المثقف الموسوعي يتّخذ مكانا قصيا في صناعة الأفكار

في تاريخ المعرفة الإنسانية، كما في تاريخ الثقافة العربية، عرفنا مثقفين موسوعيين، فيهم من ترك توجهه الموسوعي، أثرا سلبيا على اختصاصه الخاص، وفيهم من أضاف هذا التوجه إلى المعارف التي اشتغل بها إضافات مهمة، حتى كأنه في كل مجال معرفي اشتغل به يفصح عن قدرات تؤهله إلى مكانة الاختصاص الخاص، بل عرفنا من المثقفين الموسوعيين، من أثرى اختصاصه الخاص، بتوسعه في معارف ونشاطات أخرى.
وإذ نتوقف عند موسوعية الدكتور عبدالستار عزالدين الراوي، نجدها تنتسب إليه تحديدا، حتى لتضعنا في مواجهة سؤال موضوعي هو: هل موسوعيته نتاج مكوناته الذاتية والمعرفية، أم أن جهوده في ما تحقق له من خبرات ومعارف، هي التي حققت سمات موسوعيته.
إنه شاعر متميز وتشكيلي جيد ومحقق مجتهد، وهو كاتب مقالة سياسية وأدبية وتاريخية، وهو إذ يمارس نشاطه في جميع هذه العناوين، ويواصل هذا النشاط فيها، من دون تلكؤ أو انقطاع، يحقق حضورا ملفتا فيها، غير أنه في الوقت ذاته يكرس حضوره على صعيد اختصاصه، ويعد من أبرز العاملين في مجال الفلسفة الإسلامية ومن أكثرهم إنتاجا وأعمقهم بحثا، فلم يرهن عمله في مجال الفلسفة الإسلامية بالمناسبات، ولم يجعله نشاطا موسميا، بل يكاد أن يكون نشاطا يوميا ودائما، ويتميز هذا النشاط بإضافات معرفية، تتسم برؤية نقدية، هي صدى لفكر الدكتور عبدالستار عزالدين الراوي ورؤيته النقدية.
وفي شهادتي هذه، التي عمدت إلى أن تكون شهادة موضوعية، مع أنني أرتبط به بعلاقة صداقة ومودة متبادلين.
لا أدعي أن هذه الشهادة لم تتأثر بطبيعة هذه العلاقة، لكنني حاولت تغليب ما هو موضوعي على ما هو ذاتي، في كل ما يتعلق بالدكتور الراوي.
تبقى خصيصة أخرى من خصائص الرجل، يمكن وصفها بالقول: إنه شخص عملي، يقرن القول والفكرة بالعمل الجاد، لذا كان أكاديميا فذا، ودبلوماسيا مجتهدا.
وحين أبعد عن كل مراكز العمل، بعد الاحتلالين الأميركي والإيراني لبلده العراق، وانتبذ مكانا قصيا، حيث تمر عليه سنين اغترابه، وجدناه دائم النشاط في مشاريع فكرية، يظهر في إنجازها الجانب العملي وتشكل إضافات ثقافية ومواقف وطنية في آن.
إن الدكتور الراوي موسوعي بجدارة ووطني بامتياز.