هل تلجأ تونس إلى القوة لإخماد الاحتجاجات

تونس - دفع توسع دائرة الاحتجاجات الاجتماعية في تونس الحكومة إلى التلويح باستعمال القوة في ظل حالة من الفوضى قادت إلى وقف إنتاج مواد حيوية في مناطق عدة بالبلاد.
ودعا رئيس الحكومة هشام المشيشي، عقب اجتماع مع وزراء الداخلية والدفاع والعدل، الأربعاء، إلى التحرك الفوري لاحتواء موجة الاحتجاجات التي تعطل الإنتاج والتي سببت مشكلات في حصول المواطنين على مواد حيوية مثل الغاز المنزلي والبنزين منذ نحو أسبوعين.
وطالب البيان حكومة المشيشي بـ“بسط سلطة القانون والتدخل بالتنسيق مع النيابة العامة، بهدف فتح الطرقات وإعادة تشغيل مواقع الإنتاج التي أدى غلقها إلى صعوبات في التزود بالمواد الأساسية لدى عموم التونسيين والإضرار بمصالحهم الحيوية وأمنهم العام وأمن البلاد القومي”.
وعلى مدى أيام تصطف طوابير في صفاقس، ثانية كبرى المدن التونسية، وفي مدن أخرى للتزود بالغاز المنزلي في ظل النقص الشديد في الأسواق بسبب تعطل الإنتاج.
وتأتي مطالبة المشيشي بضرورة بسط سلطة القانون وقوة الدولة في مواجهة غليان الشارع، بعد أيام قليلة من إعلانه أن “زمن التعاطي الأمني مع الاحتجاجات قد ولى”، ما يكشف حالة الارتباك التي تغرق فيها الحكومة في ظل الخلافات السياسية داخل البرلمان وتوتّر العلاقة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد.
لكن وزير الدفاع التونسي إبراهيم البرتاجي رفض الزج بالمؤسسة العسكرية في الاحتجاجات، مشددا على أن الجيش ليس مسؤولاً عن حفظ النظام العام بل يتدخل بشكل خاص لحماية المنشآت عند خروج الأوضاع عن سيطرة قوات الأمن.
ويظهر هذا التناقض بين الوزراء الظروف الصعبة التي تعمل فيها الحكومة في ضوء التجاذب بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يمتلك حصة مهمة داخل الحكومة خاصة من خلال تعيين وزراء السيادة (الدفاع والداخلية والعدل)، وفي ظل اتهامات لأنصاره بقيادة الاحتجاجات والتخطيط للاستفادة منها سياسيا لإظهار فشل الأحزاب والنظام البرلماني.
وبات المشيشي في موقف صعب بسبب سياسة لي الذراع التي يتعرض لها من قبل حزامه البرلماني المتمثل في حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
ويجد رئيس الحكومة التونسية في الحل الأمني سبيلا للسيطرة على الاحتجاجات، خاصة أن الدعوات إلى إجراء حوار وطني موسع -التي أطلقتها أطراف عدة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمثل أكبر منظمة نقابية في البلاد- بهدف مناقشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وإيجاد حلول للأزمات لم تنجح في تهدئة الشارع.
ويعتقد المتابعون أن الشارع التونسي لم يعد يثق في مثل هذه المبادرات، وهي برأي المحتجين مجرد خطوات شعبوية للحفاظ على التوازنات الحالية دون تحقيق نتائج فعلية، كما تأتي في إطار تسابق محموم بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، رئاسة البرلمان) على إدارة شؤون البلاد، والحفاظ على الخزان الانتخابي.
وتؤيد أوساط سياسية الالتجاء إلى المقاربة الأمنية في إطار القانون لاستعادة الاستقرار، وتجنبا لسيناريوهات أسوأ خاصة مع اقتراب الذكرى العاشرة لحادثة انتحار محمد البوعزيزي التي كانت وراء موجة الاحتجاجات في تونس وخارجها.
ويرى السياسي التونسي خالد شوكات أن “القوة التي تمارسها الدولة في إطار القوانين لا تسمى قمعا، وهي قوة مطلوبة ودونها ستعم الفوضى، ومن شأن الفوضى أن تهدد الدولة في وجودها”.
وقال شوكات في تصريح لـ”العرب” “أي دولة في العالم مهما كانت ديمقراطية تضطر إلى استعمال القوة بما يتيحه القانون”، مشيرا إلى أن مأزق الحكومة سيتعمق إذا سمحت للمحتجين بالمزيد من خرق القانون، كما أن الأزمة ستكون أكبر وستستعصي على الحل بمرور الوقت”.
واعتبر الصحبي بن فرج، الناشط السياسي والنائب السابق في البرلمان، أن الحكومة ليس لها خيار غير الذهاب إلى المقاربة الأمنية، وهو قرار منطقي في ظل توقف الإنتاج وخضوع مسالك توزيع الثروة لسيطرة المحتجين”.
وحذر بن فرج من أن يتحول استعمال القوة المبالغ فيه إلى إراقة الدماء، ما من شأنه أن يصب الزيت على النار.
ويرجح متابعون تمدد الاحتجاجات إلى وجود ضعف في أداء حكومة المشيشي التي ورثت تركة ثقيلة من الحكومات التي سبقتها، وهي في نظرهم حكومة سياسية هشة لا تحمل رؤية واضحة للحكم، حيث وقع التصويت عليها وتزكيتها من الترويكا الحاكمة بشكل اضطراري وفي إطار مناورة لتلافي خيار الانتخابات المبكرة.
ووصف عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، الوضع العام للبلاد بـ”الخطير”، “لأننا إزاء حكومة ضعيفة ودولة شبه مفككة”.
وقال الشابي في تصريح لـ”العرب” إن “القوة بمفردها لا يمكن أن تخمد الاحتجاجات”، مضيفا “لا بد أن تكون الدولة حاضرة وتستعمل وسائل الردع باتزان وعند الضرورة، وفي نفس الوقت عليها أن تتحاور مع الأهالي وتنصت إليهم وتقدم لهم رؤية وحلولا لواقعهم الصعب”.
ويعتقد الشابي أن “حكومة المشيشي تُعاقَب من قبل بعض اللوبيات -عقب توصلها إلى اتفاق الكامور- التي لا ترى أن ولاية (محافظة) تطاوين جديرة بهذا النجاح في التفاوض بما أنها ليست من مناطق خزانها الانتخابي”.
وتوصلت الحكومة مؤخرا إلى اتفاق مع محتجين أنهى أزمة الكامور وقضى بإعادة فتح مرافق النفط بتطاوين (جنوب)، وإعادة تشغيل منشآت النفط مقابل توفير المئات من فرص العمل لأبناء المنطقة. لكن ذلك أدى إلى احتقان اجتماعي بمناطق متفرقة في تونس عبر تحركات احتجاجية، لعاطلين عن العمل وناشطين مدنيين، يطالبون بتوفير وظائف وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وقال الناشط السياسي والحقوقي مصطفى عبدالكبير إن “حكومة المشيشي لم تعد قادرة على فعل أي شيء أو العودة إلى الوراء بعد رضوخها لشروط المفاوضين في اتفاق الكامور”.
وأضاف عبدالكبير، في تصريح لـ”العرب”، “الدولة سقطت في سياسة لي الذراع التي يمارسها الشعبويون على مؤسسات الدولة”.
وفي ظل إدارة الأوضاع بالخطابات الشعبوية، يعتقد عبدالكبير أن المقاربة الأمنية جزء من الحل، خاصة مع تعالي سقف المطلبية على جميع الأصعدة.
ويتسق رأي عبدالكبير مع رأي المحلل السياسي فتحي زغل الذي قال إن “حكومة المشيشي ليس لها اليوم من حل سوى مواجهة من يريد توجيه تلك الاحتجاجات نحو تهديد الأمن الوطني”.
وعبر زغل عن اعتقاده بأن “خصوم المشيشي يريدون استغلال الغضب الشعبي على تأخر المطالب الاجتماعية للركوب على تلك التحركات وتأجيجها نحو الفوضى” التي برأيه يهدفون من خلالها إلى حصول “انقلاب ما على السلطة”.