هل يحرك البرلمان التونسي جمود تعديل مجلة الصرف

تونس - مع استمرار تجمد عملية تنقيح مجلة الصرف في تونس، يراهن البعض على دور قد يمارسه البرلمان لتحريك العملية، خاصة مع صدور تصريحات من نواب تعترف بضرورة الإسراع في سن قوانين تحرك الركود الاقتصادي الذي تواجهه البلاد منذ سنوات.
وتوجه انتقادات للبرلمان التونسي الذي يرى متابعون للشأن المحلي أنه لم يلعب دوره التشريعي بطرح مبادرة التغيير والمراجعة كما ينبغي، مع توصيات بضرورة أن تواكب المؤسسة التشريعية التحولات الاقتصادية والمالية عالميا.
وأكد النائب في البرلمان ومساعد للرئيس مُكلّف بالعلاقات مع المواطن والمجتمع المدني محمد أمين الورغي، أن “النواب لا يزالون ينتظرون ثورة تشريعية”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن مواصلة العمل بنفس القوانين الموضوعة قبل سنة 2011”.
ودعا في تصريح لوسائل إعلام محلية إلى “سن قوانين جديدة خاصة في ما يتعلق بوجوب تغيير القوانين المكبلة للاستثمار والعمل على تشجيع الاستثمار لاسيما الأجنبي وضرورة تغيير مجلة الصرف”، لافتا إلى أن “تونس تحتاج إلى خلق فرص شغل في القطاع الصناعي وتحفيز الاستثمار في هذا القطاع”.
كما شدد الورغي على “ضرورة إشراك النواب في مختلف مفاصل العمل الحكومي، حتى يكون النواب على وعي بالنصوص التشريعية والقوانين التي تجب مراجعتها”.
ويقول مراقبون إنه كان بالإمكان التعجيل في إقرار هذه الخطوة بدل إضاعة المزيد من الوقت، الذي من شأنه أن يفوّت فرصا استثمارية مهمة على تونس بسبب عدم انفتاحها على الأسواق الخارجية، كما قد يمهد لتداول العملات بالسوق الموازية وحرمان البلاد من موارد جديدة للعملة الصعبة واستقطاب الأموال المتداولة بالسوق السوداء.
ويضيفون أن غياب رؤية اقتصادية متكاملة مع تواتر الأزمات المالية وتتالي المستجدات الإقليمية والدولية المؤثرة، أفرز ترددا من السلطة في تنقيح قانون الصرف، حيث لا يمكن التعجيل باتخاذ القرار، ما لم تحدد السلطة ماذا تريد من إجراء التنقيح.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “الإشكال يتعلق أساسا بكيفية الانتقال من منوال اقتصادي إلى آخر، أي نظام ليبرالي أم أن الدولة سترعى المجال الاقتصادي بكل ما يعنيه ذلك من رقابة”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “التحكم في حركة الصرف في هذا الاتجاه يثير مخاوف من تسرّب المال الخارجي، كما يوجد تردّد في اتخاذ قرار التنقيح مبدئيا لتحرير الصرف، فضلا عن معطيات الظرف الإقليمي والدولي في مستوى المبادلات المالية”.
وأشار ثابت إلى أن “مهمّة البرلمان التونسي هامة للتعجيل بالنظر في كل ما له علاقة بالقوانين في هذا الإطار، وتأخر البرلمان في طرح الملف والمصادقة عليه مردّه عدم وضوح الرؤية للطبقة الحاكمة في البلاد للبحث عن نموذج مؤات لخلق النمو الاقتصادي”.
والعام الماضي، أكد محافظ البنك المركزي مروان العباسي أنه تم عرض القانون على رئاسة الحكومة لتبدي موقفها منه، لافتا إلى أن القانون لن يفضي حتما إلى فتح أرصدة بالعملة الأجنبية لكل التونسيين.
وبيّن العباسي أن مشاكل الصرف يمكن تجاوزها وسيصبح ممكنا بالنسبة للتونسيين فتح أرصدة بالعملة الأجنبية في حال تطورت الاستثمارات الخارجية وعودة محركات الإنتاج إلى سالف نشاطها، مشيرا إلى أن البنك المركزي قدم مسودة تقنية لقانون الصرف تضمنت مقترحات البنك، لافتا إلى أن الحكومة هي التي تُعد هذا القانون.
وكان من الممكن أن يتم العمل على تجاوز العوائق التي تواجهها المؤسسات وقطاع الأعمال في المعاملات بالعملة الأجنبية من خلال تجسيم الإصلاحات العملية في قانون الصرف الجديد، وتشمل هذه الإصلاحات مراجعة الآجال وتبسيط الإجراءات المتعلقة بفتح الحسابات بالعملة الأجنبية للمستثمرين، والسماح وفق شروط مضبوطة للوسطاء المقيمين المرخص لهم باعتمادهم كضامن للبنوك الأجنبية وللفروع المفتوحة في الخارج بما يسمح بتنفيذ التمويل المطلوب من قبل المؤسسات المتعاملة مع الأسواق الخارجية.
وأفاد الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنادي بأن “تنقيح مجلة الصرف محل اهتمام من البنك المركزي التونسي، وهي مجلة تضبط علاقة المعاملات المالية والتجارية والاقتصادية بين الدول، والروابط بين الاقتصاد المحلي والخارجي، فضلا عن استمرارية المعاملات والخدمات الخارجية بالعملة الصعبة مع البنوك الدولية”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “تأخر تنقيح مجلة الصرف لأن المجلة الجمركية فرضت شروطا معينة، والمخالفات الصرفية تخلّف مداخيل إضافية للدولة، لأن في العشر سنوات الماضية كان هناك العديد من التجاوزات”.
وأكد الجنادي أن “المجلة إذا ما تم تنقيحها، فإنه لا يمكن النظر في الخطايا السابقة، وهذا يسبب عائقا اقتصاديا للاستثمار الداخلي والخارجي، وبالتالي لا يمكن التمسك بإجراءات دون فائدة للجميع”.
ودعا الخبير المالي إلى “ضرورة تنقيح المجلة في أقرب وقت لأن الدولة في حاجة إلى مداخيل إضافية، ولا بد من أن تكون العلاقة لينة في التعامل لأنها من شأنها أن توفر سيولة كبيرة للدولة في حدود 15 مليار دينار (4.85 مليار دولار)”.
وتتجه تونس، وفق تصريحات لمسؤولي البنك المركزي، نحو تعميم الخدمات المصرفية عن بعد، مع سن قوانين جديدة لتحفيز الشركات والعملاء على التجارة الإلكترونية وذلك عبر تخفيض الرسوم الخاصة بالدفع عبر البطاقات البنكية.
وتتصاعد مطالب الخبراء بضرورة أن تندمج البلاد في الاقتصاد الرقمي العالمي لتعويض الاقتصاد التقليدي تدريجيا، علاوة على إرساء منظومات جديدة تحفز المؤسّسات الاقتصادية على الانخراط فيها.
وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي “هناك العديد من النقاط التي يجب أن تندرج في إطار رؤية اقتصادية شاملة، ومن معوقات التعجيل بتنقيح مجلة الصرف هو عدم امتلاك تونس لرؤية اقتصادية واضحة بخصوص الجانب المتعلق بقانون الصرف والانضمام إلى مجموعة بريكس والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “الإشكال في تغيير قانون الصرف في إطار اقتصادي، وعلينا أن نعرف ماذا نريد تحديدا، وإلى حد الآن لا يوجد تحمّس لهذه الخطوة لأن من يطرح التنقيح لا يملك رؤية ولا يعرف ما هي الأهداف التي نريد تحقيقها”.
وأردف الشكندالي “البنك المركزي يقترح ذلك، لكن الاقتراح لم يتم فيه إشراك الخبراء وأساتذة الاقتصاد ولم يتم التشاور معهم، وبالتالي هناك نوع من الضياع الاقتصادي، ولا يمكن الذهاب في تنقيح قانون الصرف قبل القيام بخطوات مسبقة وأولاها معرفة ماذا نريد”.