هل تقلل الدعوة إلى تأخير الإنجاب من نسبة الطلاق في مصر

تدخّل العائلات في حياة الزوجين يمنع تنفيذ كل اتفاق يرتبط بالتأجيل.
الاثنين 2022/03/14
تأخير الإنجاب ينعكس إيجابا على الزوجين

يعد التسريع في الحمل ثقافة راسخة لدى أغلب الأسر المصرية باعتباره دليلا على خلوّ الشريكين من الأمراض التي تمنع أيّا منهما من الإنجاب، ما يجعل الزوجين اللذين يفكران في تأجيل الحمل يواجهان الرفض من أفراد العائلة الموسعة.

القاهرة – أحدثت دعوةُ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأسرَ إلى إقناع المتزوجين الجدد بتأجيل خطوة الإنجاب عامًا أو اثنين نقاشا أسريا واسعا لأنها تتناقض مع ثقافة أغلب الأسر التي تتعامل مع سرعة الإنجاب فور الزواج على أنها من الأمور الحيوية، فتأخر الحمل ينعكس سلبا على الزوجين ويؤدي إلى التوتر بينهما.

ووجه السيسي خطابه إلى أرباب الأسر قائلا “لماذا لا يطلب كل أب من ابنته تأجيل الإنجاب عامًا أو اثنين، لأنها كانت في حضانة أسرة وستخرج لحضانة زوجية وحياة جديدة، لا بد أن تتأقلم معها أولا قبل أن تنجب، لأن ما يحدث أن الفتاة تنجب سريعا، وقد يحدث الطلاق بعد أول عام لتعود مرة ثانية إلى بيت أسرتها محملة بأعباء وأزمات نفسية وصراعات مع الزواج”.

ويهدف الرئيس المصري من وراء دعوته لتأجيل قرار الإنجاب إلى أن يعتاد الزوجان على بعضهما البعض أولا، وتصبح هناك ألفة ومودة واستقرار عاطفي بينهما ويحكمان جيدا على علاقتهما قبل أن يدخلا في حياة أسرية محملة بالمسؤوليات المادية والنفسية.

ووفق إحصائيات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) فإن قرابة 15 في المئة من حالات الطلاق في مصر تحدث خلال السنة الأولى من الزواج، وترتفع النسبة خلال السنوات الثلاث الأولى لتصل إلى 38 في المئة، مع اختلاف الأسباب، لكن الانفصال غالبا ينجم عن غياب التفاهم والتباين في التفكير.

وتصطدم دعوة الرئيس المصري إلى تأجيل قرار الإنجاب بنظرة الأسر نفسها إلى مؤسسة الزواج، وتعاملها مع سرعة الحمل كدليل على خلو الشريكين من الأمراض التي تمنع أي منهما من الإنجاب، وتسعى كل عائلة للاطمئنان على ابنها أو ابنتها والتأكد من السلامة الصحية والعضوية، وهي قناعات راسخة لدى شريحة أسرية واسعة.

نسبة السعادة الزوجية والراحة بين الشريكين اللذين قررا تأجيل الإنجاب تكون أعلى من نظرائهما الذين أنجبوا مبكرا

وعندما قررت سارة جميل وزوجها بولا تأجيل الإنجاب عاميْن على الأقل للاستمتاع بحياتهما الزوجية قبل تحمّل مسؤولية تربية الأبناء تعرضت لمضايقات لم تتحملها من أم زوجها التي وصل بها الأمر إلى اتهامها بأنها عاقر، حتى أجبرتها على إجراء فحوصات للتأكد من كونها مستعدة للحمل في أي وقت، وبالفعل استجابت ولم تستطع تأجيل حملها أكثر من ستة أشهر جراء الضغوط الواقعة عليها.

وقالت لـ”العرب” إن “تدخل العائلات في حياة الزوجين يحول دون تنفيذ أيّ اتفاق مرتبط بتأجيل الإنجاب، والتأجيل قرار شخصي يتم بالتوافق بين الشريكين، وقد يحاط بالريبة من أفراد العائلتين، مع أن تأخير الحمل يحقق للزوجين فوائد عديدة، أهمها تعزيز العلاقة الإنسانية وزيادة الألفة والمودة بينهما”.

ولا تتوقع سارة استجابة الأسر للدعوة التي أطلقها رئيس الدولة ودعمتها أطراف إعلامية ومؤسسات دينية، لأنها مناقضة للموروثات التي تربط الزواج بالإنجاب، وتتعامل مع العلاقة بين الرجل والمرأة باعتبارها قائمة على التزاوج لا العاطفة والمشاعر المتبادلة والتفاهم والتشارك، وللأسف العائلات الموسعة تبدو أحيانا صاحبة قرار إنجاب الزوجين وتتدخل في تحديد توقيتات الحمل تجنبا لغضب أبويْ الزوجين أو الأجداد.

وأقنعت سارة زوجها بوجوب تأجيل الإنجاب بعدما اطلعت على تجربة صديقة لها انفصلت عن شريكها إثر عام واحد بعد أن أنجبت طفلها الأول، فهي التي دخلت العلاقة الزوجية بشكل مفاجئ دون أن تمنح نفسها وزوجها فرصة للتعرف على بعضهما البعض بشكل أكبر.

وأثبتت الكثير من الدراسات الاجتماعية أن نسبة السعادة الزوجية بين الشريكين اللذين قررا تأجيل الإنجاب تكون أعلى من نظرائهما الذين أنجبوا سريعا، فبعد الزواج تنشأ مسؤوليات كبيرة من نوع خاص مرتبطة بمحاولة كل طرف إسعاد الآخر.

وفي حالة عدم وجود أبناء خلال السنوات الأولى قد يكون كل شريك مؤهلا للتقرب من الشريك الآخر ليفهمه ويتأقلم مع شخصيته دون خلافات، وحتى لو حدثت خلافات فمن السهل تجاوزها لغياب الضغوط التي يسببها الأبناء للأبوين.

Thumbnail

وتطفو إشكالية الإنجاب السريع بعد الزواج في مصر، مع وجود موروثات قابعة في أذهان الأسر تفيد بأن تأجيل الحمل من أجل السعادة الزوجية من الأمور المحرمة دينيا.

وهذه رؤى يروج لها البعض من رجال الدين، لكن دار الإفتاء المصرية تسعى لتغيير هذه القناعات بترويج إيجابيات التأجيل لأسباب مرتبطة بالتناغم مع دعوة السيسي، وأخرى تتعلق بأنها تسعى للمشاركة في إيجاد حلول لأزمة الطلاق المتجذرة.

ورغم تحريم بعض علماء الأزهر تأجيل الإنجاب إلا أن دار الإفتاء أباحت الخطوة وقالت إن الإنجاب ليس الهدف الأهم في الزواج، بل المودة والتراحم والتفاهم بين الشريكين، وهناك حالات انفصال تقع للزوجة والأبناء معا، حيث يطلقها زوجها بأطفالها ويعتبر ذلك تجربة وانتهت.

غياب التفاهم والانسجام بين الشريكين من أهم أسباب الطلاق، وفق محمد هاني استشاري العلاقات الزوجية

ويحبب عدم الإنجاب في السنة الأول حتى يعتاد الطرفان على بعضهما البعض ويحدث تطبيع في العلاقة الشخصية، ففي بداية الزواج تتزايد المخاطر بسبب المشاعر المتضاربة.

ورأى محمد هاني -استشاري العلاقات الزوجية في القاهرة- أن تأجيل الإنجاب إلى حين التوافق النفسي والسلوكي بين الزوجين أمر مهم، وهذه ليست أنانية لأن الهدف نبيل، وتزداد أهمية الخطوة بين اللذين يتزوجان بطريقة تقليدية لم يكتمل فيها التعارف لأنهما بحاجة إلى فهم مشترك وتعرّف كلّ منهما على الآخر.

وأضاف لـ”العرب” أن “أهم أسباب الطلاق غياب التفاهم والانسجام بين الشريكين، وشعور كل طرف بأنه تفاجأ بتحمل المسؤولية، أما التأجيل لفترة قصيرة فيتيح لكل طرف التفرغ لإسعاد الآخر وتأمين مستقبل الأسرة قبل إنجاب الأطفال لتكون مستقرة”.

ولفت إلى أن هناك مفاهيم مغلوطة لدى الكثير من الأسر تتعلق بأن الإنجاب السريع يؤمّن العلاقة من الانهيار، بزعم أن الطرفين سيحرصان على مستقبل أولادهما، مع أن الواقع لا يعكس ذلك، ويتم استخدام الأطفال ذريعة للانتقام والحصول على أكبر قدر من المكاسب، ما يعزز أهمية التناغم النفسي بين الشريكين قبل اتخاذ خطوة الإنجاب.

وتتقاطع هذه المزايا مع تحديات أخرى مرتبطة بمسألة وجود معتقدات راسخة في أذهان الأسر تفيد بأن تأجيل الحمل واستخدام وسائل تنظيم الأسرة قد يتسببان في العقم، مع أن الكثير من الأبحاث الطبية نفت وجود علاقة بين العقم وتأخير الإنجاب.

ويتطلب إقناع الأسر بالفكرة في مجملها مشروعا توعويا شاملا تتشارك فيه جهات طبية ودينية وإعلامية ونفسية لدحض التصورات الخاطئة عند عدد كبير من العائلات التي تربط السعادة الزوجية بالإنجاب السريع.

17