضعون حلولا عقلانية ويتم توجيه كل منهما للصواب.
ويعتقد الغندور أن جلوس الزوجين مع متخصصين وخبراء والاستماع بشكل تفصيلي للأزمة وسببها، والوقوف على ظروفهما الاجتماعية والنفسية والدوافع التي أوصلتهما إلى هذه المرحلة، قد يسهّل وضع حد للمشكلة.
85 في المئة من حالات الطلاق في مصر تقع في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وفق إحصائيات رسمية
ويساعد المختصون والمصلحون الأسريون على تغيير قرار الانفصال بنسبة كبيرة، لأن أسباب الطلاق قد تكون واهية، وفي المقابل يجب أن يدرك المصلح الأسري أنه يعيش في مجتمع له ظروف مختلفة، فالشق الديني لا يكفي فيها للعلاج، ومطلوب تقويم السلوك عبر الشق النفسي وحتمية إطلاق برنامج يختص بتأهيل المقبلين على الزواج.
ومن إيجابيات الخطوة أن تحرك المصلح الأسري تحت مظلة مؤسسة دينية تحظى بثقة وقبول الأغلبية المجتمعية، من شأنه أن يجعل الأسرة تتعامل مع مثل هؤلاء باحترام في ظل سمعة المنتسبين للأزهر الجيدة بين عموم الناس.
وتظل الميزة الأهم في مثل هذه اللجان أنها بلا مصلحة شخصية، لأن تدخلات العائلات حتى عند الصلح بين الزوجين قد تكون مقدمة للطلاق، أما المصلح الأسري فهو يكتفي بإرشاد الطرفين للصواب ليعدل كل منهما عن فكرة الطلاق، ولو بتعريفه بمخاطر ما بعد الانفصال، ويتطلب نجاح الخطوة تدخلا من أطراف حكومية ممثلة في المؤسسات التعليمية التي لا يزال دورها سلبيا في توعية الشباب والفتيات بالحياة الزوجية.
ووافق المجلس الأعلى للجامعات مؤخرا على تدريس منهج متخصص في العلاقات الأسرية، استجابة لطلب من الرئيس السيسي، باعتبار أن توعية الشباب والفتيات بقدسية الحياة الزوجية وكيفية بناء علاقات قائمة على التفاهم والتشارك والمودة، أساس الأسرة الناجحة المتماسكة والتي يصعب انهيارها.