هل تحقق ما توقعته لباولو كويلهو

باولو كويلهو صعد نجمه بسرعة فائقة وككل من يصعد نجمهم دون مبررات واضحة سرعان ما تتراجع شهرتهم.
السبت 2020/02/29
كاتب صعد بسرعة دون مبرر

منذ أكثر من عشر سنوات، وكان حضور الروائي البرازيلي باولو كويلهو، في المنوعات الثقافية العربية، حضورا قويا، ولم أكن قد وجدت بين ذلك الحضور، أو لأقل بين تلك الشهرة وبين نصه الروائي، أي علاقة موضوعية.

في التاريخ الذي أشرت إليه، كتبت مقالة عن ظاهرة باولو كويلهو، ومن ثم كتبت عمودا صحافيا، نشر في صحيفة الرأي الأردنية، وكنت قد قرأت بعض ما ترجم له إلى اللغة العربية من رواياته، حيث توقعت أن ما نال من شهرة ومن اهتمام إعلامي، سينتهيان، وسيأخذ مكانه الطبيعي ومكانته المتواضعة في عالم الرواية والروائيين.

وبحدود متابعاتي وما يتاح لي من اطلاع على أخباره في المنوعات الثقافية العربية في الوقت الراهن، أكاد أقول إن ما توقعته من قبل، يكاد يتحقق، ولكي لا أغامر بإطلاق القول على عواهنه، حاولت أن أسأل عددا من أصدقائي عن توقعي سالف الذكر، فشاركني فيه أكثر من واحد ممن سألتهم.

حين أفصحت عن توقعي هذا، كان كويلهو في ذروة الشهرة، وإن كان قد ظهر اسمه من دون مناسبة، وأقصد بالمناسبة، نيل جائزة عالمية أو قارية مثلا، أو صناعة شريط سينمائي من إحدى رواياته، حقق شهرة ونال قبولا، ومن دون هذه أو تلك، صار اسمه كثير التردد، بل صار في المقدمة من أصحاب الشهرة من الروائيين في العالم، حتى ما عادت أسماء روائيين برازيليين آخرين تذكر، كانوا أسبق في الشهرة عالميا، أذكر منهم جورج أمادو مثالا، وكويلهو نفسه لم يعرف سرَّ هذا النجاح المفاجئ، إذ قال يوما “عندما يأتي اليوم الذي أعرف فيه، سرَّ نجاحي، أكون قد انتهيت”.

في ذلك الوقت، كثرت الحوارات الثقافية معه، وقرأنا بعضها وهي مترجمة عن لغات أخرى، تنشرها دوريات وملاحق أدبية وحرصت مؤسسات ثقافية على دعوته لحضور مناسبات ثقافية ذات طابع إعلامي، ورغم ما كان من سباق بين الناشرين لترجمة أعماله الروائية إلى اللغة العربية، لم تتح لي قراءة دراسة جادة، مترجمة أو معدّة عن عمله الروائي.

ومن عاداتي في القراءة أن لا أستجيب للضجيج الإعلامي، سواء تعلق بأعمال معيّنة أم بأسماء يبالغ في تداولها، كما هو الأمر مع كويلهو، بل أقف موقفا يتسم بالحذر ويذهب إلى التساؤل.

إن معظم الذين أفصحوا عن إعجابهم بكويلهو، كرّروا مقولة تأثّره بالعمل الخالد “ألف ليلة وليلة” مخيلةً وأحداثاً وأسلوباً، ولو كان هذا حقا، فهو لا يكفي لأن يحتلّ موقعه الذي أشرنا إليه، فقد سبقه إلى مثل هذا التأثر أكثر من كاتب أجنبي فما نالوا بعض ما ناله من شهرة واستقبال، وإن كان معظم قرّاء كويلهو من أوساط مدمني المسلسلات التلفزيونية الشعبية والمجلات المصورة.

لكن ظاهرة مثل التي نحن بصددها لا يجوز رفضها بلا أسباب وقبولها من دون أسئلة وحوار، لذا فقد بادرت وقتذاك إلى قراءة، روايته الأكثر شهرة والأقرب إلى تمثل الليالي العربية، وهي رواية “الخيميائي” بعدها عرجت على أول أعماله الروائية “الحج إلى كومبو ستيلو” وهي التي دفعت به من عالم الضياع وكتابة النصوص الغنائية لفرق غنائية هامشية، إلى بوابة العالمية، ثم قرأت بعدها “فتيات فالكيري.. لقاء الملائكة” ثم توقفت عن قراءته، لكن يوم قرأت أن رواية “إحدى عشرة دقيقة” تمثّل توجها مختلفاً عما سبقها، عمدت إلى قراءتها، فوجدتها لا تتجاوز أن تكون تحقيقا صحافيا ناجحا.

وحين أعود إلى أطروحة تأثره بألف ليلة وليلة، وهذا التأثر يسعدني كمثقف عربي، حتى وإن لم يصل الكاتب إلى حالة تمثّله، فهذا العمل العظيم كان مهاده المكاني الأول، مدينتي الحبيبة بغداد وأهم ما ورد فيه من حكايات كانت عبر وسيط ثقافي عربي، شفوي أو مدوّن، ومهما كانت مصادره فاللغة العربية مهاده اللغوي، ثم لا بد من القول، وقد سبقني إليه الناقد فخري صالح، إن مبدعاً لاتينياً كبيراً هو لويس بورخيس، كان قد تمثّل تجربة الليالي العربية واقترب في ما كتب بتأثيرها من جوهرها، لكن لم يكن هذا التمثّل قد وفّر له ما وفر لكويلهو من اهتمام إعلام المنوعات الثقافية.

أما تركيزه على الجانب الروحي من حياة الإنسان المعاصر والمؤثرات الدينية ومحيطها الرمزي، وبخاصة ما يسميه الإشارات، وأظن أنها السبب الرئيس في شهرته، التي ظهرت في أوساط قراء المجتمعات التي تعاني من اختناق اجتماعي وثقافي بفعل ضغوط ما هو مادي وتغييب الروحي والإيماني، ولا أظن أن مجتمعنا العربي يعاني مثل هذه المعاناة.

وسأذكّر القارئ برواية أميركية صغيرة كان عنوانها “قصة حب” كتبها روائي مبتدئ في سبعينات القرن الماضي أريك تيغال، ولا أعلم إن كتب بعدها روايات أخرى، وقد حققت أيامذاك أرقام توزيع قياسية في أميركا وأوربا، وصنع منها شريط سينمائي، وكان السبب في كل ما حققته من نجاح، كونها قدمت عالماً رومانسياً يتسم بالمثالية والبساطة.

أما الآن، وبحدود متابعاتي وما يتاح لي من اطلاع على حضوره في منوعات الإعلام الثقافي، فقد تراجع مكان كويلهو ومكانته، عما كان عليه وهذا ما توقعته من قبل، بل هذا ما يحدث دائماً حين تأتي الشهرة بصورة طارئة، وهنا استشهد بمقولة للناقد بيتر بيين حين سُئل إنْ كان الكاتب اليوناني العظيم كازنتزاكي، سيقرأ بعد خمسين عاماً من وفاته، فأجاب: من المستحيل التنبؤ بهذا، في هذا الوقت، وهل سيظل يقرأ مثل كفافي، أم أنه سيكون مثل باناييت استراني الذي تمتع بشهرة عظيمة في عشرينات القرن الماضي ويكاد الآن أن يكون مغيَّبا.

14