هل يلملم نتنياهو أوراقه المبعثرة بعد الحرب؟

منذ فترة طويلة تتحدث إسرائيل عن وحدة الساحات وتوحيد الهدف الفلسطيني وحزب الله اللبناني وكان خوف بنيامين نتنياهو من فتح عدة جبهات على إسرائيل حتى كتابة هذه المقالة واردا. ورغم المناوشات الخجولة على حدود الشمال ما زالت فرضية توحيد الساحات بعيدة، هكذا تبدو الصورة. علما بأنه كانت هناك فرصة كبيرة لدخول حزب الله في المعركة بعد مقتل ثلاثة من جنوده. وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة الاحتلال تتوعد بضربة لحزب الله وغزة، جاءت الحرب كسابقة عندما بادرت حماس وبدأت الحرب صباح السبت السابع من تشرين الأول – أكتوبر.
وكانت المفاجأة عندما دخلت المقاومة الفلسطينية ودكت حصون الاحتلال في غلاف غزة، فقتلت وأسرت وجرحت المئات من جنود الاحتلال، فضلا عن إطلاق الصواريخ إلى داخل فلسطين التاريخية، وكانت هذه البداية صاعقة وقعت على قيادة الاحتلال. اليوم إسرائيل لم تصحُ من غفلتها وسيترتب على ذلك وبعدما تضع الحرب أوزارها، تشكيل لجان تحقيق على المستوى الأمني وإقصاء عدد لا بأس به من قيادة الجيش ومحاسبة آخرين، أما على المستوى السياسي فسيكون لصندوق الانتخابات الكلمة الفصل فيه.
◙ نتنياهو يريد أن يكسب المعركة على عدة صعد لتحقيق نصر على حماس، وهذا في تقدير المراقبين صعب، لكنه يريد أن يوهم شعبه بذلك. وثانيا يروم التطبيع مع العرب فهو يريد كل شيء مقابل لا شيء
حسب ما رشح من أخبار، أفادت بعض التسريبات بأن مصر حذرت إسرائيل مما يجري في غزة. وجاء ذلك التحذير بعد إمعان الاحتلال في استباحة المسجد الأقصى وجنين ونابلس وطولكرم. لكن نتنياهو لم يهتم وضرب بكل هذه التحذيرات عرض الحائط، وقد ظن بأن استباحة المقدسات الإسلامية في القدس والخليل وغيرهما سيمر مرور الكرام، وترك لحكومة اليمين تملي عليه الكثير من القرارات التي تمس كرامة الأسرى الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية والاعتداء على النساء والشيوخ في باحات المسجد الأقصى.
كانت النتيجة هذا الرد المساوي في المقدار وأكثر، والمعاكس له في الاتجاه. فعلا، كان يوم السابع من أكتوبر يوما غير عادي على إسرائيل، وحتى الساعات الأولى من العملية لم يفق نتنياهو وقيادته السياسية والعسكرية من هول المعركة، وبدأ يجمع قواه ويحاول أن يصل إلى مسببات ما حصل في غلاف غزة، وهو حتى هذه اللحظة عاجز عن ذلك.
هنالك وقت طويل أمام القيادة العسكرية في إسرائيل وهي صاحبة الشأن في معرفة ما حدث وكيف حدث؟ لكن الأيام أمامها طويلة وتشكيل لجان يحتاج إلى جهد كبير والوصول إلى نتائج أيضا يحتاج إلى جهد، ولكن في الحالة الإسرائيلية الوضع مختلف، حجم الدمار الذي حل بدولة الكيان سيكون الدافع القوي للوقوف على الحقيقة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يدخل حزب الله المعركة رغم مقتل عدد من عناصره على الحدود الفلسطينية – اللبنانية؟
على ما يبدو هناك تنسيق على أعلى المستويات بأن يبقى حزب الله خارج معادلة الحرب، ودليل ذلك بعد اعتداء إسرائيل على جنوب لبنان وقتل عناصر من حزب الله، كانت هنالك فرصة وذريعة لدخول الحرب ورد الصاع صاعين وفتح جبهة الشمال، أو ربما ينتظر حسن نصرالله دخول إسرائيل مع غزة في حرب برية، عندها ستكون له حسابات أخرى.
حتى اللحظة إسرائيل لم تحسم أمرها في دخول غزة من البر، ولكن هناك نية لديها لفعل ذلك. وهذا ما قاله نتنياهو لبايدن بأنه سيجتاح غزة. ولم يفصح عن مواقف بايدن، لكن السكوت علامة الرضا. وفي حال تشكيل حكومة طوارئ في إسرائيل، وهذا يتضح في الأيام القليلة القادمة، فهذا يعني أن إسرائيل سوف تدخل غزة عبر البر ولو في اجتياح جزئي على أقل تقدير، الهدف منه إيجاد شريط أمني يكون الخاصرة القوية لحماية غلاف غزة.
◙ هنالك وقت طويل أمام القيادة العسكرية في إسرائيل وهي صاحبة الشأن في معرفة ما حدث وكيف حدث؟ لكن الأيام أمامها طويلة وتشكيل لجان يحتاج إلى جهد كبير
ونحن نتذكر منذ سنوات ماذا وقع. ومع ذلك لم تستطع إسرائيل الدخول إلى قطاع غزة واحتلاله بشكل كامل. ولن يكون اليوم مختلفا عن الأمس لعدة أسباب، منها حجم عدد الأسرى الإسرائيليين داخل غزة، وهذا يهدد حياتهم، فضلا عن الضغط الدولي والعربي. إسرائيل لا تريد أن تخسر ورقة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، فضلا عن تململ جبهة الشمال وهذا مهم، فضربتان في الرأس مؤلمة لدولة الاحتلال إذا دخل حزب الله المعركة.
نتنياهو يريد أن يكسب المعركة على عدة صعد لتحقيق نصر على حماس، وهذا في تقدير المراقبين صعب، لكنه يريد أن يوهم شعبه بذلك. وثانيا يروم التطبيع مع العرب فهو يريد كل شيء مقابل لا شيء.
في المحصلة النهائية خسر نتنياهو رغم محاولته تجميل صورته أمام شعبه. الكثيرون هم في إسرائيل من لا يثقون بالنخبة السياسية الإسرائيلية. لقد تطاولت حكومات إسرائيل المتعاقبة على القضية الفلسطينية في الضفة، تحاول إضعاف السلطة، وفي غزة تعيث خرابا ودمارا، هذا رغم الوقوف الغربي معها ودعمها. لكن تبقى لهم كلمة أخرى بعد الحرب، وهي مطالبة إسرائيل بحل القضية الفلسطينية حسب الشرعية الدولية.
لقد عبث نتنياهو بمصيره السياسي، وثمة عدة أوراق قد تطيح به، منها التعديل القضائي وحجم المظاهرات ضده، واحتضانه لليمين المتطرف، والفشل الأمني في غلاف غزة. أما على صعيد كسب الجولة من الحرب الدائرة اليوم، فمهما كانت النتيجة النصر أو الهزيمة، الخاسر هو نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة التي جرته لهذا المستنقع.