هل يمثل رواج الصحف على مواقع التواصل مقياسا لجماهيريتها

في ذروة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل توجهات الرأي العام تسعى الكثير من المؤسسات الصحافية لتعزيز حضورها من خلال نشر الأخبار والتقارير لجذب جمهور المنصات المتزايد.
القاهرة – يدور في مصر جدل الآن حول الآليات التي تستخدمها بعض الصحف لترويج محتواها على مواقع التواصل، وأخذ بعضها جانبا لافتا من الإثارة والخداع والكذب في أحيان كثيرة من دون اهتمام بالجانب المهني، وهو ما جعل بعض الخبراء يحذرون من النتائج القاتمة التي يمكن أن تحيط بالصحافة المصرية، وبدلا من البحث عن تطويرها تكنولوجيا قد تجد نفسها تسقط في هاوية جديدة.
نشرت إحدى الصحف الشهيرة خبرا قبل أيام قالت فيه هذه اعتراضات محمد صلاح على أداء المنتخب المصري، والكل يتصور أن المقصود هو لاعب ليفربول الإنجليزي، غير أن الدخول على الخبر يكشف أن المقصود هو لاعب مصري سابق اسمه محمد صلاح، وهو ما يجعل الصحيفة جزءا ممن يثقون فيها، على الرغم من أنها لم تكذب، لكنها لجأت إلى الخداع.
وصارت هذه المسألة واحدة من السمات البغيضة في الصحف التي تعتمد على شبكات التواصل، فعدد كبير منها يتفنن في جذب الجمهور، ووصل الإفلاس إلى درجة عالية من التفاهة، حيث تم نشر صورة لمذيعة لمجرد أنها تشرب الماء بالملابس الرياضية.
ودفعت المستجدات الإلكترونية الكثير من الصحف والمواقع للإقدام على تطوير فني في حساباتها الموثقة على شبكات التواصل، مثل فيسبوك، تويتر وإنستغرام، ويتم بث ما تنشره على هذه المنصات وتحقيق زيادة في نسب المشاهدات والمتابعات والقراءات وهناك إدارات متخصصة في كل مؤسسة مهمتها مخاطبة هذا الجمهور.
خالد برماوي: التسويق الخبري على الشبكات الاجتماعية ضرورة حتمية
ومع الوقت صارت تتعامل الكثير من الصحف مع مسألة النشر على منصات التواصل باعتبارها ضروريات لا غنى عنها، وتأخذ حيزا كبيرا من اهتمامات المسؤولين كجزء من المنافسة بين المنابر الصحافية على استقطاب أكبر عدد من الجمهور عبر السبق الصحافي والتركيز على نشر موضوعات مثيرة.
وتوجد صحف ومواقع في مصر تضع جمهور الشبكات الاجتماعية في صدارة أولوياتها، من حيث التركيز على خطاب بعينه، وزيادة معدلات النشر بطريقة تجذب القراء وتوظيف الإثارة من دون مراعاة للمعايير المهنية ومضمون المحتوى والقضايا، فالمهم أن يكون لها قدر من الحضور.
وثمة فئة أخرى لا تزال بعيدة عن مواكبة التطورات التكنولوجية والمتغيرات الحاصلة في المشهد الرقمي، لا تهتم كثيرا بالحضور على الشبكات الاجتماعية، إما لكونها اعتادت على الرصانة وعدم النزول إلى مستوى “الترند الهابط” أو لأنها تخاطب جمهورا بعينه بطريقة نمطية، مثل صحيفة الأهرام الحكومية.
وقال محمد.ع، وهو اسم مستعار لصحافي يعمل بموقع إلكتروني تابع لصحيفة حكومية، إن المنابر الصحافية التابعة للحكومة تتمسك بالأصول المهنية في تناول الموضوعات، لأن مخاطبة المنصات الاجتماعية تتطلب قدرا من الإثارة ومواكبة الجدل واللهث وراء الترند، وهذا من المحظورات في بعض المؤسسات الرسمية.
وأضاف لـ”العرب” أن التقليدية التي تتعامل بها الصحف القومية في مصر أصبحت عائقا أمام حضورها على منصات التواصل، في طريقة العناوين الروتينية وعدم التطرق إلى مناقشة القضايا المطروحة على الشبكات الاجتماعية، ورغم أن هذه ميزة في زمن الفوضى الإعلامية، إلا أن لها انعكاسات سلبية على مستوى التسويق للمحتوى.
ولدى الموقع الذي يعمل به محمد إدارة مختصة بالتسويق للمحتوى على منصات التواصل المختلفة، إلا أن نسب الإقبال متدنية، مقارنة بالتفاعل الجماهيري مع صفحات مواقع أخرى على الشبكات الاجتماعية، فالمواقع المنافسة تعتمد بشكل أكبر على الإثارة والنزول لرغبات جمهور المنصات، بغض النظر عن المهنية.
وترتب على ذلك أن الصفحات الرسمية للمواقع والصحف الحكومية على منصات التواصل باتت تفتقد الحد الأدنى من التفاعل معها من جانب الجمهور، إلا إذا تم نشر أخبار حصرية أو تم تقديم مضمون متميز، وهذا من النوادر بعدما تحولت العديد من المنابر الصحافية القومية إلى ما يشبه النشرة الحكومية التي تفتقد العمق والتفرد.
وقال خالد برماوي خبير الإعلام الرقمي ومنصات التواصل إن التسويق الخبري على الشبكات الاجتماعية ضرورة حتمية، لأن أكثر من 55 مليون مصري يستخدمون الإنترنت ويتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا رقم ضخم للصحف إذا أرادت استقطاب شريحة منه، لكن الأمر يتطلب معايير على رأسها المحتوى الجذاب.
وأوضح لـ”العرب” أن صحافة الهاتف المحمول جزء من الإعلام الجديد، وتحتاج إلى تسويق من نوع خاص ومهارات للصحافي، ومن المهم أن يعرف صناع المحتوى أي جمهور يستهدفون وبأي طريقة: خبر، فيديو، وعلى أي منصة سيعرضون؟
ولفت إلى أن دراسة الجمهور المستهدف من أهم عوامل نجاح التسويق على شبكات التواصل، وهذا يتطلب تحليل احتياجاته وتوقيت تقديم الخبر وآليات كل منصة اجتماعية، ولا بديل عن أدوات لتحليل توجهات الجمهور لمخاطبته بشكل صحيح.
ويؤخذ على الكثير من المؤسسات الصحافية في مصر، والتي أخفقت في مخاطبة جمهور الشبكات الاجتماعية، أنها لم تُدرك بعد طبيعة المحتوى الذي يبحث عنه رواد المنصات، فنسبة كبيرة شغوفة بمطالعة أخبار قضايا لها قيمة وتتناسب مع تطلعاتها من الإعلام عموما، بعيدا عن تحولها إلى صوت للحكومة ونشر البيانات الرسمية.
وإذا التزمت الصحف والمواقع بعدم اللهث وراء الإثارة والجدل لا توفر البديل المهني الذي تعمل عليه، من نقد للمسؤولين أو التفرد بأخبار يبحث عنها الجمهور أو ممارسة الدور الرقابي المطلوب منها على أداء الجهات الحكومية، ومن الطبيعي أمام وقوفها عند نقطة واحدة بلا تطور أن تفقد جماهيريتها عند مرتادي منصات التواصل.
الصحف في مصر لم يعد أمامها إلا القيام بتطوير المحتوى ليتناسب مع احتياجات الجمهور بشكل عام، ومرتادي منصات التواصل بشكل خاص
ويعتقد مراقبون للمشهد في مصر أن ثمة أزمة تعاني منها الكثير من الصحف المصرية في علاقتها بالشبكات الاجتماعية، ترتبط بأسلوب الخطاب الموجه لجمهورها، فالناس تبحث عن طريقة التسويق التي تجذب انتباهها، بالصورة أو الفيديو أو البث المباشر، أو حتى باستخدام التقنيات الحديثة، لكن هذا يتم استخدامه في حدود ضيقة.
ومع أن هناك إدارات متخصصة في التسويق الصحافي على الشبكات الاجتماعية، إلا أنها تعمل بإمكانيات محدودة في العديد من المؤسسات، وأمام الأزمة الاقتصادية التي تضرب الكثير من الصحف وتركيزها على جلب الموارد المالية لا يتم توفير متطلبات فرق التسويق الصحافي وأصبحت تعمل في حدود المتاح.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن الترويج على منصات التواصل بحاجة لاحتراف، والعديد من المؤسسات تفتقد ذلك لغياب الكوادر المدربة على مخاطبة جمهور الشبكات الاجتماعية أو لغرق بعضها في البيروقراطية والإدارة العشوائية، وهذا تترتب عليه الاستعانة بأهل الثقة وإقصاء الكفاءات عن صدارة المشهد والمسؤولية.
ويتجاوز متابعو الصفحات الرسمية لبعض المؤسسات الصحافية على فيسبوك أربعة ملايين شخص، في حين أن التفاعل بالتعليقات ومشاركة المحتوى المنشور لا يتخطى عدد أصابع اليد الواحدة، ما يصعب فصله عن تقليدية التسويق وسطحية المحتوى وغياب الحد الأدنى من عوامل جذب الجمهور.
ولم يعد أمام الصحف في مصر إلا القيام بتطوير المحتوى ليتناسب مع احتياجات الجمهور بشكل عام، ومرتادي منصات التواصل بشكل خاص، إذ يصعب إقناع الشريحة التي يستهويها كل جديد وعصري مع استمرار سياسات تحريرية تخاطب الماضي، ولا تمتلك الحد الأدنى من معايير الصحافة الحديثة.