هدايا تذكارية وجزية

“نحن مسلمون وعلينا التضامن وأن نساعد بعضنا البعض”، عبارة رمى بها في وجهي أحد أصحاب محلات بيع الهدايا التقليدية، في إحدى المدن السياحية العربية، لمنعي من التدخل لتعديل السعر الذي يطلبه من صديقتي الإيطالية التي دخلت لاستكشاف محتويات المحل، فاصطادها البائع.
لحية عشوائية من دون ترتيب وطبعة “الإيمان” على جبين الرجل وإطار به بضع آيات قرآنية معلقة على الحائط، تبدو مناسبة لاصطياد السياح العرب، والاحتيال على المرشدين السياحيين ورشوتهم لعدم التدخل في العملية التي تُسمى زورا بالتجارة، وهي أشبه بعملية احتيال لبيع أي قطعة بأضعاف مضاعفة بحجة كساد السوق وأن فايروس كورونا قضى على الموسم السياحي.
مواهب باعة الهدايا التذكارية والتحف التقليدية في المناطق السياحية تتعدى الجمل المزخرفة والاستعراض البهلواني لقطع صينية المصدر على أنها بضاعة محلية الصنع بأياد وطنية ماهرة، إذ يتقن بعضهم عدة لغات ينتقون منها جملا بعناية فائقة “لزوم المصلحة”، لإقناع السائح الضحية بقيمة القطعة التي قد يكون ألقى نظرة عابرة عليها فوقع في فخها كما هو حال صديقتي.
يمتلك هؤلاء مهارة في قراءة لغة الجسد ومعرفة السائح الخبير في المنطقة من ذلك الذي يزورها لأول مرة ويبدو معجبا بها، حتى لو كان هذا السائح يمتلك من الفطنة والذكاء ما يكفي للتظاهر بأنه يعرف المنطقة جيدا.
ظاهرة الاحتيال والنصب على السياح موجودة في كل أنحاء العالم وليست حكرا على الدول العربية من روما إلى برشلونة وبراغ وبانكوك وإسطنبول ومراكش وتونس، بطرق متعددة وأساليب متنوعة، وبات بعض السياح يضعون ميزانية إضافية تحسبا لمثل هذه الحالات، بعد أن وقعوا في مواقف حرجة وأزمات بسبب تفاقم هذه الظاهرة أثناء رحلاتهم، لكن الاحتيال باسم الدين كان الأكثر إزعاجا وإهانة بالنسبة لي.
نجح البائع “المؤمن” في إقناع صديقتي السائحة بجمال القطعة المضروبة على الأغلب التي لا يوجد لها مثيل وعرض ثمنا يفوق قيمتها بعشرين ضعفا، وأنا لا زلت تحت تأثير عبارة “التعاون الإسلامي” التي مثلت لأحد تجار الدين رمزا للسرقة والاحتيال والإساءة لمن يخالفنا الدين. أخرجت صديقتي محفظتها لتدفع ثمنها نقدا، حينها أفقت من تأثير صدمة “التعاون الإسلامي” ومددت يدي لأخذ القطعة من يد صديقتي وإعادتها مكانها وسحبها جرا خارج المحل. خيل لي أنه قد يحولها إلى جارية تحت يافطة التعاون الإسلامي.
بدت الحادثة رغم تفاهتها عميقة جدا في التعبير عن تجارة الدين في زمن كورونا ليس أخطرها على كل حال باعة المناطق السياحية، الذين خسروا الموسم السياحي بتأثير الوباء.