هل تمتلك تونس بدائل عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي

يستمر الغموض بشأن حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمتها المالية والاقتصادية في ظل شروط الصندوق الذي يفرض إصلاحات موجعة يرفضها الرئيس التونسي قيس سعيد لتجنب انعكاساتها الاجتماعية والمعيشية السلبية.
تونس - يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد رفض الارتهان للمؤسسات الدولية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وسط دعوات إلى إيجاد سبل جديدة للتعاون خارج إطار النظام النقدي العالمي الحالي، ما يطرح تساؤلات جدية بشأن امتلاك تونس لبدائل عن اللجوء إلى صندوق النقد.
ويجدد الرئيسي التونسي من مناسبة إلى أخرى التأكيد على الاعتماد على الذات ودفع نسق منظومات الإنتاج المحلية في البلاد، على غرار القطاعات الحيوية المنتجة مثل الفوسفات، فضلا عن آليات الصلح الجزائي واسترجاع الأموال المنهوبة في الخارج لتجاوز العجز المالي.
ويكرّر سعيد من مناسبة إلى أخرى أن “لتونس الكثير من المقدرات ولكن هناك من أفرغ خزائن البلاد، بهدف ضرب الدولة من الداخل”. ويرى مراقبون أن البدائل الذاتية محدودة، وأن أقصى ما تحققه أنها تساعد على إنجاح برنامج الإصلاح الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، ولكنها لا تكفي لوحدها.
والأحد الماضي وخلال توقيع مذكرة تفاهم مهمّة بين تونس والاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة غير النظامية، انتقد سعيّد مجددا صندوق النقد، معتبرا أن “النظام النقدي العالمي لم يعد من الممكن أن يستمر بنفس الشكل والمضمون”.
وأكد سعيّد في كلمة ألقاها أمام رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين متحدثا عن الصندوق “تنسحب عليه اللعنة القديمة، كان من الأفضل لك ولنا أنك لم تولد أو أنك لم تر النور قطّ”، داعيا إلى ضرورة إيجاد سبل جديدة للتعاون خارج إطار النظام النقدي العالمي الحالي.
وكان الصندوق أعطى ضوءا أخضر لتونس في أكتوبر الماضي بإعلان موافقة مبدئية، لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1.9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية العام 2022 ولم تتقدم قيد أنملة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب “اليوم الجميع في أوروبا ينظر بعين الريبة والتخوف من إمكانية توجه تونس إلى مصادر تمويل أخرى غير الغرب، وقد كانت جولة وزير الخارجية نبيل عمار مؤخرا في بلدان الخليج مؤشرا على هذا التوجه الجديد”، مؤكدا أن “الوجهة الخليجية هي خطوة عملاقة نحو الشرق، وقد تكون بديلا عن صندوق النقد الدولي”.
وأضاف لـ”العرب” أن “تونس تبحث عن مصادر تمويل بشكل كلاسيكي للميزانية التي تُركت في حالة خراب وليس للتنمية أو غيرها، كما يمكن أن تجعل المقترحات التي قدمتها تونس في المؤتمر العالمي للهجرة أوروبا مجبرة على التفكير في هذا الاقتراح (صندوق لتنمية الدول الأفريقية)، وهو اقتراح عقلاني يضرب في العمق الفساد المستشري في القارة الأفريقية”.
وأشار الطبيب إلى أن “سعيد خلق الحدث حول علاقة الدول بالصندوق، واليوم لا يمكن لأي كان أن يتجاهل موقف سعيد، لأن عصر الانهزامية انتهى، وأصبحت البلدان تتحدث بندّية مع الصندوق، وإذا رفض تمويل تونس ستكون فضيحة”.
وأوضح أن “سعيد يرفض طريقة تعامل الصندوق مع تونس وباقي الدول، وإذا قبل البنك الدولي بشروط تونس فيمكن إقراضها”.
واستطرد قائلا “سعيد يعول على بروز أقطاب اقتصادية ومالية جديدة، وهو يتابع جيدا التحولات الاقتصادية والمالية في مختلف البلدان”.
ويبلغ دين تونس 80 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي وهي بحاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي (حوالي 680 ألف موظف إداري وما لا يقل عن 150 ألفا في الشركات العامة)، فضلا عن نفقاتها الأخرى.
لكن سعيّد يكرّر رفضه “للإملاءات” المتأتية من خبراء صندوق النقد والتي تتعلق بمراجعة سياسة الدعم وإصلاح الشركات الحكومية وتقليص كتلة الأجور في القطاع الحكومي.
وأكد الخبير الاقتصادي في الشؤون المصرفية عزالدين سعيدان أن “المفاوضات متوقفة تماما، وتونس هي التي تعرقلها”، وأن الاتفاق “عفا عليه الزمن” لأنه يجب إعادة النظر في الملف من جديد استنادا إلى المعطيات الجديدة المتعلقة بنسب النمو والتضخم والعجز.
وأوضح سعيدان “الرئيس رأى في هذه الإصلاحات أمورا من شأنها أن تعاقبه سياسيا” إذا ما قوبلت برفض شديد من التونسيين. وجاء التأكيد من مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور الذي قال في منتصف أبريل الماضي إنه لم يتلق “أي طلب من تونس لمراجعة برنامجها”.
ومطلع يونيو الماضي استبعد سعيّد مجددا إزالة الدعم، مقترحا حلولا بديلة تتمثل في فرض ضريبة على الأغنياء، لكن المؤشرات الاقتصادية لا تشير إلى انفراج قريب للأزمة المالية. فقد بلغ عجز الموازنة 8 في المئة في العام 2022، أتى ثلثاه من دعم قطاع المحروقات التي ارتفعت أسعارها إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.
وينصح سعيدان بعدم اللجوء مجددا إلى حل زيادة الضرائب، لأن الدولة أصلا “ذات عبء ضريبي هو الأعلى في أفريقيا” وبلغت “الحد الأقصى”.
ويتوقع أن تكون الحكومة التونسية قادرة خلال العام 2023 على الوفاء بآجال تسديد استحقاقات تقدر بنحو 21 مليار دينار، بما في ذلك 12 مليارا (حوالي 4 مليارات يورو) بالعملة الأجنبية. ويبدو ذلك ممكنا بفضل عائدات قطاع السياحة وصادرات الفوسفات وانخفاض أسعار الطاقة، وفقًا للخبيرين. ويقول سعيدان “يبدو أن تونس اختارت إعطاء الأولوية لسداد ديونها. لكن هذا سيتم على حساب توريد المنتجات الأساسية”.
وفي ظل الجهود الحكومية المتعثرة للحصول على قرض من صندوق النقد، دعا خبراء إلى ضرورة الاهتمام بالمسائل الاقتصادية الداخلية من بينها التقليص من حجم الواردات ودعم القطاع الزراعي وتشجيعه على الإنتاج.
وشكّلت مبادرة الصلح الجزائي للرئيس سعيد أحد أبرز البرامج التي دعا إلى تحقيقها قبل سنوات والتي أكد أنها أولوية قصوى، وذلك في العديد من المناسبات وخاصة خلال الحملة الانتخابية عام 2019. وسبق أن طالب سعيد أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي باستعادة 13.5 مليار دينار (حوالي 3 مليارات دولار) من الأموال المنهوبة في غضون 6 أشهر.
وتبدو تونس شبه عاجزة عن تمويل أي استثمار جديد، الأمر الذي يجعل البلاد تمر بركود اقتصادي مع نمو ضعيف يبلغ حوالي 2 في المئة وبطالة تزيد عن 15 في المئة. وتسعى الدولة بشكل متزايد للاقتراض الداخلي عبر المصارف المحلية، مما يقوض سمعتها الدولية.