هل أصبحت حماس في قبضة الصقور

في ضوء ما جرى خلال الأيام الماضية حول ما تم تداوله عن من يخلف إسماعيل هنية، لقد ثبت البعيد، وتم تعيين يحيى السنوار خلفًا له. فهو يعد من الصقور، ويصنف كل من خالد مشعل وإسماعيل هنية من الحمائم. اسم مشعل كان مطروحًا وبقوة لخلافة هنية الذي تم اغتياله في طهران قبل حوالي أسبوع، ولكن حسابات حماس الداخلية والخارجية حالت دون ذلك، فأصبح يحيى السنوار هو الرئيس الفعلي للمكتب السياسي لحماس.
بهذا تكون قيادة حماس السياسية والعسكرية على حد سواء تحت الأرض، وقرارات الحركة السياسية والعسكرية تخرج من القطاع، ويبقى أعضاء المكتب السياسي في الخارج خارج إطار التغطية بشكل جزئي. السنوار الذي تتهمه إسرائيل بأنه من خطط لما جرى في 7 أكتوبر مطلوب رقم واحد لإسرائيل، حتى في حال وضعت الحرب أوزارها سيبقى يحيى السنوار عرضة للاغتيال من قبل إسرائيل ومطاردا من قبلها، وهذا بحد ذاته معضلة تواجه أعضاء المكتب السياسي حيث يصبح التواصل والتشاور أصعب، بل يكاد يكون مستحيلا.
وما يستنتج من ذلك، على صعيد إدارة ملف المفاوضات مع إسرائيل، أولًا ملف الصفقة، وهذا ما يتداوله المحللون. قد يكون السؤال الأولى بالطرح هنا هو: كيف يكون شكل التفاوض في ظل اغتيال هنية الذي خلط اغتياله الأوراق؟ لقد أبعد أمل الوصول إلى اتفاق في المدى المنظور. إذن نحن أمام صلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعدم قبوله بأي صفقة في الوقت الراهن. وموقف الحركة، أي موقف رئيس المكتب السياسي لحماس الحالي الذي يصر على البقاء في حكم غزة، ومحاولته رفض كل الحلول المطروحة عربيًا ودوليًا.
هنالك نقطة التقاء بين السنوار وإسرائيل، كلاهما يحاول قدر الإمكان إبعاد السلطة الوطنية الفلسطينية عن إدارة غزة. وبالتالي، نتنياهو له أجندة في غزة أهمها السيطرة على محور فيلادلفيا مهما كلف الأمر، وتقطيع غزة إلى كانتونات كما فعل في الضفة الغربية، لتسهل سيطرته عليها. هذا ما يريده نتنياهو تمامًا. في المقابل، تريد حركة حماس والمتمثلة بالسنوار خروج الاحتلال من كل قطاع غزة كمقدمة لهدنة طويلة الأمد، وهذا بحد ذاته عقبة كؤود في طريق تحقيق وقف لإطلاق النار.
إذا لم يتنازل السنوار عن حكم غزة سيبقى الحصار مفروضًا عليها إلى إشعار آخر. في غزة مأساة إنسانية، جوع، ودمار، شعب يعيش أحلك الظروف
وفقًا لهذا السياق، يبدو أن لطهران دورًا في اختيار السنوار كرئيس للمكتب السياسي. وقد رفض السنوار في وقت سابق أن يكون مشعل رئيسًا مؤقتًا لمكتب الحركة بحجة فتور العلاقة بينه وبين إيران وسوريا، وهذا ما بيناه في مقالة سابقة. فالرئيس الجديد لحماس يتطلع إلى ترميم العلاقة مع سوريا وإعادة العلاقات كما كانت قبل الثورة على الأسد، وأن تكون سوريا ضمن الخيارات لنقل مكاتب الحركة إليها، إلى جانب الخيار الثاني وهو الجزائر.
ما يعمل عليه السنوار بعد تسلم قيادة الحركة هو تمتين العلاقات أكثر مع إيران وإعادة العلاقات كما كانت مع سوريا، مع السعي لتبقى قطر دولة مساندة لحماس. ما يجول في عقل السنوار هو أن يتطلع إلى إقامة علاقات خارجية خصوصًا في العالم العربي، فنجاح الحركة يعتمد على عمقها الإستراتيجي، وكسب المزيد من الأصدقاء والداعمين لها سياسيًا وعسكريًا وماليًا، وخصوصًا أن الحركة استنزفت كثيرًا في الحرب الأخيرة من مواردها المالية.
أما في ما يخص إعمار غزة، ونحن نتكلم عن مرحلة لاحقة، يبدو أن السنوار سيتسيد الحركة لفترة طويلة، بسبب الدعم غير المحدود من الجناح السياسي والعسكري في حماس. فإعمار غزة يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، يعني ذلك دعما خليجيا سخيا. وفي حال تم ذلك، هنالك شروط يجب أن تفرض على حماس بنكهتها السنوارية. دول الخليج قاطبة مع توجه العرب والولايات المتحدة الذي ينادي بتسلم السلطة الوطنية إدارة القطاع واستبعاد حماس، وهذا شرط لتدفق الأموال لإعمار القطاع. فإذا كان السنوار يريد التعويل على إيران لإعمار القطاع فهذا صعب، لأن طهران ليس بمقدورها إعمار غزة وحدها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى المعروف عن الإيرانيين أنهم لا يساهمون بدولار واحد لدعم الغزيين على صعيد الإعمار وتحسين ظروف المعيشة هناك.
ضمن سياق ما سبق، ليس الموضوع هو تعيين السنوار خلفًا لهنية في هذه المرحلة بالذات. مشعل مثلًا منفتح على العالم الخارجي، خصوصًا بعض الدول العربية، وأفكاره تلقى قبولًا عندهم. فاليوم التالي الذي يعول عليه 2.3 مليون غزي هو إعادة بناء بيوتهم، وبناء المدارس، والمستشفيات التي دمرت، وتوفير المأكل والملبس، وتطبيب الجرحى. فإذا لم يتنازل السنوار عن حكم غزة سيبقى الحصار مفروضًا عليها إلى إشعار آخر. في غزة مأساة إنسانية، جوع، ودمار، شعب يعيش أحلك الظروف، وهو يتطلع إلى غد مشرق، يحمل في طياته الكثير من السرور، ويخرجه من الظلمات إلى النور.