هل تكسر زيارة وفد صندوق النقد الدولي الجمود مع تونس

رغم الإجماع على أن باب الحوار لا يزال مفتوحا، تظلّ المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي حبيسة مكانها بعد مرور عام على إعلان اتفاق تقني بين الطرفين يسمح بإقراض تونس مبلغ 1.9 مليار دولار، فبينما يصر الصندوق على ضرورة تنفيذ شرط رفع الدعم، ترفض السلطة التونسية ذلك معتبرة أنه يهدد السلم الاجتماعية.
تونس - أثارت الزيارة المرتقبة لوفد من صندوق النقد الدولي إلى تونس، والمزمع إجراؤها في ديسمبر القادم، تساؤلات الخبراء والمراقبين عن استئناف المفاوضات بين الطرفين من أجل حصول تونس على قرض يساعدها على تجاوز أزمتها المالية، وسط تفاؤل مسؤولي البنك المركزي في البلاد بعودة قنوات التواصل بعد فترة من الجمود.
ويقول مراقبون إن باب التفاوض لا يزال مفتوحا، رغم تلكّؤ صندوق النقد من مناسبة إلى أخرى والترفيع في سقف الشروط التي يطلبها وآخرها كان الدعوة إلى رفع الدعم في البلاد.
ويرى مسؤولو الصندوق أن تونس لم تطرح مقترحات جديدة لبنود برنامج القرض بقيمة 1.9 مليار دولار لكن عليها أن تلغي الدعم الذي يشكل عبئا ولا يوفر عدالة اجتماعية، في وقت يصر فيه الرئيس قيس سعيد على رفض هذا الشرط، مؤكدا أن له تداعيات سلبية على الوضع الاجتماعي.
واعتبر محافظ البنك المركزي مروان العباسي مساء السبت أنّ الزيارة التي سيقوم بها فريق من صندوق النقد الدولي إلى تونس، من 5 إلى 17 ديسمبر المقبل، تعد إشارة "إيجابية" تقيم الدليل "على إعادة التواصل بين الطرفين".
وأوضح في حوار مع وكالة الأنباء الرسمية في تونس، على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين الملتئمة في مراكش بالمغرب من 9 إلى 15 أكتوبر الجاري، أنّ "هذه الزيارة ستتم في إطار المادّة الرابعة للصندوق، المتعلّقة بمراجعة أداء الاقتصاد التونسي وإصدار تقرير في الغرض".
وأضاف أنّ "المراجعة على أساس المادة الرابعة تقوم بها كلّ البلدان الأعضاء في الصندوق بما في ذلك الاقتصادات القوية على غرار الولايات المتحدة، ولا تعد تونس استثناء خاصّة وأنّها لم تقم بذلك منذ سنتين".
كما أشار المسؤول الأوّل عن البنك المركزي التونسي، الذي يشارك في هذه الاجتماعات بوصفه محافظ تونس في الصندوق، إلى أنّ “الإصلاحات التي تمت مناقشتها مع مؤسّسة الإقراض الدولية تم تجسيدها وتطبيقها ضمن قانون المالية لسنة 2023 على غرار الترفيع في الأداء على القيمة المضافة للمهن الحرة”، ملاحظا أنّ “هذه الإصلاحات أدت إلى تحقيق مردودية على مستوى تحصيل العائدات الجبائية”.
وبيّن أنّه من الضروري أن “نعود إلى نسق استثمار أرفع ومستوى تصدير أقوى مع دفع الاستهلاك المحلي خاصة استهلاك المنتجات المحلية”، لافتا إلى وجوب “أن نقوم بالإصلاحات (التي هي أساسية) لاستعادة نسق النمو ولتتمكن تونس من إرساء اقتصاد دامج ومستدام يأخذ في الاعتبار التغيّرات المناخية سواء بمرافقة صندوق النقد الدولي أو دون مرافقته”.
وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن تونس قد تجاوزت مسألة مساعدة صندوق النقد وتسعى لإيجاد تمويلات داخلية من خلال إصلاح الاقتصاد ودفع التصدير والاستثمار لسد العجز، حيث تشير تقارير إلى أن قانون المالية المقبل سيتجاهل دعم صندوق النقد.
وفي يونيو الماضي تحدثت مصادر حكومية تونسية عن تقديم السلطات اقتراحا بديلا لطرحه على صندوق النقد الدولي لا يتضمن إلغاء الدعم، حيث يعتقد قيس سعيد أن خفض دعم السلع الغذائية والمحروقات سيضر بالفئات المهمشة والفقيرة ويزيد معاناتها.
وتعهدت الجهات المانحة بضخ مبالغ إضافية كبيرة إذا تمكنت الحكومة من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن "الصندوق تلكّأ أكثر من مرة في منح تونس القرض الذي تريده بهدف مساعدتها على الخروج من أزمتها، وليس هناك أيّ مبررات للمزيد من التلكّؤ".
وقال لـ"العرب"، "سيظلّ باب الحوار مفتوحا بين تونس والمؤسسة المالية وكلّ طرف سيلعب أوراقه الأخيرة، خصوصا وأن الزيارة تتزامن مع إعداد ميزانية السنة المقبلة، وموارد الدولة الآن في حاجة إلى التمويل".
وتابع مراد علالة "لا مجال للتعامل مع الدول بمكيالين، وتونس تتعرض للضغط والابتزاز منذ فترة، كما أن الملف اتخذ صبغة سياسية أكثر من صبغته الاقتصادية والمالية"، متسائلا "ما الذي يمنع الصندوق من أن يمنح تونس القرض لأنه سيتم رفع الدعم تدريجيا مع ميزانية 2024؟".
ويقدم صندوق النقد حزمة من الشروط مقابل القرض، منها رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وتقليص كتلة الأجور في القطاع العام والتفويت في بعض المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة.
لكن الرئيس التونسي كثيرا ما حذر من أن القبول بشروط صندوق النقد الدولي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعية، مذكرا دوما بأحداث الخبز في يناير 1984 وما خلفته من ضحايا وغضب شعبي مكتوم يمكن أن ينفجر مع العودة إلى الأخذ بأفكار الصندوق، وخاصة مسار تقليص الدعم أو رفعه كليا.
وأكد الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري أن "هناك اتصالات تقنية بين المسؤولين، وربما تكون الزيارة إشارة جديدة إلى عودة المفاوضات على مستوى اللجان المعنية بالتفاوض". وذكر لـ"العرب" أن "خطاب الرئيس يقول إنه لا سبيل إلى تعديلات تشمل المؤسسات العمومية بالأساس، فذلك سيخلق نوعا من الاختلال الاجتماعي".
وتوصلت تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لكنه ظل معلقا منذ نحو عام نتيجة خلاف بشأن نقاط تخص الإصلاحات، ومن بينها أساسا نظام الدعم الحكومي وإصلاح المؤسسات العمومية.
ويرى خبراء أنه بعد مضي ما يزيد عن سنة على الاتفاق التقني بين الطرفين، باتت تونس مطالبة بتقديم برنامج إصلاحات جديد وفق رؤية تنموية واقتصادية تراعي مصالح البلاد. وقال خبير الاقتصاد ووزير التجارة السابق محسن حسن "لا علاقة للزيارة بمفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي، وهي زيارة للمراجعات".
وتابع في تصريحه لـ"العرب"، "نرى أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود واتفاق الخبراء في أكتوبر من العام الماضي لم تعد له أي جدوى، وعلى الحكومة التونسية أن تقدم برنامج إصلاحات جديدا يتماشى مع الوضع في البلاد”، مشيرا إلى أن "باب المفاوضات يظلّ مفتوحا دائما".
ويأتي موقف الصندوق من تونس ضمن رؤية متشائمة لأداء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توقع أن يتراجع النمو في المنطقة إلى 2 في المئة خلال العام الجاري، على خلفية الحروب والتوترات الجيوسياسية وخفض إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية.