هل التزمت هيئة الانتخابات في تونس بالشروط الموضوعية الكافية للمترشحين

أكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس على أن الشروط التي حددتها لخوض غمار سباق الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل، موضوعية وغير مخالفة للقانون الانتخابي، وسط انتقادات سياسية بشأن إضافة شرط خلو سجلّ المترشح من الأحكام العدلية.
تونس - طرحت الشروط المتعلقة بالمترشحين للاستحقاق الرئاسي التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تساؤلات لدى الأوساط السياسية والشعبية في البلاد، بشأن مدى التزام الهيئة بتحديد الشروط الكافية، وعما إذا كانت تلك الشروط موضوعية ولا تقصي أحدا. وكثيرا ما تعرضت هيئة الانتخابات لانتقادات حقوقية وسياسية، خصوصا بسبب إضافة شروط جديدة لكل من يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية.
لكنّ مراقبين يرون أن الشروط التي حددتها الهيئة للموعد الانتخابي الرئاسي القادم موضوعية ومقبولة، خلافا لما تم تداوله في المحطات الانتخابية السابقة التي لم تدقق خصوصا في أسماء المترشحين وخلو سجلاتهم من الأحكام العدلية والقانونية. وتؤكد هيئة الانتخابات في تونس أنها وضعت شروطا غير مخالفة للقانون الانتخابي، خلافا لما يتم تداوله في أروقة المشهد السياسي.
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، خلال ندوة صحفية مساء الخميس، عن شروط الترشح كاملة للانتخابات الرّئاسية المزمع إجراؤها يوم 6 أكتوبر المقبل، وقال إن شروط الترشح للانتخابات الرّئاسية "ليست شروطا جديدة" وبالتالي "ليست مخالفة للقانون الانتخابي خلافا لما يردّده البعض".
وأكّد أنّ شروط الترشح للانتخابات وردت في دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022 ولذلك، وتطبيقا لنص الدستور بوصفه النص الأعلى في هرم النصوص القانونية وإعمالا لمبدأ علوية الدستور الذي ينص في فصوله 88 و89 و90 على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، فإنّ مصادقة مجلس الهيئة على تنقيح القرار الترتيبي عدد 18 لسنة 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية "لا تعد من قبيل الشروط الجديدة التي وقع إقرارها في سنة انتخابية كما يتردد".
وأعلن بوعسكر أنه يشترط في المترشح لرئاسة الجمهورية التونسية أن يكون ناخبا مسجلا في سجل الناخبين وتونسيا حاملا للجنسية التونسية غير حامل لجنسية أخرى ومولود لأب وأم تونسيين وجد للأب وجد للأم تونسيين وكلهم تونسيون دون انقطاع ودينه الإسلام وبالغا من العمر 40 سنة يوم تقديم ترشحه.
كما تنص شروط الترشح على أن يكون المترشّح متمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية وألاّ يكون قد تولى منصب رئيس الجمهورية لدورتين كاملتين متتاليتين أو منفصلتين، وألاّ يكون مشمولا بأي صورة من صور الحرمان من الترشح على غرار فقدان صفة الناخب وفقدان الحق في الترشح المترتب على الإدانة من أجل الجرائم المنصوص عليها بالفصلين 161 جديد و163 جديد من القانون الانتخابي والفصل 30 من المجلة الجزائية.
وبخصوص التزكيات التي يجب على المترشحين جمعها تشترط هيئة الانتخابات تزكية المترشح للانتخابات الرئاسية من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من الناخبين المسجلين في السّجل الانتخابي كالتالي: 10 نواب من مجلس نواب الشعب أو من المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو من 40 من رؤساء الجماعات المحلية المنتخبة المباشرين لمهامهم في فترة قبول الترشحات وهم رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو الإقليمية أو البلدية أو من عشرة آلاف ناخب موزعين على عشر دوائر انتخابية على الأقل، ويجب ألا يقل عددهم عن 500 ناخب من كل دائرة منها.
وأكد فاروق بوعسكر أن الهيئة ستتثبت من قائمة المزكين وصحة الإمضاءات وجميع البيانات بكل الوسائل المتاحة قانونا ويمكنها نشر قائمة المزكين لتمكين الناخبين من الاطلاع عليها وتقديم اعتراضاتهم عند الاقتضاء، لافتا إلى أنّ الترشحات تقدم مباشرة لدى الهيئة بمقرها المركزي من قبل المترشح أو من ينوبه بموجب توكيل معرف عليه بالإمضاء لدى السلط الإدارية المختصة ويقدم مطلب الترشح في نظيرين على المطبوعة التي تعدها الهيئة للغرض ويتضمن وجوبا التنصيصات التالية: الاسم الكامل لمقدم المطلب وصفته والاسم الكامل للمترشح وتاريخ ولادته ومكانها ومهنته وديانته وعنوانه وبريده الإلكتروني وعدد بطاقة تعريفه الوطنية أو جواز سفره ورقم هاتفه وواجب بيان الاتصال بالمترشّح وممثّله.
كما نصّت الهيئة على أنه يجب الإدلاء بتصريح على الشرف ممضى من المترشّح ينصّ على استيفاء كامل شروط الترشح والخلو من الموانع القانونية وصحة المعلومات المقدّمة في مطلب الترشح ويكون الإمضاء معرّفا به لدى السلط الإدارية المختصة في حالة عدم تقديم المطلب والتصريح على الشرف من المترشح شخصيا.
وبالنسبة إلى المترشحين عن أحزاب سياسية فقد اشترطت الهيئة تأشيرة الممثل القانوني للحزب على مطلب الترشح وبيانات الاتصال به، ويجب أن يرفق مطلب الترشح وجوبا بنسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر للمترشح وصورتين شمسيتين حديثتين وشهادة جنسية للمترشح بما يفيد الجنسية التونسية للأب والأم والجد للأب والجد للأم على غرار شهادة ثبوت الجنسية أو مضمون ولادة ومضمون وفاة حديث يتضمن تنصيصا على الجنسية التونسية ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر.
وأكّدت أنه يجب أن يتضمن مطلب الترشح مضمون ولادة للمترشح لم يمض على إصداره أكثر من ثلاثة أشهر ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو من جواز السفر للوكيل المالي للمترشح وممثله وكذلك بطاقة السوابق العدلية حديثة العهد ووصل ضمان قدره عشرة آلاف دينار لدى الخزينة العامة للبلاد التونسية.
واشترطت هيئة الانتخابات كذلك أن يدلي المترشح بنسخة ورقية وإلكترونية من قائمة المزكين تتضمن الإسم الكامل للمزكي وصفته والدائرة الانتخابية التشريعية التي ينتمي إليها وعدد بطاقة تعريفه الوطنية وتاريخ إصدارها وإسم الأم.وبيّنت أنه يجب أن تتضمن النسخة الورقية إمضاء المزكّي ويشترط التعريف بالإمضاء لدى ضابط الحالة المدنية بالنسبة إلى تزكيات أعضاء ورؤساء المجالس النيابية المنتخبة.
وأشارت إلى أنّها ستضبط نموذجا من النسخة الورقية، وستصدر إرشادات فنية بالنسبة إلى النسخة الإلكترونية ويشترط التطابق بين النسخة الورقية والنسخة الإلكترونية التي يجب أن تكون قابلة للمعالجة بما في ذلك التطابق في ترتيب أسماء المزكين، مؤكّدة أنه لا يعتد قانونا إلاّ بالنسخة الورقية.
وبيّنت هيئة الانتخابات أنها لا تقبل التزكيات التي لا تعتمد الأنموذج المعد من الهيئة أو التي لا تتضمن جميع المعطيات والبيانات المطلوبة لجمع التزكيات. وأكّد فاروق بوعسكر أن مجلس الهيئة حرص على الحفاظ على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المعمول بها منذ سنة 2014. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “الشروط التي حددتها الهيئة موضوعية وبعيدة عن الأسباب التي خلفت سابقا خيبات انتخابية، حيث كانت بمثابة نوع من الحصانة لعدد من المترشحين في المحطات الانتخابية السابقة”.
اقرأ أيضا: هل يخشى قيس سعيد منافسيه على الانتخابات
وأكد لـ”العرب” أن “الشروط مقبولة وكان على الهيئة أن تضعها من قبل، والبطاقة عدد 3 التي تثبت خلو سجلّ المترشح من أي سوابق عدلية أعتقد أنها أقل ما يمكن أن يطلبه الشعب التونسي من المترشح، كما أن هذه الشروط لا تخل بالسباق الانتخابي".
ولفت الرابحي إلى أنه "مع فتح بعض الملفات رأينا من كان رئيس وزراء أو وزيرا سابقا وتعلقت به تلك الملفات، لكن حضور الدولة والقانون يجب أن يكونا مكرسين على أرض الواقع ولا أحد فوق القانون". واستطرد قائلا "الرئيس قيس سعيد كرّس استعادة هيبة الدولة والسيادة الوطنية والثقة في المؤسسات". في المقابل اعتبرت أطراف سياسية أن الانتخابات الرئاسية القادمة لن يتوفر فيها مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، مقرّة بأن إضافة بعض الشروط تسيء إلى العملية الانتخابية أكثر مما تخدمها.
وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي “تقريبا الشروط هي نفسها، والشيء الجديد هو إضافة شرط البطاقة عدد 3 وهو شرط غير قانوني وغير دستوري لأنه يتنافى مع حرية التونسيين في اختيار من يمثلهم في السلطة". وأكد في تصريح لـ"العرب" أن "هناك ضيق وقت واضحا بين الإعلان عن موعد الانتخابات وموعد إجرائها"، متسائلا "هل سيفتح الإعلام العمومي منابره للمعارضة".
وتابع جلول "لا أعتقد أن هناك مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، خصوصا وأن بعضهم صدرت بشأنه أحكام سجنية، وبالتالي لن يكون هناك عرس ديمقراطي". واستطرد قائلا "شخصيا سأترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وأرفض الكراسي الفارغة". وكان الرئيس التونسي قد أصدر قرارا بإجراء الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر القادم، ودعا الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
وفي صيف 2022 أقر الناخبون التونسيون مشروع دستور جديد وضعه قيس سعيّد، ما أدى إلى نقل تونس من نظام برلماني إلى نظام رئاسي مطلق. كما تم تأسيس نظام جديد يقوم على مجلسين بسلطات محدودة: مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للأقاليم والجهات. وتوجه منظمات حقوقية تونسية ودولية انتقادات شديدة لنظام الرئيس سعيد، مؤكدة أنه “يقمع الحريات في البلاد”، لكن الرئيس يكرر أن “الحريات مضمونة”.