هل يلجأ الرئيس التونسي إلى قانون الطوارئ لمواجهة الفساد

يطرح تأزم الوضع السياسي المدفوع بالصراعات والتجاذبات في تونس تساؤلات حول مدى لجوء الرئيس قيس سعيد إلى اعتماد قانون الطوارئ لحل البرلمان أو استدعاء الجيش والقضاء العسكري في معركته ضد الفساد وشبهات تورط سياسيين فيه، في ظل إجماع المراقبين على انسداد أفق التسوية السياسية بين أطراف السلطة.
تونس – أثارت الأزمة الحادة بين مؤسسات الدولة مع تواصل “القطيعة” السياسية بين رؤوس السلطة في تونس، الجدل حول أفق المشهد العام بالبلاد لتجاوز الخلافات، كما أثارت تساؤلات المراقبين عن إمكانية لجوء الرئيس سعيّد لاعتماد قانون الطوارئ في خطوات مثل حل البرلمان أو استدعاء الجيش والقضاء العسكري في سياق التضييق على خصومه، إلى درجة وضع سياسيين وبرلمانيين في الإقامة الجبرية أو السجن، كما يطالبه بذلك بعض الداعمين له من التيار الديمقراطي أو حركة الشعب.
واعتبر رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي الأربعاء، أن كل التصريحات تصب في وادي تأزيم الوضع، منتقدا تغير مواقف الشخصيات السياسية بحسب الوضع وبحسب الظروف، وذلك في تعليقه على تصريحات النائب عن التيار الديمقراطي سامية عبو التي طالبت الرئيس التونسي بالاعتماد على الجيش والقضاء العسكري للزج بالفاسدين في السجون.
وقال الناصفي في تصريح لإذاعة محلية “إن سامية عبو في عهد حكومة يوسف الشاهد كانت تعارض بشدة هذه الإجراءات وترفض استعمال الأمر المنظم لحالة الطوارئ واليوم أصبحت تدفع إلى ذلك”.
وصرّح بأنه “إذا كان الرئيس سعيّد يريد العمل فعليه تقديم مبادرة لتنظيم حالة الطوارئ وجعلها قانونية ودستورية ومبادرة لتنظيم المحكمة العسكرية”، داعيا إلى ضرورة تكاتف الجهود للخروج من عنق الزجاجة.
واعتبر خبراء القانون والدستور أن شروط حلّ البرلمان الآن غير متوفّرة، وتتطلب وجود ظرف استثنائي لتجسيدها مع غياب المحكمة الدستورية، التي يتم اللجوء إليها للحسم في هذه النزاعات.
لكن هؤلاء بيّنوا أن الصفة العسكرية للرئيس سعيّد باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، تخول له إقرار بعض القرارات الاستثنائية وإحالة القضايا على القضاء العسكري.
وأفاد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، أن “حلّ البرلمان غير ممكن الآن تماما لأن شروط الحلّ التي نص عليها دستور 2014 في الفصل 99 معقّدة، وإذا ذهب الرئيس لحلّ الاستثناء الذي نص عليه الفصل 80، يمكن اعتماد تدابير استثنائية في حالة خطر داهم، فضلا عن غياب المحكمة الدستورية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك خلط يقع بين حالة الاستثناء وحالة الطوارئ، والآن توجد حالة الطوارئ التي نص عليها قانون 26 يناير 1978 المتعلق بحالة الطوارئ، والفرق أن واحدة أساسها القانون والأخرى الدستور”.
وقال “حالة الطوارئ موجودة منذ 2011 وتمدد بشهر، وهي توسيع لصلاحيات الإدارة في ضبط النظام العام، ما يحدّ من الحقوق والحريات للناس، والتمديد الآن يتم بمقتضى تأزم الوضع الصحي”.
وتابع “الرئيس لا يستطيع أن يشتغل إلا بالقضاء العسكري والمدني، والنيابة العمومية هي النيابة العسكرية، ويمكن أن يقرّ بعض القرارات وأن يضع بعض الأشخاص في الإقامة الجبرية، ويمكن أن يحيل القضايا على القضاء العسكري بصفته العسكرية، وكذلك قوات الأمن الداخلي حسب القانون 82 والأخطاء التي يرتكبونها من مهام القضاء العسكري”.
وأردف “القضاء العسكري هو قضاء متخصص وليس استثنائيا، فما اقترفه النائب البرلماني راشد الخياري وما ينسب له من مس بمعنويات الجيش وطعن في رئاسة الجمهورية، كان يفترض ألا يكون إعلاميا بل أن يودع ذلك للقضاء”.
واستطرد أستاذ القانون الدستوري “الفصل 87 يمنح الرئيس الحصانة لمدة 5 سنوات ولا يمكن أن تُرفع بأي شكل من الأشكال، وكان على القضاء العسكري أن يتتبع الخياري”.
وسبق أن أصدر القضاء العسكري بطاقة جلب ضد النائب راشد الخياري بعد اتهامه للرئيس سعيد بتلقي أموال من الخارج، في وقت لمّحت فيه حركة النهضة إلى وجود “تسوية سياسية” مع سعيد قد تتضمن التخلي عن رئيس الحكومة هشام المشيشي.
ولوّح سعيّد في خطاب بمناسبة العيد 65 لقوات الأمن الداخلي باعتقالات في صفوف سياسيين، عندما قال إنه “لن تنفعهم المصاهرة، أو الاستقواء بالخارج أو بالمال أو بالجاه السياسي، ولا يمكن التمسك بالحصانة”.
واستبعدت شخصيات سياسية الوصول إلى مرحلة وضع سياسيين وبرلمانيين في السجن، داعية إلى احترام القضاء العسكري.
وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح لـ”العرب”، “الأمر غير مطروح الآن وهناك قضاء عسكري ينظر في هذه المسائل”، مضيفا “هناك أزمة اقتصادية وموازين قوى مختلفة، ولا أعتقد أننا وصلنا على مرحلة الزج بالسياسيين في السجون”.
وأضاف “جزء من المأساة اليوم هو الإسلام السياسي الذي حكم منذ 10 سنوات وفرّط في الثورة والتحول السياسي والاجتماعي فأصبحت هناك ديمقراطية فارغة”. وتابع “نحن نساند القضاء العسكري ضدّ راشد الخياري، وجماعة حركة النهضة عليهم أن يكُفّوا عن شنّ حملتهم ضد القضاء العسكري”.
وكانت النائب بمجلس النواب والقيادية بحزب التيار الديمقراطي سامية عبو، دعت الاثنين “رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى استعمال الجيش والقضاء العسكري لإيقاف الفاسدين ووضعهم في الإقامة الجبرية”.
وأضافت عبو في تصريح صحافي أنه “في ظل غياب المحكمة الدستورية، فإن الشخص الوحيد الذي من الممكن اللجوء إليه في صورة وجود خلافات هو رئيس الدولة”.
وبدوره دعا الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي سعيد إلى “إعلان خارطة طريق لإنقاذ البلاد تكون بمثابة الأفق السياسي للشعب وتزيل الغموض من حول الرئيس”.
وقال إن رئيس الجمهورية “نجح في إدارة المعركة في جانبها الدستوري والقانوني”، مع حركة النهضة التي هي “الخطر الأكبر على البلاد ومصالحها الاستراتيجية والمسؤولة عمّا حلّ بتونس”.
وتعمل هذه الخارطة كذلك على “تحرير القضاء والجهاز الأمني لمحاسبة كل من أجرم في حق تونس بعيدا عن التشفي، مع ضرورة أن يتعهد رئيس الدولة بإنهاء المرحلة الانتقالية في ظرف لا يتجاوز تسعة أشهر على الأقصى مع الحرص على حفظ الحريات العامة والخاصة طيلة المرحلة الانتقالية”.