هل تقود العائلة الوسطية مبادرة لحلحلة الأزمة في تونس

الأحزاب الوسطية تجد في الأزمة القائمة بين الرئاسات الثلاث فرصة سانحة وجب استثمارها لصالحها بهدف التموقع من جديد واسترجاع ثقة الشارع.
الجمعة 2021/03/05
محاولة لإنقاذ الوضع أم رغبة في إعادة التموقع

دخلت الأحزاب والشخصيات المحسوبة على العائلة الوسطية الليبرالية، على خط الأزمة السياسية في تونس وسط توقعات بأن تقود خلال الفترة المقبلة مبادرة الهدف منها حلحلة الأزمة في ظل غياب أي مؤشرات لتخفيف التوتر بين الرئاسة والحكومة والبرلمان. لكنّ متابعين يرون أن الخلاف على الزعامة ومساعي كل طرف لاستثمار المشهد الحالي للعودة إلى الساحة وإعادة التموقع من جديد، تبدّد أي فرص لنجاح الوساطة.

تونس- دفعت الأزمة السياسية المتصاعدة في تونس، على خلفية استمرار الخلاف بين الرئاسات الثلاث، فيما بات يعرف بأزمة اليمين الدستورية، عددا من الشخصيات الوازنة والمحسوبة على العائلة الوسطية، إلى الدخول على خط الأزمة بهدف البحث عن حلول وإيجاد مخرج في ظل حالة الانسداد الراهنة.

وذكرت رئيسة حزب “الأمل” سلمى اللومي على حسابها على موقع فيسبوك، الثلاثاء، أن الوضع العام في البلاد وسبل الخروج من الأزمة كانا محور لقاء تشاوري جمع بين مجموعة من الأحزاب والشخصيات الوطنية.

وأسست اللومي، وهي مديرة ديوان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، حزب “الأمل” في يونيو عام 2019 بعد استقالتها من “حزب نداء تونس” الذي كانت ترأسه، وترشحت باسمه للانتخابات الرئاسية في العام نفسه.

منجي الحرباوي: نأمل أن تكون لمبادرات العائلة الوسطية نتائج على الأرض

وضمّ اللقاء ممثلين عن كل من حزب الأمل وحركة مشروع تونس وحزب آفاق وحزب البديل وحزب الرّاية الوطنية وحزب الائتلاف الوطني والحزب الوطني التونسي وحزب بني وطني وائتلاف صمود، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية مثل عبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع الأسبق، وأحمد نجيب الشابي المعارض السياسي البارز، وكمال العكروت (مستشار الأمن القومي السابق) ومصطفى كمال النابلي (محافظ سابق للبنك المركزي ) وغيرهم.

ويعكس اللقاء مساعيَ لتجميع شخصيات مهمّة بهدف البحث عن مبادرة أو القيام بدور وساطة لحلحلة الأزمة في ظل عدم وجود حل في الأفق لتخفيف التوترات بين الرئاسة والبرلمان والحكومة، حسب استنتاجات المتابعين.

ويتوقع هؤلاء أن تتضح معالم هذه المبادرة التي ستقودها شخصيات فاعلة سبق لها أن شاركت في الحكم خلال الأيام القادمة.

ولاحظ المراقبون التسابق المحموم على لعب دور الوساطة، والذي غايته استثمار الأزمة وإعادة التوازن في المشهد السياسي بسبب توغل الأحزاب الإسلامية والشعبوية في الحكم.

واحتدمت المواجهة السياسية في تونس مع تمسك الرئيس قيس سعيد بعدم الموافقة على تعيين أربعة وزراء رشحهم رئيس الحكومة هشام المشيشي في تعديل وزاري، قائلا إن “لكل منهم شكلا محتملا من تضارب المصالح”.

وفي المقابل اختارت حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحكومي والتي تقف وراء دعم المشيشي اللجوء إلى ورقة الشارع وتنظيم مسيرة شعبية هدفها الضغط على الرئاسة لقبول التعديلات الوزارية، وتوجيه رسالة مفادها أنه من الصعب إزاحتها أو إضعاف نفوذها في المشهد، ما يعني المزيد من تعقيد الأوضاع وإقحام الشارع في قلب المعارك والخصومات السياسية.

وتعتقد أوساط سياسية أنه بإمكان العائلة الوسطية بلورة مبادرة سياسية تقدّم طرحا جديدا يعالج الخلافات والأزمات التي ترزح تحت وطأتها البلاد خاصة أن مبادرات الوساطة والحوار الوطني التي نادى بها الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابة الأولى في البلاد، لم تلق اصطفافا وتراجعت فرص نجاحها بسبب تذبذب المواقف بشأنها.

وثمّن القيادي في حزب نداء تونس منجي الحرباوي في حديثه لـ”العرب” هذا اللقاء الذي جمع شخصيات فاعلة، وفي تقديره فإنه خطوة إيجابية لصالح البلاد.

ورغم إقراره بأن اللقاء ستقوده شخصيات وبعض الأحزاب ذات التمثيلية الضعيفة في البرلمان، إلا أنه اعتبره بمثابة “خطوة إلى الأمام”.

وأبدى أمله في أن تعقب هذا اللقاء خطوات أخرى حتى تطور في شكل مبادرة موسعة تجمع بقية الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية. كما أبدى أمله في أن تحمل مثل هذه المبادرات نتائج على الأرض وبرامج جديدة، وربما المساهمة في حلحلة الأزمة السياسية التي طالت أكثر من اللازم.

كمال بن يونس: إذا لم يتفقوا على زعيم ستفشل تجربة العائلة الوسطية كالسابق

وعن إمكانية توظيف العائلة الوسطية للأزمة بهدف إعادة التموقع، يرى الحرباوي أنه “مشروط فيها التوافق على رص الصفوف في شكل تحالف أو حزب سياسي حتى يكون لها صدى ووزن سياسي في المشهد، في ظل الاستقطاب الثنائي الكبير بين الحزب الدستوري الحر وحركة النهضة”.

وتجد الأحزاب الوسطية في الأزمة القائمة فرصة سانحة وجب استثمارها لصالحها بهدف التموقع من جديد، ومحاولة استرجاع ثقة الشارع الذي لم يراهن عليها في الاستحقاقات الانتخابية.

وتلقت العائلة الوسطية في انتخابات عام 2019 ضربة قاصمة بعد خروج ممثليها من الرئاسية بنتائج ضعيفة، ونجاح الرئيس سعيد، وهو من خارج دائرة الحكم التقليدية، في اقتلاع الفوز وإحداث رجّة في المشهد السياسي.

ويرى متابعون أن دخول الأحزاب الوسطية على خط الأزمة هو خطوة براغماتية تستبق انتخابات 2024 حيث تحاول تدارك هزائمها السابقة.

ويرى المحلل السياسي كمال بن يونس في حديثه لـ”العرب”، أن “العائلة الوسطية تريد لعب دور لاستثماره في الانتخابات القادمة”. وأضاف “لقد وجدت نفسهما خارج المشهد وتريد العودة”.

ولفت بن يونس إلى أن هذا من النوع من المبادرات التي باتت متعددة تواجه العديد من المشاكل تعرقل فرص نجاحها.

وشرح بالقول “من بين مشاكلها هي الخلاف على الزعامة”. وتابع “هي تقول عنها إنها عمل جماعي، ثم تظهر في ما بعد خلافات تخص القيادة”.

وتوقع بن يونس أنه في حال لم يقع الاتفاق على قائد أو زعيم، فإن التجربة ستنفجر وستكلل بالفشل مثلما فشلت تجارب سابقة. ولكنه وصف المبادرة بـ”الإيجابية لو لم يقع تشخيصها”.

وتعدّدت المبادرات لتجميع العائلة الوسطية منذ اندلاع ثورة يناير في مواجهة نفوذ الأحزاب الإسلامية غير أن محاولات التجميع باءت بالفشل، بسبب تباينات في الرؤى بين قياداتها قادتها في ما بعد للانشقاق والتصدع.

تسابق محموم على لعب دور الوساطة، والذي غايته استثمار الأزمة وإعادة التوازن في المشهد السياسي بسبب توغل الأحزاب الإسلامية والشعبوية في الحكم

ويؤكد متابعون أن تشتت هذا التيار (الوسطي) وعدم التفافه على شخصية بعينها قادا إلى قلب معادلة الحكم في تونس لصالح الرئيس سعيد ثم لفائدة حركة النهضة.

وبخصوص قدرته اليوم على تقريب وجهات النظر، يعتقد بن يونس أنه من المفيد أن تكون هناك وساطات خاصة في ظل حالة الفراغ في مستوى العائلة الوسطية، لكن من المهم أيضا احترام نتائج الانتخابات.

ويستنج المتابعون أن استرجاع الثقة في مبادرات العائلة الوسطية مشروط بتوضيح معالم برامجها وتجاوز الخلافات على الزعامة وتقديم بدائل حقيقية للشارع.

4