هل تطوي زيارة أردوغان إلى العراق صفحة الخلافات

الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق للمرة الأولى منذ نحو 13 عاما انتقالة كبيرة في علاقة البلدين التي مرت على مدى السنوات الماضية بتجاذبات بسبب عدد من الملفات العالقة بينهما، وربما يكون أهمها ملف حزب العمال الذي تصنفه تركيا على “قوائم الإرهاب” وتعتبره تهديدا أمنيا لها.
بعد سنوات من الخلافات الدبلوماسية، يبدو أن تركيا والعراق يتجهان نحو تحسين العلاقات وتقويتها من خلال جهود مشتركة للتوصل إلى تفاهمات وحلول مشتركة. حسب المعلن الزيارة خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف بحسب ما يرى خبراء، ورغم التطورات الإيجابية، لا يمكن تجاهل القضايا العالقة التي تحتاج إلى حلول شاملة ومتفق عليها قبل أن يتمكن البلدان من بناء علاقات أكثر استقرارا وتعاونا، وفق الخبير السياسي إحسان الشمري، الذي أكد أن الزيارة ركزت بالمجمل على تحقيق مصالح في مجالات التصدير والطاقة لأنقرة، بيد أن هذه الاتفاقيات قد لا تحقق النتائج المرجوة لبغداد إن تم إهمال ملف المياه والذي تأمل حكومة محمد شياع السوداني تحقيق تقدم في المفاوضات من خلاله.
◄ ما يجري في العراق اليوم هو لعب سياسي على الحبال، يعطل المشاريع ويحول دون تحقيق التنمية المستدامة التي تلبي مصالح العراقيين
من هنا يمكن أن نفهم التقرير الذي أعدته وكالة الأناضول الرسمية باللغة التركية ونشرته معظم وسائل الإعلام التركية وجاء فيه أن الأرشيف الرسمي في تركيا يحتفظ بأكثر من 77 ألف و63 وثيقة تسجيل أملاك أصلية “طابو” تعود لفترة الحكم العثماني في مدينتي الموصل وكركوك العراقيتين، وقبل ما يقارب ثلاث سنوات من الآن وفي خطاب له، لفت أردوغان بشكل مباشر إلى أن مدينتي الموصل وكركوك “كانتا تابعتين لتركيا” قائلا “يجب فهم أن كركوك كانت لنا، وأن الموصل كانت لنا.. لماذا هذا الكلام لا يعجبهم؟ أنا فقط قدمت درسا في التاريخ، يجب فهم هذا”.
كان الرئيس التركي يهدد علنا الجانب العراقي في حال توترت الأوضاع شمال العراق، بتدخل مباشر من القوات التركية لصد أي تموضع لحزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية.
قد يكون مفهوما أن تبدي الدول خوفها حول حدودها، كما في حالة الحكومة التركية التي تخشى المد الكردي فضلا عن قوات الحشد الشعبي في العراق. كما ترغب أنقرة أيضا في الحد من النفوذ الإيراني وهذا مهم في ظل التنافس على تسيد المنطقة، حيث تمتلك طهران روابط قوية بحكومة بغداد، التي يهيمن عليها الشيعة. وتعتبر تركيا نفسها حامي العرب السنة والأقلية التركمانية في شمالي العراق، ولذلك تبدو معادية لفكرة مشاركة ميليشيات شيعية في معركة الموصل.
وعليه فإن موقع مدينة الموصل جعل منها مركزا لتحقيق التوازن الجيوبوليتيكي مع بعض الدول الإقليمية. كما أن الطرف الإيراني يسعى إلى إضعاف توازن القوى الإقليمية، من خلال دوره في هذه المدينة العراقية والمنطقة الحدودية الشمالية. ورغم ذلك، فإن صناع القرار في تركيا مصرون على جعل مدينة الموصل بؤرة لترجمة تطلعاتهم الإقليمية والدولية، واتخاذها نقطة حيوية للتوسع الإقليمي سياسيا واقتصاديا. إن أهم ملامح التدخل التركي في العراق قديما وحديثا، هو تحول المنطقة الجغرافية المتمثلة بالحدود التركية – العراقية إلى تبعية تركية اقتصاديا وسياسيا.
بالنظر إلى هذا يبقى مشروع التنمية هو ما يصبو كل طرف إلى تحقيقه في قادم الأيام، ربما يسهم بشكل كبير في تنمية العراق والمنطقة، وزيادة العلاقات بين البلدين.
◄ الرئيس التركي يهدد علنا الجانب العراقي في حال توترت الأوضاع شمال العراق، بتدخل مباشر من القوات التركية لصد أي تموضع لحزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية
من هذا المنطلق، الزيارة التي قام بها أردوغان مؤخرا إلى العراق حققت أهدافا تركية على حساب العراق، تتمثل في زيادة الصادرات التركية البلد الأكبر تصنيعا في المنطقة، إلى جانب الضغط على العراق للتحكم بتمدد حزب العمال الكردستاني في الموصل. ولكن يبقى الملف الخلافي على الموصل هو ما يعكر صفو أي اتفاق في المستقبل، فتصريحات أردوغان عندما قال إن مدينتي الموصل وكركوك “كانتا تابعتين لتركيا” تحمل الكثير من الرسائل، وهذه التصريحات لم تسقط بالتقادم نهائيا.
من الملاحظ أن تركيا تتطلع إلى الأمام ولديها أجندة توسعية في منطقة الجوار، وما زال إرث الدولة العثمانية حاضرا في أجندة أردوغان وغيره، فهنالك عوامل سياسية واقتصادية تريد تحقيقها.
أما على صعيد النفوذ الإيراني في العراق، فرغم الانسجام الظاهر بين أنقرة وطهران، إلا أن كل طرف يحاول إقصاء الطرف الآخر عن مناطق نفوذه.
باختصار، زيارة الرئيس التركي إلى العراق حملت رسائل كثيرة، وهناك تساؤل عن رسائل العراق للطرف التركي؟ من زاوية الرأي العام العراقي، الحكومات العراقية المتعاقبة ما زالت تئن تحت وطأة النفوذ الإيراني الذي يحول دون أخذ العراق مكانته كدولة كاملة السيادة ويسعى لعدم رخائه وازدهاره.
ما يجري في العراق اليوم هو لعب سياسي على الحبال، يعطل المشاريع ويحول دون تحقيق التنمية المستدامة التي تلبي مصالح العراقيين.