هل تدعم الصداقة الافتراضية مشاعر التآلف وتقلل من الشعور بالوحدة؟

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن الصداقة الافتراضية ليست على نفس مستوى القيمة مع الصداقة الواقعية، ذلك أن وجود المئات من الأصدقاء لأي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك لا يغني عن ضرورة وجود حفنة من الأصدقاء المقربين في الحياة الواقعية، ما يعني أن الصداقة الافتراضية لا تزيد مشاعر الدعم ولا تقلل الشعور بالوحدة.
فرضت وسائل التواصل الحديثة نفسها على العلاقات الاجتماعية، حتى أصبحت لكل شكل من أشكال العلاقات نسختان، نسخة واقعية ونسخة إلكترونية أو افتراضية، والصداقة من العلاقات التي تأثرت كثيرًا بتطور ونمو وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها، فهل تزيد الصداقة الافتراضية في مشاعر الدعم وتقلل الشعور بالوحدة أم أنها لا تضاهي الصداقة الواقعية حتى في أبسط فوائدها.
يرى خبراء علم النفس أنه لا يوجد ما يمنع إقامة صداقات افتراضيّة طالما أنّ هناك صداقات واقعيّة عرضة للخيبة والخداع وخصوصًا أن بعضًا منها يتطوّر إلى صداقات حقيقيّة ينقصها اللقاء.
ويقول خبراء علم النفس إن كانت صداقة السوشيال ميديا تلبّي متطلّبات وأهداف الصداقة التقليدية فمرحبا بها، لكن أنّى لها من ذلك الذي توفّره الصداقة الواقعية كالوجود الحقيقي المباشر بجانب الصديق في حزنه وفرحه وضيقه وحاجتة.
دراسة:
وسائل التواصل الاجتماعي شجعت الشباب على أن تكون لديهم شبكة أكبر من الأصدقاء ولكنها غير مقربة
ويؤكد الخبراء أن احتساء فنجان قهوة ومشاهدة مباراة أو الخروج بسهرة مع أصدقاء يطيب فيها تبادل النكات والقصص وتتعالى فيها الضحكات أنجع من تمضية الوقت مع صديق افتراضي، مشيرين إلى أن أصدقاء الإنترنت لم يختبروا مفهوم “القيمة” الذي تعنيه الصحبة الواقعيّة، مؤكدين أن صداقتهم بمعظمها وهميّة تنهيها كبسة زر الإلغاء أو المحي أو فصل التيار.
وخلصت دراسة بريطانية إلى أن وجود المئات من الأصدقاء لأي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك لا يغني عن ضرورة وجود حفنة من الأصدقاء المقربين في الحياة الواقعية. وتوصل الباحثون إلى أن الأشخاص الذين لديهم بضعة أصدقاء يشعرون بنفس مقدار السعادة الذي يشعر به من لديهم أصدقاء أكثر إذا كان الكثير منهم عبر الإنترنت.
وتوصلت الدراسة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي شجعت الشباب على أن تكون لديهم شبكة أكبر من الأصدقاء ولكنها غير مقربة. ولكن بدلا من محاولة جمع الأصدقاء، أشار الباحثون إلى أن أفضل علاج للوحدة ربما يكون تمضية الوقت مع الأصدقاء المقربين.
واعتمد العلماء بجامعة ليدز في دراستهم على بيانات استطلاعين للرأي، قامت بإجرائهما على شبكة الإنترنت، منظمة بحثية غير ربحية، وشملا 1496 شخصا. وكشف المشاركون في الدراسة عن أعمارهم وتكوين شبكاتهم الاجتماعية ونوعيات التواصل الاجتماعي المختلفة لهم ومشاعرهم. وشملت الدراسة تفاصيل حول وتيرة تواصلهم مع أفراد أسرهم وجيرانهم وكيفيتها.
وخلصت الدراسة إلى أنّ عدد الأصدقاء المقربين لشخص ما هو الأمر الوحيد الذي يؤثر على مدى رضاه عن حياته الاجتماعية. وقالت الدكتورة فاندي بروني دي برون وهي من المشاركين في إعداد الدراسة “الوحدة ليست مرتبطة بصورة كبيرة بعدد الأصدقاء الذين لديك، بقدر ارتباطها بصورة أكبر بكيفية شعورك تجاه أصدقائك”. وأضافت “إذا شعرت بالوحدة، ربما يكون من الأفضل أن تقوم بتواصل إيجابي مع صديق بدلا من محاولة السعي لكسب أصدقاء جدد”.

وأشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الأكبر سنا تكون لديهم شبكات اجتماعية أصغر. وأوضحت الدراسة أن الشباب تكون لديهم شبكة اجتماعية أكبر، ولكنها لا تتألف من أصدقاء حقيقيين، بل من مجرد أشخاص يعرفونهم ولا يساهمون في سعادتهم. وقالت دي برون إن بحثها توصل إلى نتائج مماثلة لدراسات أخرى تفيد بأن الأشخاص يشعرون بسعادة أكبر إذا كان الجزء الأكبر من أصدقائهم على شبكة الإنترنت هم أصدقاء لهم على أرض الواقع. وأضافت “الصورة النمطية للتقدم في السن تصف البالغين الأكبر سنا في عدة ثقافات بالأشخاص الذين يشعرون بالحزن والوحدة”. وأوضحت “لكن الدراسة أظهرت أن شبكة الأصدقاء الأصغر التي يحظى بها الأكبر سنا لا تقوّض من رضاهم الاجتماعي”.
وأكد خبراء علم الاجتماع أنه مهما تطورت الصداقة الإلكترونية لا يمكن أن تصل إلى عمق ومتانة الصداقة الحقيقية والواقعية، فالاتصال المباشر عنصر أساسي في الصداقة على الأقل في أطوار تكوّنها الأولى، كما أن النشاطات المشتركة والمواقف التي تجمع الأفراد معًا هي التي تجعل الصداقة أكثر عمقًا وقوة، ولا يمكن القول بأن الراحة في الحديث مع صديق الإنترنت تجعل الصداقة قوية وعميقة، بل إن البعض قد يضع توقعات مرتفعة لعمق ومتانة الصداقة الإلكترونية تجعله متفاجئًا عندما يشعر أنها مجرد صداقة عابرة أو أنها أضعف من الصمود بوجه مواقف صغيرة وتافهة.
وجود المئات من الأصدقاء لأي شخص على فيسبوك لا يغني عن وجود حفنة من الأصدقاء المقربين في الحياة الواقعية
ومن المشاكل الشائعة في الصداقات الإلكترونية أنها تتيح مجالًا كبيرًا للكذب والتزوير والتنكر، من جانب الصديقين أحيانا، فالصداقة الإلكترونية تتيح لنا مجالًا لنظهر بالطريقة التي نحبها وليس كما نحن فعلًا، وقد عرفنا دائمًا أن الصداقة الحقيقية مبنية على الصدق والعفوية، وشرطها أن تجد نفسك على طبيعتك دون حرج.
ومع القفزة السريعة نحو الحداثة والتطوّر التكنولوجي الرقمي، أصبح العالم بمثابة قرية كونيّة صغيرة يحمل فيها الإنسان هويّة رقميّة تخوّله لدخول هذا العالم الافتراضي والتفاعل معه أينما كان ومتى شاء ذلك. لكن هذا لا يمنع أن الصداقة الافتراضية قد تؤسس إلى صحبة واقعية، لا بل قد تفوق هذه الصحبة، ذلك أن ما سبقها من تبادل للمعلومات والثقافة خلال التعارف الافتراضي ربما يكون قد أسس لشيء أعمق.
ويقول ياب دنيسن أستاذ علم النفس الألماني إن الاعتقاد بأن الشباب يتواصلون بصورة أساسية مع غرباء اعتقاد بال، مثل الاعتقاد بأن استخدام الإنترنت بشكل كبير يسبب العزلة الاجتماعية. فالأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت بكثرة هم في “حياتهم الحقيقية” أكثر تواصلا اجتماعيا من هؤلاء الذين لا يستخدمون الإنترنت بكثرة.