هل تقبل الحكومة التونسية بزيادة الرواتب للتهدئة مع اتحاد الشغل

تونس- ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر اتفاق بين حكومة نجلاء بودن والاتحاد العام التونسي للشغل يقضي بزيادة الرواتب التي مثلت محور خلاف بين الطرفين منذ أكثر من عام، خاصة أن الحكومة ترفض مراكمة أعباء جديدة عليها وهي تسعى لمواجهة ملفات ثقيلة من مخلفات المرحلة الماضية.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن الاتفاق قد تتعهد فيه الحكومة بزيادة الرواتب زيادة طفيفة لتبديد مخاوف الموظفين في القطاع العام بشأن المرحلة القادمة، وفي نفس الوقت تعطي مبررا لاتحاد الشغل ليقنع منتسبيه بمسار التهدئة مع الحكومة، وهو ما تتجه إليه البلاد تحت وقع أزمة محلية ودولية خانقة.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي، الذي كشف عن تلقيه دعوة للقاء الرئيس قيس سعيد، يريد أن تساعده الحكومة ولو بخطوة رمزية لإقناع أنصاره بأنه لم يتنازل عن مطالبهم، في وقت تسعى فيه أطراف سياسية داخل الاتحاد إلى ضبط روزنامة احتجاجات في ظاهرها ذات بعد مطلبي وفي باطنها تتضمن موقفا سياسيا معارضا لقيس سعيد.

نبيل الرابحي: الزيادة في الرواتب انتصار للطرفين الحكومي والنقابي
وقال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي، عقب اجتماع الهيئة الإدارية، الأحد إن “الاتفاق النهائي سيحسم في لقاء قادم مع الحكومة، وذلك بوضع اللمسات الأخيرة التي ستفضي إلى تطبيق النقاط المتفق بشأنها”.
وأضاف في تصريح صحافي أن “الساعات المقبلة ستكون حاسمة بشأن توقيع الاتفاق النهائي”.
ويأتي الاتفاق بعد جلسة تفاوض عقدت الأسبوع الماضي، بحضور الطبوبي ورئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام نمصية ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي.
بدوره أكد مصدر نقابي مطّلع في الاتحاد لإذاعة محلية أنّ “محضر الاتفاق الذي سيبرم مع الحكومة سيكون مقبولا لكنه لا يرتقي إلى مستوى الانتظارات نظرا للعديد من الإكراهات”.
وأضاف أن “محضر الاتفاق قد يتضمن عدة نقاط، من بينها تفعيل اتفاق فبراير 2021 على ثلاث مراحل، وذلك خلال السنتين الحالية والقادمة، وقد تخصص سنة 2024 للوظيفة العمومية والقطاع العام”.
وقدّر المصدر ذاته أن يتضمن الاتفاق زيادة بـ5 في المئة سنويا في الرواتب، بالإضافة إلى بعض النقاط الأخرى.
ويقول مراقبون سياسيون إن الاتفاق من شأنه أن يؤسس لمرحلة من الهدنة الاجتماعية بين الحكومة واتحاد الشغل، في ظل التوتّر الذي رافق مختلف المفاوضات والنقاشات بخصوص الرواتب ومراجعة الدعم وغيرهما.
ووصف المحلل السياسي نبيل الرابحي التفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل حول كتلة الرواتب بـ”العسير”، وقال إنه “جاء بعد لقاء جمع الأسبوع الماضي رئيسة الحكومة بأمين عام اتحاد الشغل ومحافظ البنك المركزي ووزيرة المالية، والنقاش تطرق إلى عدة محاور منها الزيادة في الرواتب ومسألة رفع الدعم”.
وقال الرابحي لـ”العرب” إن “التفاوض أفضى إلى اتفاق على زيادة بـ7 في المئة للحد الأدنى للرواتب و5 في المئة للحد الأقصى للرواتب، وهو انتصار للطرفين الحكومي والنقابي، فضلا عن إلغاء المنشور عدد20، وهي نقاط مهمة”.

المنذر ثابت: السلطة كالاتحاد من مصلحتها تقديم جرعة للطبقة الوسطى
وتابع الرابحي “الحكومة دخلت في البداية بثوابتها المتمثلة في تخفيض الرواتب، وبهذه الصيغة يبدو أنها ماضية في تنفيذ تعهّداتها، وهي تحت ضغط مسلّط من صندوق النقد الدولي، وإذا تمت المصادقة فعليا على الزيادة في الرواتب فإن ذلك يعد انتصار للحكومة مع صندوق النقد الدولي”.
وتشهد تونس ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، فضلا عن ندرة بعض المواد الأساسية، في وقت وصلت فيه نسبة التضخم إلى 8.6 في المئة.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن الزيادة المرتقبة في الرواتب يمكن أن تزيد الضغط على الحكومة التي تواجه تحديات اقتصادية ومالية كبيرة، وتسعى للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد بقيمة 4 مليارات دولار.
وقال الناشط السياسي المنذر ثابت إن “المشكلة بعد 2011 تتمثل في بروز نوع من المبالغة وتضخيم كتلة الرواتب بسبب تراجع الاستثمار العمومي وركود الاقتصاد، ما جعل الرواتب تعطّل النمو الاقتصادي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تقليص كتلة الرواتب لا يمثل شرطا لإنعاش الاقتصاد ويمكن أن يكون دافعا إلى انكماشه، والإشكال الأساسي والإستراتيجي للاتحاد يتعلق بمصير مؤسسات القطاع العام وتجميد الانتدابات، والسلطة كالاتحاد، من مصلحتها تقديم جرعة للطبقة الوسطى في البلاد”.
وأردف “يمكن أن يفضي ذلك إلى هدنة مؤقتة بين الطرفين، والاتحاد لا يتحكّم إلا في مليون منتسب، وبالتالي مليون منتج ومستهلك وفاعل اقتصادي واجتماعي، والمفاوضات تتعلق بمصير القطاع العام والمؤسسات العمومية والخصخصة التي تهدّدها”.
واستطرد قائلا “هناك صعوبات في معالجة هذه المسألة، وقد تكون أصعب من ملف الرواتب”.
وتعاني تونس من أسوأ أزمة مالية، وتهدف إلى التوصّل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات “مؤلمة”، من أجل معالجة الاختلالات المالية المزمنة.
وتشمل الإصلاحات المقترحة من صندوق النقد الدولي زيادة أسعار الوقود والكهرباء وتجميد رواتب القطاع العام، وهما من الخطوات التي يرفضها بشدة الاتحاد العام التونسي للشغل.
