هل يقدر الرئيس سعيد على استثمار نتائج تيكاد سياسيّا لمواجهة معارضيه

تونس - طرحت نتائج “قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا” (تيكاد 8)، والتعهدات المالية اليابانية لفائدة تونس، تساؤلات لدى الخبراء والمراقبين عن مدى قدرة البلاد على استثمارها في ظلّ تواصل الأزمات المالية، وسط توصيات بضرورة تهيئة المناخ السياسي وتحرّر الحكومة من الضغوط التي تكبّلها.
ويطرح مراقبون تساؤلات عن قدرة الرئيس قيس سعيد على استثمار نتائج القمة لمواجهة انتقادات معارضيه، خاصة فيما يتعلق باستفحال الأزمة الاقتصادية.
وأعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أن بلاده تعهدت برصد استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لدفع نسق التنمية في القارة الأفريقية.
وتمثل قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا التي عقدت بالعاصمة التونسية فرصة استثمارية ودبلوماسية هامة لتونس بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد نتيجة العشرية الأخيرة.
وقال فوميو كيشيدا في افتتاح القمة إن بلاده تريد المساهمة في “نمو مقترن بالجودة” في القارة. وصرح في كلمته التي ألقاها من اليابان بسبب إصابته بفايروس كورونا “نعطي الأولوية لمقاربة تعطي قيمة لكل شخص: الاستثمار في الإنسان والنمو المقترن بالجودة”، مضيفا “لتحسين حياة الأفارقة، سنقدم أيضا ما يصل إلى خمسة مليارات دولار في شكل تمويل مشترك مع البنك الأفريقي للتنمية”.

حاتم المليكي: المضي في الاستثمار على المستوى القريب صعب جدا
وتشارك في “تيكاد 8” 66 شخصية رسمية ممثلة لدول ومنظمات، ومن بين الحاضرين 20 رئيس دولة وحكومة، حسب وزارة الخارجية التونسية. وتسعى طوكيو إلى مجابهة نفوذ الصين الاقتصادي في أفريقيا عبر تعزيز “تنمية يقودها الأفارقة بأنفسهم”.
والأحد قال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد، في مدينة الثقافة بالعاصمة، إنّ “تونس اقترحت 47 مشروعا بين ثنائي وشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، وآخر ثلاثي تونسي - ياباني - أفريقي، والتي يتمّ الإعداد والتخطيط لها من كافة الوزارات التونسية والتعمق فيها والتمويل وبرمجة التمويل خلال ثلاث سنوات”.
وشدّد في تصريح لإذاعة محلية على أنّ “عنصر النجاح هو المتابعة والنجاعة في الإنجاز التي لم تكن تميّز الخطط التنموية التي وضعت سابقا”، معلنا أنّه “من بين هذه المشاريع تمّ إمضاء اتّفاقيات مع الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) ووزارة الصحة”.
كما أكّد أنّه تمّت اللقاءات في أحسن الظروف لتحقيق نتيجة مثمرة لتونس والشريك الياباني مع بقية الدول الأفريقية.
وتساءل خبراء الاقتصاد عن مدى استعداد تونس لتفعيل التعهدات اليابانية الرامية إلى معالجة الاقتصاد المتردي، فضلا عن مدى وعي السلطات بأهمية تنقية المناخ السياسي والاجتماعي لاستيعاب تلك الاستثمارات.
وتتخذ المعارضة من الأزمة الاقتصادية وسيلة لانتقاد سياسات الرئيس سعيد، حيث تسعى لتحميله مسؤولية عقد من الفوضى والانهيار الاقتصادي، لكن السلطة في تونس تعول على قمة تيكاد لمواجهة التحديات الاقتصادية.
وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي “لمّا نقرأ عنوان القمة نجد أن تونس وجهة للاستثمار، وهي بوابة له بحكم الموقع القريب من أوروبا والنقل الجوي والبحري”، ملاحظا أن “تونس لديها مشاريع مدرجة في ميزانية السنة الحالية ولكن تفتقد إلى التمويل، والكرة الآن في ملعب الحكومة لتخفيض الضغوط المالية”.
وأضاف لـ”العرب”، “لا أعتقد أن تونس جاهزة لاستيعاب هذه الاستثمارات في الوقت الحالي لأن الرؤية الاقتصادية غير واضحة لتنويع الشراكات مع اليابان، هناك تعهّدات، والمطلوب تحسين المناخ السياسي ولكن لا توجد بوادر لذلك الآن”.
وتابع الشكندالي “سمعنا بأرقام خيالية حول التعهدات، ولكن لا بدّ من تنزيلها على أرض الواقع، وتونس مازالت تعيش تحت وطأة الفترة الاستثنائية”.
وقال رئيس غرفة التجارة والصناعة التونسية – اليابانية الهادي بن عباس إنه “تم في إطار ‘تيكاد 8’ تمرير 92 اتفاقية هامة، وتم التداول فيها منذ ‘تيكاد 7’ بكينيا سنة 2016، وهي تهم كل البلدان من بينها تونس، وشملت عدة مجالات منها اتفاقيات تتعلق بصناديق الاستثمار لدعم المؤسسات الناشئة ومؤسسات التأمين”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “الغرفة وضعت 81 مشروعا والدولة التونسية 17 مشروعا”، معتبرا أن المهم متابعة هذه المشاريع والأهم إقناع المستثمرين اليابانيين بتمويلها.

رضا الشكندالي: لا أعتقد أن تونس جاهزة لاستيعاب هذه الاستثمارات في الوقت الحالي
واعتبرت شخصيات سياسية أن استفادة القطاع الخاص من تلك التعهدات ستكون أكثر من القطاع العام، داعيا الحكومة إلى تحسين التعامل الدولي وتفعيل التعاون الاقتصادي في مسائل الشراكة.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “القمة موجّهة بالأساس إلى التعاون بين اليابان والقارة الأفريقية، وتونس لديها الأسبقية في ذلك عبر استضافتها للقمة، لكن يبدو أن استعداد القطاع الخاص أفضل من استعداد القطاع العام الذي يبدو أكثر تعقيدا”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “الدولة غارقة في الديون والقمة تنظر بالأساس في مسائل الشراكة”، متسائلا “هل أن الشركات العمومية قادرة على الالتحاق بالقطاع الخاص؟ كما أنه توجد في الجانب الحكومي صعوبة في التعاطي مع المستوى الدولي، والدولة لا تملك توجها وتعاونا اقتصاديا دوليا”.
وأشار المليكي إلى أنه “تم في قمة 2020 تقديم وعود كثيرة ولكن لم تطبق، والمضي في الاستثمار على المستوى القريب صعب جدا”.
ووافقت اليابان على منح تونس تمويلا بقيمة 100 مليون دولار للتخفيف من آثار جائحة كورونا، وذلك وفق تصريحات أدلى بها محمد الطرابلسي، المنسق الإعلامي لقمة تيكاد، لوكالة الأنباء التونسية الرسمية.
وهذه أول نسخة من تيكاد منذ تفشي فايروس كورونا والثانية في أفريقيا بعد أن استضافتها كينيا عام 2016. وتعقد القمة التي أطلقتها طوكيو عام 1993 كل ثلاث سنوات.
وحصلت تونس في فبراير 2020 على الموافقة على احتضان قمة “تيكاد 8” التي عقدت “يومي 27 و28 أغسطس الجاري” بمشاركة حوالي خمسة آلاف مشارك من اليابان ومن القارة الأفريقية.