هل "فخخت" الولايات المتحدة اتفاق السلام مع طالبان

بدأت ملامح “الصفقة” الأميركية مع حركة طالبان تتوضح تباعا بعد أن أكدت مصادر أميركية مطلعة أن واشنطن “تلاعبت” بمحتوى اتفاق السلام الذي وقعته مع طالبان في الدوحة، إذ أنها عرضت نسختين مختلفتين من الاتفاق على كل من كابول وطالبان، ما يحشر الحكومة الأفغانية في الزاوية ويفرض منسوب توتر يعقد الترتيبات على الميدان، لكن هذه المرة دون الشريك الأميركي الذي تحول بموجب الاتفاق إلى مجرد وسيط.
أخرج الاتفاق الذي وقعته واشنطن وحركة طالبان السبت، في الدوحة، الولايات المتحدة من الشريك في مكافحة المتمردين في أفغانستان إلى مجرد وسيط يرعى المفاوضات بين الحكومة المركزية في كابول والخارجين عن سيطرتها.
ويرى مراقبون أن واشنطن كانت أكثر حرصا من حركة طالبان على التوصل إلى اتفاق سلام ينهي تواجد قواتها في أفغانستان ويجبر حكومة كابول على دخول مفاوضات بشروط أمضتها واشنطن نيابة عنها وهو ما يمنح المتمردين ورقة ضغط هامة، إذ أنها إلى حد الآن ملتزمة بما تمت المصادقة عليه.
ومرة أخرى تجد كابول نفسها في الهامش رغم تأكيد المسؤولين الأميركيين في كل مرة على أن مصير الشعب الأفغاني يقرره الأفغانيون أنفسهم، ممّا يعزز القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حليف لا يمكن الوثوق به أو التكهن بتصرفاته، فهو الذي فاجأ حلفاءه وكذلك أعداءه مؤخرا باتخاذ قرار الانسحاب من سوريا دون سابق إنذار.
وعلى الرغم من أن “الاتفاق” يعتبر نصرا دبلوماسيا لواشنطن وطالبان أيضا إلا أنه يواجه سؤالا يتعلق بما إذا كان ذلك حقا اتفاق سلام أم مجرد “صفقة” لتتمكن الولايات المتحدة من الخروج من أفغانستان.
ووجدت الحكومة المركزية في كابول نفسها أمام خيار يبدو أنها لم تشارك في صياغته أو حتى إعلامها به، بعد أن كشفت مصادر أميركية مطلعة أن الولايات المتحدة استخدمت صياغة مختلفة في الوثائق التي اتفقت عليها مع كل طرف ( طالبان وكابول) بشأن إطلاق سراح السجناء، ما ساهم في تأجيج الخلاف بين الحركة والحكومة في كابول.
ويمثل هذا الخلاف عقبة جديدة أمام محادثات السلام التي من المقرر أن تبدأ في العاشر من مارس بين طالبان ووفد من كابول لم يُعلن بعد عن أسماء المشاركين فيها.
وقالت طالبان الاثنين إنها لن تشارك في محادثات سلام مع الحكومة قبل أن تطلق حكومة الرئيس أشرف غني سراح نحو خمسة آلاف من المعتقلين العسكريين والسياسيين.
وقال غني الأحد إن الأمر لا يمكن أن يكون شرطا مسبقا لمحادثات السلام وإنه يتعين ترتيب ذلك عبر المفاوضات. وأضاف “ليس من سلطة الولايات المتحدة أن تقرر. ما هي إلا وسيط”.
وعلى النقيض من ذلك يلزم اتفاق الولايات المتحدة وطالبان على ما يبدو كابول بإطلاق سراح ما يصل إلى خمسة آلاف سجين على الرغم من أن حكومة غني كانت مستبعدة من المفاوضات مع طالبان التي قادها زلماي خليل زاد مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى أفغانستان.
وجاء في الوثيقة “سيتم الإفراج عما يصل إلى خمسة آلاف سجين من الإمارة الإسلامية في أفغانستان” في حين تطلق الحركة ما يصل إلى 1000 محتجز.
ويشير عسكريون أميركيون سابقون أن ضجر الولايات المتحدة من الحرب كان الدافع الأساسي لإبرام اتفاق السلام مع طالبان دون التفكير في وسائل تثبيته على الميدان، حيث تمثل الحرب في أفغانستان أطول الصراعات الأميركية في تاريخ البلاد، فالجنود الذين لم يولدوا في 11 سبتمبر 2001، عندما هاجم تنظيم القاعدة الولايات المتحدة، أصبحوا مؤهلين حاليا للقتال هناك.
وربما يكون ذلك أفضل اتفاق يمكن أن تخرج به الولايات المتحدة دون أن تنتظر جيلا آخرا، فقد تم تفويت فرص ماضية لإبرام اتفاق، وأصبح الوضع فقط أكثر سوءا بالنسبة للولايات المتحدة بدلا من أن يتحسن، لكن لم تتم مراعاة ميزان القوى على الأرض وهذا ما يمكن لطالبان استخدامه لبسط سيطرتها في ظل حكومة مركزية عجزت عن المواجهة بدعم أميركي فكيف من دونه؟
ويقول جاريت بلانك، الذي عمل مبعوثا أميركيا إلى أفغانستان في عهد الرئيس السابق باراك أوباما “كان لدينا نفوذ أكبر، وكان بإمكاننا إبرام اتفاق أفضل في أي مرحلة قبل اليوم. ولم نفعل ذلك لأننا لم نعترف بحدودنا”، مضيفا “الاتفاق المتاح غدا سيكون أسوأ”.
لكن المحلل المحافظ ستيفن هايز يقول إن الاتفاق يعد “صفقة خروج” بشكل أكبر من كونه اتفاق سلام. وأشار إلى أن هناك مرفقات سرية للاتفاق، الأمر الذي أثار المزيد من الشكوك بشأن ما إذا كانت القضايا الشائكة بشكل خاص، خافية عن الرأي العام.
ويتحفظ ديفيد بترايوس، الجنرال المتقاعد والقائد الأميركي السابق في أفغانستان، على الاتفاق، في ما يتعلق بجبهة الإرهاب، حيث سبق أن تم استخدام أفغانستان كقاعدة لهجمات 11 سبتمبر، مشيرا إلى أن الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان قد تكون صراعا متعدد الأجيال.
ومع ذلك، فقد تقلصت شهية الولايات المتحدة للحرب الطويلة، ويستعد الكونغرس بشكل متزايد لفرض قيود على البيت الأبيض للحد من المزيد من عمليات نشر القوات الخارجية وخوض الحروب.