هالة خليل: أن تكون بطلة الفيلم امرأة أمر يخيف المنتجين

المخرجة المصرية ترى أن سعادتها في الكتابة تفوق سعادتها في الإخراج، لأن الكتابة تحتاج إلى الصفاء ولنوع من الوحدة.
الأحد 2021/08/22
الأفلام تترجم نظرتي الشخصية للعالم

برعت المخرجة المصرية هالة خليل في كتابة الأعمال السينمائية كما برعت في إخراجها لأفلامها مثل “نوراه” و”قص ولزق” وحتى فيلم “أحلى الأوقات” الذي أثارت من خلاله جدلا واسعا، وكتب عنها النقاد بالإضافة إلى حصولها على جوائز عدة رسخت تجربتها في عالم السينما والدراما مخرجة وكاتبة، وآخر تجارب خليل في الدراما التلفزيونية كان مسلسل “بالحجم العائلي” مع الفنان يحيى الفخراني. “العرب” التقت هالة خليل أثناء عضويتها في مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة والتسجيلية وأجرت معها هذا الحوار.

* نبدأ معك من مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة والتسجيلية الذي تشاركين فيه كعضو في لجنة التحكيم، هل وجودك كمخرجه تشارك بفيلمها أصعب أم كعضو في لجنة التحكيم؟

• لا توجد صعوبة بل هناك متعة في الحالتين على الرغم من اختلاف المتعتين، فعندما أكون في لجنة التحكيم أتابع أفلاما تم الاتفاق على أنها صالحة للتنافس من ضمن مجموعة من الأفلام التي قدمت للمهرجان، مما يعني متعة الفرجة، بالإضافة إلى أنني أثناء التحكيم أتعرف على سينمائيين وأحتك باتجاهات وتكوينات ثقافية مختلفة، كل ذلك أثناء تحليلهم ونقدهم وتقييمهم للأفلام.

أما في حال كنت مشاركة بفيلم ضمن المهرجان، فإنني ومن طبيعتي لا أنتظر الجائزة لأن مسألة الفوز تخضع لذوق أغلبية أعضاء لجنة التحكيم، وإنما أعتبر مجرد اختيار الفيلم للمشاركة في المسابقة هو المكسب، وأكون سعيدة لأنه سيشاهد من قبل سينمائيين وجمهور ونقاد وزملاء وأساتذة وستتم مناقشته معي وهذا لوحده نوع من المتعة لأنني سأعرف ردة فعل الجمهور بشكل حي ومباشر، الصعوبةالحقيقية تكمن في مرحلة الإبداع أي مرحلة صناعة الفيلم وإخراجه للنور.

سينما المؤلف

الكتابة تحتاج للصفاء ونوع من الوحدة الجميلة

* أفلامك السينمائية رغم أنها قليلة إلا أنها شكلت علامة فارقة في السينما العربية وليس فقط المصرية، لكن أغلبها ينتمي لسينما المؤلف، هل السبب في ذلك أنك لم تجدي النصوص المناسبة من حيث المضمون والفكرة، أم لديك أسباب أخرى؟

• أنا لم أبدأ بسينما المؤلف، ولكنني اكتشفت أثناء عملي أنني أنتمي لسينما المؤلف، رغم أن مشروع تخرجي من معهد السينما كان من كتابتي، لكني كنت أرى نفسي مخرجة بشكل منفصل عن الكتابة، ولم أكن أعرف حتى إلى أي نوع من المخرجين أنتمي.

في فيلمي الأول “أحلى الأوقات” كانت القصة في رأسي شبه مكتملة ولكني ذهبت للسيناريست المميزة وسام سليمان وطلبت منها كتابتها كسيناريو، وجلسنا سويا إلى أن خرج الفيلم للنور بعد أن كتبته بطريقة جميلة وشديدة الرقة.

 وعندما بدأت بتحضير فيلمي الثاني “قص ولزق” ذهبت إلى سيناريست صديقتي ومن دفعتي زينب عزيز وطلبت منها كتابته كسيناريو، وبعد أن أخبرتها بتفاصيله، سألتني عن المطلوب منها واستغربت أنها طلبت مني أن أكتبه بنفسي لأنني كنت بالفعل أقرؤه عليها كسيناريو ولم يكن متبقيا سوى تدوينه على الورق كما أخبرتني زينب، ولقد كان الأمر كذلك وظهر سيناريو “قص ولزق” كاملا من كتابتي، ونلت عنه عدة جوائز في الكتابة ومنحني الكثير من الثقة لتحويل الأفكار من عقلي إلى سيناريوهات.

اكتشفت أثناء كتابتي لهذا السيناريو أنني كنت مستمتعة بشكل كبير، وشعرت أن سعادتي في الكتابة تفوق سعادتي في الإخراج، لأن الكتابة تحتاج للصفاء ونوع من الوحدة الجميلة على عكس الإخراج واللوكشن والمجاميع والعمل الجماعي، وخصوصا أنني شخص يحب أن يبقى لوحده ولا يفضل الازدحام والمشاكل، وأصبحت ما أن أنهي تصوير فيلم حتى تولد لدي فكرة فيلم جديد.

وهذا هو السبب في أن أعمالي كمخرجة قليلة بينما سيناريوهاتي أكثر، ومشكلتي في الحصول على منتج لتلك السيناريوهات، فمسألة المخرج المؤلف وضعتني في مصاف الأديبات، حيث أبطال الأدب النسائي في معظمهن نساء وهو ما حصل معي صدفة وعن غير عمد، وكأن الشخص الذي يروي الحكاية يرويها من خلال عين امرأة فأصبحت الأفلام تترجم نظرتي الشخصية للعالم، الأمر الذي جعل بطلتي دائما امرأة، وهو أمر يخيف المنتجين على اعتبار أن الأبطال من الرجال مضموني الربح.

وتتابع “ورغم أنني أؤكد على أن صحيح بطلاتي من النساء إلا أن القضايا التي تطرحها أفلامي ليست كلها نسوية، قد يكون الباعث للعمل موضوعا شخصيا يهمنيا، ففي فيلم ‘أحلى الأوقات’ على سبيل المثال يمثلني في طفولتي حين انتقلت من حي إلى حي، وفقدت مع هذا الانتقال صديقات الطفولة، وكان خيالي باستمرار يفكر بهن وبأحوالهن وكنت أقول لماذا لا أتخيل اللقاء الذي سيجمعني بهن مرة أخرى، فكتبت فكرة ‘أحلى الأوقات’ كلقاء بديل لما كنت أتخيله وأتمناه مع صديقاتي.

أحداث الفيلم تدور حول عنوسة الشباب والأزمة الاقتصادية وعلاقتها بالمشاعر والحب

أما فيلم ‘قص ولزق’ فجاءت فكرته من حادثة حصلت معي وأنا في الـ21 من عمري حين علمت  بموضوع الهجرة لنيوزيلاندا والاستمارة والنقاط المطلوبة والصعب جدا تحقيقها، وفشلت حينها في الهجرة بينما نجح آخرون.

أحداث الفيلم كانت تدور حول عنوسة الشباب والأزمة الاقتصادية وعلاقتها بالمشاعر والحب، كما أن فيلم ‘نوارة’ له علاقة بعلاقتي الشخصية  بالثورة ووجودي في الميدان لمدة 18 يوما  وتعرضي لانكسارات، وكان هذا الموضوع مؤثرا ومسيطرا جدا لدرجة لم أستطع معها التفكير في أي مشروع آخر، فأردت أن أكتب عملا عن الثورة وعن رغبتي في تحقيق العدالة الاجتماعية التي لطالما أزعجتني على الرغم من أنها غير محققة في أي مكان من الكرة الأرضية.

وأردت أن أتناول الثورة من زاوية الفقراء بمعنى ماذا صنعت الثورة في أحلام الفقراء وكيف دغدغت عقولهم وما هو الثمن الذي دفعه الفقراء، واليوم لدي العديد من السيناريوهات والقصص التي كتبتها ولكنها لم تخرج للنور بسبب الإنتاج”.

* تعقيبا على كلامك منذ أيام كنا في سينمار مع المخرجة الهولندية تريزا آنا وهي تقدم أفلامها أيضا في إطار سينما المؤلف، وكانت تؤكد على أن بذرة الفيلم الأساسية تبدأ منها وبعد ذلك تتابع البحث عن التفاصيل، وكانت تتحدث عن صعوبة إيجاد تمويل لأفلامها، بالنسبة إليك وبعيدا عن فيلم “نوارة” الذي كتبتيه نتيجة تداعيات الثورة عليك ورغبتك في تحقيق المسؤولية الاجتماعية الخوض في حياة الفقراء كيف استطعت التوغل بها والوصول لتفاصيلها؟

• بداية علاقتي بالشارع ليست قوية وأعتبر هذا الأمر نقصا في شخصيتي كمؤلفة ومخرجة، لأنني منذ طفولتي تربيت على الخوف منه، ولو عاد بي الزمن سأقوم بإلغاء خوفي من الشارع، ولكن خبرتي بالفقراء توصلت لها من خلال الكتب والقراءة بالإضافة إلى أنني أملك عينا فاحصة للتفاصيل أتوقف كثيرا عندها وأتأمل فيها، أنا من أسرة متوسطة وهذا يعتبر ميزة لأن هذه الطبقة قريبة من الأسر ذات الطبقة الفقيرة والغنية وهذا يؤمن لي إحساسا أو عينا أو علاقة ما على الطبقتين.

في فيلم “قص ولزق” الشخصية تنتمي لطبقة وسطى تشبه طبقتي، ولكن “نوارة” كانت من طبقة بعيدة وما أفادني حينها أنني في تلك الفترة وربما الباعث الحقيقي لكتابة قصة تلك الخادمة التي تركت بمفردها مع كلب الحراسة في ذلك المجمع السكني الراقي بينما هرب أصحابه، أنني كنت قد انتقلت فعليا للسكن قبل الثورة بأيام للعيش ضمن “كامباوند” حيث يتجسد بصريا الظلم الاجتماعي فهناك مجموعة من العمالة الكبيرة جدا ما بين الخدم والمزارعين والسائقين ورعاة الأطفال، وهناك “اتوبيس” نقل لتلك العمالة يوميا من البوابة إلى أبواب الفلل، والأهم من ذلك أن هؤلاء العمال يعيش كل منهم شاهدا على بذخ كبير جدا يتمثل مثلا بكمية كبيرة من اللحوم تقدم للكلاب المسؤولين بأنفسهم عنها من حيث الرعاية والإطعام بينما بالمقابل لا يمتلكون المال لإطعام عائلاتهم اللحمة مرة في الشهر أو في الأسبوع.

هالة خليل تعتبر أحمد زكي ويحيى الفخراني موهبتان استثنائيتان

 وجودي في تلك الفترة داخل “الكامبوند” جعلني شاهدة على الطبقتين الغنية والفقيرة التي تنتمي لها نوارة، ولكن بالنسبة إلى حياتها داخل الأحياء الفقيرة التي لا يوجد فيها ماء كانت تحتاج مني لمعايشتها.

الأدب والخماسيات

* تحدثت سابقا عن وجود العديد من السيناريوهات التي قمت بكتابتها ولكنها لم تظهر للنور، ألا تفكرين بتحويلها لروايات أو قصص طويلة وخاصة أنك تمتلكين أدوات الكاتبة الروائية؟

• فكرت كثيرا بهذا الأمر، وخاصة كلما تأخرت في إخراج عمل للنور، فالعمل إذا كتب ولم يخرج للمتلقي يشعرني بالإحباط، لكنني مؤجلة ذلك الأمر لفترة التقاعد أو الفترة التي لا يمكنني فيها الإخراج لأسباب صحية أو لظروف ما، وستكون أفضل أيام حياتي حين سأطبع تلك الروايات، لدي اليوم مشروعان روائيان الأول عن والدي وأفكر أن أبدأ فيه، عموما التفكير في السيناريو يختلف عن التفكير في الأدب فلكل منهما لغته الخاصة، لذلك عندما تولد أفكار في عقلي للرواية لا تكون مناسبة لفيلم سينمائي، وحين أفكر بالكتابة لفيلم سينمائي تولد الكتابة بطريقة مختلفة، لكن هذا لا يمنعني من تحويل فكرة الى رواية أو سيناريو في حال وجد المحفز.

* فيلمك “أحلى الأوقات”، ورغم أنه يطرح قضية هامة جدا ويحمل نفسا تشويقيا، إلا أنه يعتبر فيلما طويلا إلى حد، فكيف استطعت إقناع المنتج لتنفيذه، ولماذا لم تفكري بتقديمه كعمل تلفزيوني درامي من عدة حلقات كالخماسيات على سبيل المثال؟

• بداية العمل لم يكن مكلفا إنتاجيا، تكلفته كانت منطقية جدا حتى لو أوحى بعكس ذلك، حين أخرجته لم يكن هناك ما يسمى بالخماسية، كانت هناك فقط أفلام سينمائية أو أعمال درامية من 30 حلقة، وأنا بطبعي أميل للسينما، ولكن حتى لو كان هذا الأمر متوفرا حينها فأنا لم أكن لأفضل أن أقدمه في حلقات متسلسلة، لأنني نادرا ما أجد قصة تستحق أن تحكى في مدة زمنية تتجاوز الساعتين أو الثلاث.

لقد سبق لنا وأن شاهدنا أعمالا كثيرة بتلك المدة الزمنية منها ملاحم تاريخية عبرت عن العشرات والمئات من السينين، السينما فن الاختزال والتجسيد والإيهام وفن السرد والحكي وأجمل ما في السينما حصولنا على جرعه كبيرة مثل فيلم سيرة غاندي على سبيل المثال التي شاهدناها في أقل من ثلاث ساعات أما المسلسلات الدرامية فلديها نوع مختلف من التلقي.

العمل في الدراما

"أحلى الأوقات" من العلامات الفارقة في تاريخ السينما العربية
"أحلى الأوقات" من العلامات الفارقة في تاريخ السينما العربية

* بدأت مشوارك الفني بالدراما التلفزيونية وعدت مؤخرا لها مع مسلسل للفنان الكبير يحيى الفخراني بعنوان “بالحجم العائلي” هل السبب في هذه العودة أن السوق اليوم متجه للدراما التلفزيونية وخاصة مع وجود الفضائيات والمنصات وغيرها؟

• بداياتي لم تكن في الدراما التلفزيونية، فأول عمل بدأت به كان فيلما سينمائيا في العام 1997 بعنوان “طيري يا طيارة”، وكان حظه جميلا وقدمني للوسط السينمائي لأنه شوهد بشكل كبير وكتب عنه النقاد وحصل على جوائز كثيرة، وكان هذا الفيلم المساعد الحقيقي لي لأخرج فيلم “أحلى الأوقات”، لكنني حقيقة بعد فيلمي الأول كتبت سيناريو لفيلم بعنوان “صيد القمر” مع الصديقة جيهان شعبان، ولأن بطلته فتاة لم يحصل على إنتاج رغم أهمية السيناريو، فأحبطت وخاصة أن ذلك السيناريو قد استغرقني كثيرا.

تزامنت تلك الفترة مع وجود منتج يريد أن يقدم لأول مرة في مصر تجرية “الست كوم” مسلسل شباب أون لاين وعرض علي إخراجه، لم أكن راغبة في العمل التلفزيوني، ولكنني فكرت أنه من الممكن أن تكون تجربة مهمة، خاصة وأن المنتج كان يفكر في الموضوع بشكل جاد جدا، وكان قد أحضر معه كتبا عديدة من الولايات المتحدة حول طريقة كتابة تلك الأعمال وطريقة تمثيلها وإخراجها والديكور إلخ، فوجدته عملا جذابا وأنشأنا حينها ورشة للكتاب ضمت أكثر من 70 في المئة من السيناريست الكبار حاليا.

هذا العمل أشعرني بالخوف والاعتقاد أنني ربما لاحقا لن أعمل في السينما ولن أخرج أفلاما، وأنا عشقي للسينما جنوني، ذلك الخوف دفعني لكتابة سيناريو جديد، وكان فيلم “أحلى الأوقات” مع وسام سليمان، كنت أخرج من استديو التصوير أو ورش الكتابة ولا أعود لمنزلي إلا بعد لقائها للعمل على الفيلم رغم أنه لم يكن لدينا إنتاج، لكنني كنت أخاف من أن تنحرف بوصلتي، وبعد ثلاث سنوات كنت قد أنهيت الست كوم وأنهيت معه كتابة السيناريو فتوجهت للدكتور محمد العدل الذي قرر أن ينتج الفيلم، وعندها تحديدا قررت التوقف عن العمل في جزء جديد من شباب أون لاين.

خبرة المخرجة بشخصياتها تتوصل إليها من خلال الكتب والقراءة بالإضافة إلى أنها تملك عينا فاحصة للتفاصيل

 أما بالنسبة إلى مسلسل “بالحجم العائلي” فأيضا جاء بعد عدة تعثرات إنتاجية حصلت لي في أفلامي، وكنت في تلك الفترة حزينة جدا على وفاة أحمد زكي الذي لم تسمح لي الفرصة بالعمل معه، وكنت أتمنى في الوقت عينه أن أعمل مع الدكتور يحيى الفخراني ولطالما اعتبرت زكي والفخراني موهبتين استثنائيتين.

ورغم أنه حين يعرض علي أي عمل درامي رمضاني من 30 حلقة أقرأه ويعجبني يكون شرطي الأساسي تأجيله لمدة عام إذا كان ذلك ممكنا لأكون مرتاحة في العمل، إلا أنه حين عرض علي العمل مع الفنان الفخراني وافقت دون شروط وحتى قبل أن أقرأ السيناريو ولا حتى أن أعرف الأجر، كان هدفي الأساسي هو العمل مع الفنان العظيم الفخراني، ولكن ما إن انتهيت من المسلسل عدت مرة أخرى لورق السيناريو الجديد ولكن هذه المرأة بإصرار كبير على إيجاد منتج له.

11