هكذا أنعش الوباء مطالب إصلاح الحكم في الأردن

الأردن لم يقطع خطوة حقيقية واحدة باتجاه الإصلاح السياسي المنشود ولا تزال البرلمانات قاصرة عن أداء دورها والأحزاب غائبة أو مغيبة والقوانين الناظمة للحياة السياسية والحريات العامة مغلفة بوعود التغيير.
الاثنين 2021/03/22
الأردن يعيش حالة مركبة من الإحباط العام

ما كان للاستياء الاجتماعي الكامن أن ينفلت من رباطه رغم مخاطر الوباء والعقوبات إلا حين وضع الأردنيون أيديهم على أصل المشكلة واستعادوا مطالب الإصلاح والمشاركة السياسية، فلم يعودوا يكترثون لتشكيل حكومة أو تغيير وزراء.

الحكومة التي تمسك الآن بأعناق الناس وأرزاقهم بكل ما أوتيت من “أوامر دفاع” أخفقت وارتبكت في إدارة الوباء. وعدّلت وبدّلت من الوزراء للاسترضاء وأحيانا الاستعراض، كما لم تفعل أي حكومة من قبل.

البلد يعيش حالة مركبة من الإحباط العام إزاء التفشي الوبائي الذي وصل إلى مرتفعات قياسية والتداعيات الاقتصادية الثقيلة على المستوى الكلي وعلى مستوى المالية العامة ذات العجز الكبير المزمن والمديونية الفائقة، إلى جانب الأفراد الذين خسروا دخولهم أو تراجعت، أو ازدادت عليهم الأعباء بسبب سياسات الحظر والإغلاق.

كل هذه الكآبة ظلت تستمد قوتها وانتشارها من الارتباك الحكومي المستمر في التعامل مع الوباء والتلكؤ في توفير اللقاح وما أفضى إليه كل هذا من تغييرات وزارية متلاحقة وعجيبة.

عادت الاحتجاجات أخيرا إلى الشارع. وبعد سلسلة إقالات واستقالات وتعديلات وزارية، أعفى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزير الصحة من منصبه مع وفاة تسعة من مرضى كورونا بسبب نقص الأكسجين. وتابع الملك عبدالله الثاني بنفسه ملابسات الحادثة في مستشفى السلط الحكومي وطلب التنحي من أي مسؤول غير قادر على أداء عمله.

هذا المشهد يعيد إلى الأذهان آخر مظاهرات كبيرة شهدتها المملكة قبل نحو ثلاث سنوات حين أقال العاهل الأردني حكومة هاني الملقي وكان ذلك كفيلا إلى حد بعيد بتهدئة الحركة الاحتجاجية وعودة الناس إلى بيوتهم. وصرح الملك عبدالله الثاني آنذاك أنه “اضطر” أن يقوم شخصيا بعمل الحكومة. كما طلب يومها تنحية أي مسؤول لا يستطيع ممارسة مهامه بكفاءة.

الآن لا ضمانات بأن تجدي نفس مسكنات 2018 في تهدئة الغضب الشعبي حتى لو أقيلت الحكومة، أي حكومة.

وليس من المجدي أيضا التعويل في كل مرة على ما يسميه الإعلام الرسمي “الانسجام بين الشعب والقائد”، فإذا غضب الشعب غضب الملك عبدالله الثاني وأقال الحكومة أو أعفى وزراء من مناصبهم. وهو الذي كتب قبل سنوات في سلسلة “أوراق نقاشية” عن المشاركة السياسية “بالتدريج” وصولا إلى تشكيل الحكومات المنتخبة.

لكن الأردن لم يقطع خطوة حقيقية واحدة باتجاه الإصلاح السياسي المنشود ولا تزال البرلمانات قاصرة عن أداء دورها خصوصا في الرقابة على الحكومة، والأحزاب غائبة أو مغيبة، والقوانين الناظمة للحياة السياسية والحريات العامة مغلفة بوعود التغيير الايجابي ومركونة على أبعد رف.

Thumbnail

من سوء حظ حكومة بشر الخصاونة أن هذا المشهد تكثف بشدة في عهدها القصير حتى الآن منذ تشكيلها في أكتوبر ثم استقالة وزير الداخلية في نوفمبر. وبعد أشهر أقيل وزيرا الداخلية والعدل، وذلك قبل أسبوع من تعديل حكومي شمل عشرة وزراء، منهم وزير استقال بعد ساعات من أداء اليمين القانونية أمام الملك عبدالله الثاني الذي أقال أخيرا وزير الصحة بسبب حادثة مستشفى السلط.

وباستثناء رئيس الحكومة، فإن أعضاء الفريق الوزاري الذي تشكل قبل خمسة أشهر تغيروا الآن بصفة شبه كلية، كما لو أن حكومة تشكلت من جديد ولم تُعدل. وطبعا في المحصلة النهائية لا يوجد فرق.

حادثة مستشفى السلط، وإن كشفت ملابساتها عن المدى الذي وصل إليه الإهمال أو التسيب في الإدارة المتوسطة داخل الوزارة المسؤولة مباشرة عن مكافحة كوفيد – 19، فإنها تراكمت على إخفاقات الحكومة في المستوى القيادي المتقدم، خصوصا مع كثرة تغيير الوزراء الأساسيين القائمين على جهود احتواء الوباء.

نالت الحادثة المميتة من ثقة الناس بالحكومات عموما وذكّرت بسلسلة من الارتجالات والقرارات الحكومية غير المفهومة أو غير المبررة أو المتناقضة لاحتواء الوباء.

لماذا لا تزال البلد تدار بقانون يسري زمن الحروب ويمنح الحكومة صلاحيات استثنائية لم تستثمرها في صناعة فرق على صعيد مكافحة الوباء، لكنها استخدمتها بوضوح في التضييق على الحريات واعتقال الناشطين ومنع التظاهر تحت طائلة الحبس والغرامة؟

لماذا أجريت الانتخابات النيابية من أساسها في مرحلة حرجة من تفشي الوباء رغم أن الحكومة ظلت تهدد وتتوعد بالعقوبات أي تجمع صغير من الأشخاص وكانت النتيجة مشاركة أقل من ثلث الناخبين ونسخة جديدة عن البرلمانات التقليدية السابقة التي تبدو معزولة تحت القبة ومثار انتقادات أحيانا وسخرية أحيانا كثيرة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل؟

لا إضافة يقدمها البرلمان إلى الحياة السياسية منذ سنوات طويلة، ولا يُنتظر منه هذا الدور في ظل البيئة التشريعية القائمة على قوانين قاصرة عن مواكبة أي إصلاح سياسي يفضي إلى مشاركة حقيقية في صنع القرار.

الحكومة تقوم وتتعثر أمام المد الوبائي وتبدو مثل البرلمان منعزلة أيضا عن الناس الذين تسيطر على حياتهم اليومية بقرارات منع التجول والإغلاق والحظر. الناس شعروا بأن عليهم أن يفعلوا شيئا، فاندلعت الاحتجاجات.

حركة الاحتجاج هذه المرة لا تطالب بتغيير الحكومة أو الوزراء، بقدر ما تضغط باتجاه البدء بإصلاح سياسي، ومشاركة فعلية في الحكم تضع حدا لهذا العرف المستقر في المملكة والذي لم يمنح أي حكومة فرصة للاستقرار.

8