هل تشجع الزيادة في رأس المال التونسيين على تأسيس الشركات الأهلية

تحاول السلطات التونسية تثبيت فكرة تأسيس الشركات الأهلية التي يقرّ مراقبون بكونها لم تحظ منذ إقرارها بقبول شعبي واجتماعي واضح، من خلال الزيادة في سقف رأس المال وتشجيع المواطنين على الإقبال عليها، رغم صعوبة عمليات التمويل وعدم تعود التونسيين على النموذج التنموي الجديد.
تونس - طرحت الزيادة في سقف رأس مال الشركات الأهلية تساؤلات لدى الأوساط الشعبية والسياسية في تونس بشأن إمكانية تشجيع هذه الخطوة المواطنين على تأسيس الشركات الأهلية وبعث المشاريع التنموية في جهاتهم، وهي آلية راهنت عليها السلطة منذ فترة.
ويقول مراقبون إن الإقبال على تأسيس الشركات الأهلية التي كانت من أبرز شعارات الرئيس قيس سعيد منذ حملته الانتخابية الماضية، لم يلق القبول الشعبي المنتظر رغم الجهود الدعائية والتحسيسية الكبيرة بالفكرة.
وتعتبر الشركات الأهلية نموذجا استثماريا وتنمويا جديدا، لم يتعود عليه التونسيون من قبل، خصوصا وأن الدولة تبنت في سياساتها منذ الاستقلال في مارس 1956 فكرة بناء المشاريع التنموية والاهتمام بتحسين المنوال التنموي وبعث المشاريع المشغّلة. وقال رياض شود، كاتب الدولة لدى وزير التشغيل المكلف بالشركات الأهلية إنّ “أمرا سيصدر قريبا للزيادة في رأس مال الشركات الأهلية من 300 ألف دينار (96.39 ألف دولار) إلى مليون دينار (321.29 ألف دولار)”.
وأضاف، لدى إشرافه على الجلسة التأسيسية للشركة الأهلية برج خديجة بالشابة من محافظة المهدية (شرق)، أنّ “البنوك ستوفر فرق التمويل إذا ما تجاوز رأس المال المليون دينار".
وتأسست شركة برج خديجة برأس مال في حدود مئة ألف دينار وتختص بالنهوض بالقطاعين الثقافي والسياحي بالجهة. وتهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمناطق الصغيرة وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها.
ولا توجد تقديرات حكومية تحدد مساهمة الشركات الأهلية في الناتج المحلي الإجمالي سنويا، وهو ما يثير جدلا حول جدواها حتى في ظل سن تشريعات لجعلها ذات فائدة اقتصادية. وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “البنوك هي من تمول المشاريع، إضافة إلى التمويل الذاتي المتأتي من المشتركين والتبرعات". وقال في تصريح لـ”العرب”، “يمكن تأسيس شركة أهلية، ولا يوجد بالضرورة مصدر واضح للتمويل، وهذا ما يطرح إشكالا حول العلاقة بين الدولة والاستثمار".
وتتمتع الشركات الأهلية بالشخصية القانونية وتتولى إطلاق المشاريع الاقتصادية استجابة لاحتياجات المتساكنين وتماشيا مع خصائص الجهة المعنية.
كما أن المسؤولين عليها سيسهرون على التصرف وإدارة المشاريع الراجعة لهم بالنظر في مستوى الجهة المعنية، فضلا عن التصرف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرّف. وإلى جانب ذلك فإنها ستساهم في مسار التنمية المستدامة والحوكمة في كل جهة استنادا على مبدأ المسؤولية المجتمعية للمؤسسة.
وتخول القوانين الجديدة للشركات الأهلية، التي يفترض أن تضم قرابة 50 شخصا، ممارسة نشاطها على المبادئ الخاصّة بالمبادرة الجماعية والتنمية الجهوية والنفع الاجتماعي. ويتم تأسيس مختلف الشركات الأهلية وفق نظام أساسي نموذجي يضبط بأمر رئاسي ويحدد خاصة التنظيم الإداري والمالي للشركات الأهلية وطرق تسييرها.
وأكد الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنادي أن ” هناك أزمة إنتاج في السوق، كما توجد مجازفة بتأسيس الشركات الأهلية، والزيادة في سقف رأس المال سببها أن الدولة تطمح إلى تحسين الاستثمار في بعض القطاعات وأهمها الزراعة”. وأوضح لـ“العرب”، “الشركات الأهلية لا تحظى بقبول اجتماعي واضح، خصوصا من ناحية التمويل وتقاسم الأدوار بين الشركاء، والخدمات التي ستقدمها، فضلا عن كيفية مساهمتها في النهوض بالاقتصاد”. ولفت إلى أن “تمويل هذه الشركات متأت أساسا من الاقتراض من البنوك”، متسائلا “كيف ستوفق هذه الشركات بين تحقيق الأرباح وسداد ديونها للبنوك؟”.
◙ نجاح الشركات الأهلية يبقى رهين توفر مناخ من الاستقرار يسمح باستمرار نشاطها بعيدا عن المطبات التي من شأنها أن تؤثر على مردوديتها
واستطرد قائلا “في اعتقادي هذه الزيادة لن تغير من طابع الشركات الأهلية، وكان من الأفضل أن تتكفل الدولة ببعث المشاريع ثم تدفع البنوك نحو تمويلها”. وبدا واضحا أن الذهاب في اتجاه إقرار زيادة لرأس مال تلك الشركات، يرمي أولا إلى تحفيز الراغبين في تأسيسها، ثم تثبيت الفكرة التنموية الجديدة في تقاليد المجتمع التونسي ما بعد 25 يوليو 2021 وحمايتها من إمكانيات الفشل.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة، “يبدو أنه لم يكن هناك تجاوب مع فكرة الشركات الأهلية، ولم تكن في مستوى الطموحات، لذلك تبحث الدولة على دفع الإقبال على تأسيسها من خلال الزيادة في سقف التمويل وحفاظا على الدور الاجتماعي للدولة”. وأكد لـ“العرب”، أنه “لا يمكن لهذه الشركات أن تكون بديلا عن المنوال التنموي، وهي صراحة غير قادرة على استيعاب مئات الآلاف من المعطلين عن العمل، وحتى الشركات التي تم الإعلان على تأسيسها منذ أشهر لم نر لها أثرا إلى حد الآن في حل مشكلة البطالة وخلق الثروة”.
ولفت مراد علالة إلى أن “هناك إرثا وذكريات سيئة للتونسيين مع تجربة التعاضد، ولم تتم تهيئة المجتمع وإقناعه بهذه الفكرة ومردوديتها، لذلك نلاحظ ترددا اجتماعيا واضحا”، متسائلا “إذا كان رجال الأعمال ينفرون من بعث المشاريع الاستثمارية في الجهات، فكيف للمواطن البسيط أن يقبل فكرة تأسيس شركة أهلية بإمكانات مالية محدودة”.
ويربط متابعون للشأن التونسي، نجاح هذه الشركات والمشاريع الجديدة بضرورة توفر مناخ من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي يسمح باستمرار النشاط وبعيدا عن المطبات والعراقيل التي من شأنها أن تؤثر على مردوديتها. وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في تونس ارتفاع معدل البطالة في البلاد إلى 16.4 في المئة خلال الربع الأخير من 2023.