هل أعلنت السلطات التونسية رسميا فتح ملف حركة النهضة

تواجه حركة النهضة الإسلامية في تونس أزمة جديدة لا يستبعد ملاحظون أن تؤدي إلى تفكيكها سياسيا بعد الفشل في احتواء عدة أزمات سابقة، حيث بات من الواضح أنه لا يوجد الكثير من الخيارات أمامها، خصوصا مع تتالي الإيقافات في صفوف قياداتها التاريخية من جهة، ومحاولة احتواء الأصوات الداخلية المحتجّة على استئثار “المؤسسين” بالقرار داخل القيادة.
تونس - طرح إيقاف السلطات التونسية لنائب حركة النهضة منذر الونيسي ورئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني بعد فترة ليست بالقصيرة على اعتقال رئيس الحزب راشد الغنوشي، تساؤلات لدى الشارع السياسي في تونس بشأن جدية السلطات في فتح ملف الحركة بشكل رسمي بعد سنوات من سيطرتها في السلطة.
واستدعت هذه الخطوة الحديث عن إمكانية المحاسبة الفعلية للحركة ورموزها، بالموازاة مع تأكيد الرئيس التونسي قيس سعيّد أن النهضة تعتبر المسؤول الأول عن تردي الأوضاع في البلاد منذ سنوات.
وعلى الرغم من إجماع المراقبين على “السقوط المدوّي” للحركة سياسيا، وخروجها من الباب الصغير للمشهد خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، زاد سقف المطالب السياسية والحقوقية بضرورة محاسبة من أغرقوا البلاد في دائرة الأزمات.
ودعت الحركة في بيان نشرته ليل الثلاثاء - الأربعاء إلى “إعلاء سلطة القانون واحترام حقوق الأفراد والتنظيمات السياسية في النشاط والتعبير عن الرأي”.
وتم تعيين الونيسي رئيسا بالنيابة لحزب النهضة في أبريل الماضي، فيما يرأس الهاروني مجلس الشورى، أبرز هيئة تقريرية داخل الحزب، وكان قد شغل منصب وزير النقل في العام 2012 (فترة حكم الترويكا).
والثلاثاء، أوقفت قوات الأمن رئيس الحكومة الأسبق والقيادي السابق في حزب النهضة حمادي الجبالي وحقّقت معه في ملف تعيينات في الإدارة التونسية خلال فترة توليه الرئاسة، ليتم لاحقا إطلاق سراحه وفقا لمحاميه سمير ديلو.
ونفذت السلطات التونسية حملة توقيفات واسعة منذ فبراير الماضي، طالت قيادات من الصف الأول في الحزب ورجال أعمال وناشطين سياسيين. ويُتهم الموقوفون بـ”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
وسبق أن تظاهر المئات من أنصار الرئيس سعيد أمام المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، مطالبين بمحاسبة من شاركوا في تخريب البلاد طيلة العشرية الماضية، في إشارة إلى حزب “حركة النهضة”.
ودعا حراك أطلق على نفسه اسم “حراك 25 يوليو” إلى هذا التحرك الاحتجاجي لمساندة الرئيس سعيد.
وأوضح رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” سرحان الناصري حينها، أن حزبه ساند هذه الوقفة دعما لمسار الخامس والعشرين من يوليو، لافتا إلى أن منظومة ما قبل الخامس والعشرين من يوليو انتهت.
وشهدت تونس بعد 2011، حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي تتهم النهضة باختراقها على نطاق واسع.
وأكد المحلل السياسي المنذر ثابت أن هناك منعطفا هاما في استهداف السلطة للنهضة، وهي تراهن على افتكاك النهضة من الغنوشي باستهدافها أيديولوجيا في علاقة بتزييف الهوية.
وأردف في تصريح لـ”العرب”، “أعتقد أننا دخلنا في مرحلة تفكيك التنظيم العملي والسياسي للحركة”.
وأوضح ثابت “هذه عملية لتطهير الدولة من اختراقات الإخوان بفصل الجسد الاجتماعي للحركة عن القيادة”.
ويرى متابعون أن الحركة تزعم امتلاك قاعدة شعبية وسياسية وازنة، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في السنوات الأخيرة، جعل شعبيتها تتراجع إلى أدنى مستوياتها.
وبعد إجراءات الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، ظلت الحركة تخشى من فتح السلطات لملفات وازنة، وكثيرا ما اعتمدت خطابا مزدوجا يقوم على المناورة والدعوة إلى الحوار والتفاوض، في محاولة لتجنب إجراءات تصعيدية ضدّها.
وباتت النهضة تدرك جيّدا أن الرئيس سعيد جاد في مسار تفكيك منظومة ما بعد 2011، وهي تسعى إلى تجنب الصدام معه لتخفيف خسائرها من حملة تطهير الإدارة.
ويتعزز سيناريو التفكك السياسي والهيكلي للحزب، فبالتزامن مع الدعوات إلى حظر نشاطها، تواجه الحركة موجة من الخلافات الداخلية، تتصاعد فيها الأصوات المعارضة لانعقاد المؤتمر الحادي عشر للحركة خصوصا في ظل غياب القيادات التاريخية.
وأفادت رباب بن لطيّف، عضو الهيئة السياسية في جبة الخلاص الوطني، (مستقيلة من حركة النهضة)، بأن “منذ انقلاب الخامس والعشرين من يوليو والسلطة التونسية تستهدف الأحزاب، خصوصا حركة النهضة، فتم اعتقال رئيسها راشد الغنوشي وأبرز القيادات التاريخية على غرار علي العريّض ومحمد بن سالم، و6 أشخاص آخرين بتهم مختلفة، واليوم نلاحظ سلسلة أخرى من الإيقافات، وهي سلسلة ممنهجة لإضعاف الحياة السياسية ورفض التعددية الحزبية والتجديد”.
وأضافت بن لطيف في تصريح لـ”العرب” أن “السلطة تريد تشويه رموز الحركة وإضعاف الحزب سياسيا وهو المعارض رقم واحد لها”.
وقاد تأخير عقد المؤتمر خلال السنوات الماضية إلى خلافات داخل الحركة بين شق الغنوشي الذي يمسك بمفاتيح الحزب وبين خصومه الذين يطالبون بمؤتمر يفضي إلى قيادة جديدة، خاصة في ظل تفاهمات سابقة أفضت إلى اتفاق يمنع على رئيس الحركة أن يتولى القيادة لأكثر من دورتين متتاليتين.
وهذا ما أكدته رباب بن لطيّف، قائلة إن “المؤتمر يقرر موعده مجلس شورى الحركة، وأعتقد أنه سيستمر العمل عليه”، لافتة إلى أنه “إلى حدّ الآن لم يتم تحديد الأسماء، لكن في اعتقادي الحركة تحتاج إلى ضخّ دماء جديدة”.
وقال عبدالفتّاح الطاغوتي، القيادي بالحركة والمسؤول بمكتب الإعلام فيها، في تدوينة نشرها بصفحته على فيسبوك إن “ما يحدث هو وبكل بساطة محاولة من سلطة غارقة في الأزمات لضرب المعارضة وإضعافها، من خلال ضرب وحدة حركة النهضة وشل قيادتها وتعطيل مؤتمرها الحادي عشر وخلق فتنة بين أبنائها عبر محاولة تشويهها ورميها بالفساد أمام الرأي العام”.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، تسريبا لتسجيل صوتي منسوب للونيسي يتحدث فيه عن صراعات بين القيادات داخل الحزب قبل المؤتمر العام للحركة الذي يفترض أن يبدأ العمل على تنظيمه.
وفتحت النيابة العامة الاثنين تحقيقا في التسجيلات، وقال الونيسي في مقطع فيديو على صفحته على فيسبوك إن التسجيلات مفبركة.
وعلّق القيادي بحركة النهضة بلقاسم حسن الاثنين الماضي، على مسألة التسريبات المتداولة للونيسي، وقال في مقابلة له على إذاعة “ديوان” المحلية، “سمعنا عن التسريبات منذ مدة وسبق أن أنكر الونيسي ما ورد فيها وأكد أنها تسجيلات مفبركة”، معقبا “نحن نصدّق الونيسي ولدينا ثقة في ما يقوله، وإن ثبت عكس ذلك فلا دخل لنا في الشأن القضائي ولا في التحقيقات”.