هل يلجأ الرئيس التونسي للفصل الثمانين من الدستور لحل البرلمان؟

انقسام في الطبقة السياسية وقيس سعيد يلوح بخطوات لوقف الفوضى.
الأحد 2020/12/13
القرار بيد الرئيس

تونس - دعت أوساط سياسية وقانونية الرئيس التونسي قيس سعيد إلى حل البرلمان وتطبيق الفصل الثمانين من الدستور الذي يتيح له فرض تدابير استثنائية لتسيير البلاد، وذلك أعقاب أحداث العنف التي شهدها البرلمان وزيادة الاحتقان بين الكتل النيابية.

لكن خبراء في القانون اعتبروا أن الدعوات لحل البرلمان لا تستند على تأويل قانوني بقدر ماهي لدوافع سياسية.

ودعا رئيس لجنة المالية في البرلمان، هيكل المكي مؤخرا، الرئيس سعيد للتسريع في تفعيل الفصل الثمانين من الدستور “لإنقاذ ما تبقى من الدولة التونسية”، معتبرا أن الدولة “تواجه خطرا داهما، وأن الحكومة باتت عاجزة عن مواجهة موجة الاحتقان”.

بدوره، طالب رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، الرئيس إلى تفعيل الفصل الثمانين الذي ينص على فرض الحالة الاستثنائية. كما أيد كل من النائب منجي الرحوي والوزير السابق محمد عبو الدعوات لحل البرلمان استنادا إلى هذا الفصل.

الصادق بلعيد: الدستور يخول للرئيس حل البرلمان في غياب المحكمة الدستورية
الصادق بلعيد: الدستور يخول للرئيس حل البرلمان في غياب المحكمة الدستورية

ويستند المطالبون بحل البرلمان إلى ما تعيشه البلاد من فوضى مع بلوغ المشهد البرلماني أسوأ مراحله بانتقال العنف بين النواب من عنف لفظي إلى شجار وعراك، ما ينقل صورة سيئة داخليا وخارجيا.

ويعتقد هؤلاء أن شرط “الخطر الداهم” الذي يبرر للرئيس الالتجاء إلى هذا الفصل متوفّر، باعتبار أن تفاقم العنف يعكس خطورة الأوضاع في البلاد.

واعتبر الخبير الدستوري الصادق بلعيد، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن “الدستور يخوّل للرئيس صلاحية حل البرلمان وذلك في ظل غياب المحكمة الدستورية ما يجعله هو من يؤول الدستور”. ورأى بلعيد أن” هذا الخيار لا مفر منه”.

ويقول الفصل الثمانون من الدستور التونسي إن “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لأمن البلاد ويتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.”

وتتباين التأويلات الدستورية بشأن هذا الفصل الذي يصفه الكثير من الخبراء بـ”الفصل الخطير” والذي من شأنه أن يقوّض المسار الديمقراطي في البلد، خاصة أنه تحول إلى ورقة سياسية كل طرف يريد توظيفها على طريقته.

وفيما تعتبر المعارضة أن الفرصة مواتية ليلعب الرئيس قيس سعيد دوره في تأويل الفصل واتخاذ إجراءات، يشير أنصار الأحزاب والكتل المشكلة للحزام الحكومي إلى عدم توفّر الشروط الموضوعية والقانونية التي تستوجب الالتجاء إليه.

ولم تكن الدعوة لحل البرلمان هي الأولى، إذ سبقتها العديد من الدعوات أبرزها في يونيو الماضي، على وقع تصاعد خلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم في تونس.

ولم يعلق الرئيس سعيد بشكل مباشر على دعوات تطبيق الفصل الثمانين من الدستور، لكنه حذر في أعقاب التوتر الذي ساد أعمال البرلمان قبل أيام، باتخاذ تدابير عبر الدستور ولكنه لم يفصح عنها بعد.

ويوضح جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري، في تصريح لـ”العرب” أن “الفصل الثمانين يضبط نوعين من الشروط”.

جوهر بن مبارك: شروط تطبيق الفصل الثمانين غير متوفرة لغياب الخطر الداهم
جوهر بن مبارك: شروط تطبيق الفصل الثمانين غير متوفرة لغياب الخطر الداهم

ويتمثل الشرط الأول، وهو شرط موضوعي، “في وجود خطر داهم يهدد كيان الدولة ويعطل سير المؤسسات، وهو ينطبق في حالة الحرب والانهيار الأمني الشامل وهي حالات غير عادية ولا تتعلق بأزمات سياسية وصعوبات تمر بها مؤسسات الدولة كما هو الحال في تونس”. ويتابع أن “وجود خطر داهم، شرط غير متوفر حاليا”.

أما الشرط الثاني وهو شرط إجرائي يتعلق بوجود المحكمة الدستورية التي لم تتشكل بعد.

وأوضح بن مبارك “يشترط الفصل الثمانون على الرئيس أن يعلم المحكمة الدستورية بإعلان حالة التدابير الاستثنائية”، وأن “من مهمة المحكمة مراقبة حالة التدابير الاستثنائية، وتقدر إن كان هناك فعلا ما يستوجب المرور إلى حالة الخطر الداهم من عدمها”.

واعتبر أنه “في غياب المحكمة الدستورية، فإن إعلان التدابير الاستثنائية قد يؤدي إلى انحراف كبير في السلطة ويعطي لرئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة، وهو ما لا يمكن أن يقبل به النظام الديمقراطي".

ويمنح الدستور التونسي المحكمة الدستورية صلاحيات تشمل مراقبة دستورية القوانين ومشاريع القوانين والمعاهدات الدولية والنظام الداخلي للبرلمان. كما أوكلت لهذه الهيئة القضائية المستقلة مهمة ضمان علوية الدستور وحماية النظام الجمهوري الديمقراطي والحقوق والحريات في نطاق اختصاصاتها.

لكن البرلمان عجز عن إرساء المحكمة الدستورية إلى حد الآن، وحالت التجاذبات السياسية دون ذلك.

وتشير أستاذة القانون منى كريم الدريدي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الفصل المثير للجدل واضح حيث يبقي البرلمان في حالة انعقاد تام، ما يعني صعوبة تطبيقه”.

وترى الدريدي أنه “لا يمكن حل البرلمان إلا في حالة وحيدة، وهي حين تعجز الحكومة عن الحصول على الثقة".

1