هالاند عملاق يخطف الأضواء من نجوم أوروبا

تتميّز البطولات الكبرى بكونها تفتح المجال أمام بروز مواهب صاعدة ونجوم يراودهم حلم التألق وتدوين أسمائهم، وهو حال اللاعب الشاب النرويجي إيرلينغ هالاند الذي شدّ إليه أنظار العالم بعد تألقه اللافت مع فريقه بوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا بإمضائه على ثنائية تاريخية أعلن بواسطتها عن قدوم موهبة جديدة مهمتها صناعة الأهداف.
برلين – تابع المهاجم النرويجي إيرلينغ هالاند هوايته في تحطيم الأرقام القياسية وتمكن من خطف الأضواء من جميع اللاعبين اليافعين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة مع الأندية المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا.
ونجح الفتى النرويجي (19 عاما) في إضافة ضحية جديدة إلى قائمة ضحاياه بعدما سجل هدفي الفوز لفريقه دورتموند في مرمى باريس سان جرمان، الثلاثاء الماضي، ضمن ذهاب دور الـ16، ليكتب تاريخا بأهدافه الجديدة عبر مجموعة من الأرقام القياسية.
ويصفه البعض بـ”اللاعب الظاهرة”، فيما يقول عنه آخرون إنه نجم استثنائي سيشدّ الأنظار إليه في أوروبا طيلة المواسم القادمة، بينما يرى آخرون أن حاسته التهديفية ستقوده إلى العالمية. كل هذه التوصيفات وغيرها باتت معلقة على النجم الوافد على الفريق الألماني لتضعه ضمن تصنيف خاص لجهة الأرقام التي يحققها والمستوى اللافت الذي يقدمه في كل مباراة يخوضها.
ولم تكن أغلبية جماهير دورتموند تتوقع أن هالاند القادم في فترة الانتقالات الشتوية بصفقة قيمتها 32 مليون يورو تقريبا، سيدخل ليس فقط تاريخ فريقهم بل تاريخ الكرة الألمانية برمتها بهذه السرعة الفائقة.
أرقام مميزة
دخل الشاب النرويجي تاريخ النادي الألماني من أوسع أبوابه بعدما بات أول لاعب يسجل في مباراته الأولى مع الفريق في كل المسابقات تقريبا بينها الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا.
كما أصبح النجم السابق لفريق رد بول سالزبورغ النمساوي أسرع لاعب يسجل 12 هدفا في أولى ثماني مباريات يخوضها، وهو رقم لم يحققه أي لاعب من قبل. ورفع هالاند رصيده من الأهداف هذا الموسم إلى 38 هدفا من بينها 6 ثلاثيات “هاتريك”، ليصبح معدله تقريبا هدفا في كل 50 دقيقة.
وتتزايد أرقام العملاق النرويجي بريقا وقيمة في دوري أبطال أوروبا، فيكفي القول إنه بأهدافه العشرة يتفوق على ما سجله جميع لاعبي فريق برشلونة حتى الآن.
وكانت الأنظار مسلطة خلال المواجهة بين دورتموند وسان جرمان على نجمي فريق العاصمة الفرنسية البرازيلي نيمار والفرنسي كيليان مبابي، لكن هالاند خطف الأضواء منهما بتسجيله هدفي فريقه الذي خرج فائزا قبل مباراة الإياب بعد ثلاثة أسابيع.
هالاند يدخل تاريخ الكرة الألمانية بعدما أصبح أسرع لاعب يسجل 12 هدفا في أولى ثماني مباريات يخوضها، وهو رقم لم يحققه أي لاعب
وجاء الهدف الأول من مسافة قريبة، أما الثاني فكان قمة في الروعة عندما وصلته الكرة أمامية خارج المنطقة فأطلقها صاروخية عجز حارس سان جرمان الكوستاريكي كيلور نافاس عن التصدي لها.
وتتالت الإشادات على اللاعب من كل صوب وحدب بعد المستوى اللافت الذي ظهر به النرويجي في دوري الأبطال في أول إطلالة له مع فريقه الجديد. ولم يقتصر “المديح” على المحللين وآراء المدربين ليشمل أيضا تغني أغلب الصحف العالمية بهذه الظاهرة الجديدة.
وجاءت أبرز التعليقات من ألمانيا، حيث خرجت صحيفة “بيلد” واسعة الانتشار بعنوان لافت قالت فيه “انسوا نيمار! انسوا مبابي! العملاق يدعى إرلينغ هالاند (19 عاما)”.
أما صحيفة “كيكر” الرياضية، فاختارت عنوانا مميزا يعكس الحضور الوازن لهذا النجم في أول ظهور له مع فريقه الجديد بالمسابقة الأوروبية “ساعة المجد لهالاند”، كما أشارت إلى أنه رغم بلوغه الـ19 من العمر إلا أنه تمكن من سحب البساط من تحت أقدام نيمار ومبابي.
إشادة واسعة
لم تقتصر الإشادة بالنجم النرويجي على الصحف الألمانية بل تخطتها إلى الدول الأوروبية الأخرى. وعلقت “ذا غارديان” الإنجليزية على تألق هالاند بقولها “في الموسم الثالث من مشروع باريس، كانت كل الظروف مهيأة لكي يكون نيمار نجم الاحتفال في دوري أبطال أوروبا، كان متوقعا أن يطبع هذه الأمسية ببصمته الخاصة، لكن في الوقت الحالي لا أحد يستطيع إيقاف زحف إرلينغ هالاند”.
أما إسبانيا التي كالت المديح لنجميها الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو على مدى عقد كامل، فلم تتردد في الإشادة بالظاهرة الجديدة، حيث قالت صحيفة “أس”، “ثمة موهوب جديد في دوري أبطال أوروبا: لننحني أمام هالاند وثنائيته المدهشة”.
وأضافت “جلس إرلينغ هالاند على مائدة مبابي وكسرها إلى نصفين. هذا الشاب لا حدود له”. أما صحيفة “ليكيب” الفرنسية، فاعتبرت أن “ظهور الموهبة الكبيرة لهالاند مخيفة”.
في المقابل، رأت “كورييري ديللو سبورت” الإيطالية أنه “لاعب قادم من المريخ”، وعلقت بالقول إنه يمتلك “قوة (كريستيان) فييري، هدوء (فيليبو) إينزاغي والبنية الجسدية (لوكا) لتوني”.
كل هذا المديح يصفه محللون بأنه يضاعف المسؤولية على عاتق اللاعب الشاب ويضعه تحت المجهر، كما أنه قد يكون عاملا مساعدا على تحقيق التطور في كل لقاء يخوضه مع فريقه الذي يركز على ثلاث جبهات في المسابقات التي يخوضها هذا الموسم، أولاها دوري الأبطال قاريا وثانيها الدوري المحلي ولقب كأس ألمانيا.
محارب شرس
ضرب هالاند بقوة منذ انتقاله إلى صفوف دورتموند الشهر الماضي، فسجل ثمانية أهداف في خمس مباريات في دوري البوندسليغا بينها ثلاثية بعد نزوله احتياطيا في أول مباراة رسمية له مع دورتموند.
وأشاد به مدرب سان جرمان الألماني توماس توخيل بعد المباراة بقوله “إنه وحش، يملك حضورا بدنيا هائلا وحيوية مدهشة”.
ويعتبر هالاند عملاقا بكل ما للكلمة من معنى (1.94م) لكنه يملك فنيات عالية، يتحرك جيدا ويتمتع بسرعة كبيرة حتى أن شبكة “سكاي إيطاليا” رصدت أنه ركض 60 مترا في 6.64 ثوان، أي بفارق 3 أعشار من الثانية عن الرقم القياسي العالمي.
كل هذه الصفات تجعل منه محاربا من الدرجة الأولى وتجسد “عقلية الفايكينغز”، وهو اللقب الذي يطلق على شعب بلاده.
ويقول عنه مدربه في دورتموند السويسري لوسيان فافر إنه “يملك ذهنية رائعة. عندما يهدر فرصة في التمارين، يشد شعره!” قبل أن يضيف “تسجيل هدفين في مرمى سان جرمان، أمر لا بأس به على الإطلاق”.
ولم تأت ثنائية هالاند في مرمى سان جرمان، وهي الأولى له في الأدوار الإقصائية من المسابقة القارية، من العدم لأنه رفع رصيده فيها إلى 10 أهداف بعد أن سجل ثمانية أهداف مدافعا عن ألوان ريد بول سالزبورغ النمساوي في دور المجموعات، ليتساوى في صدارة ترتيب الهدافين مع هداف بايرن ميونخ البولندي روبرت ليفاندوفسكي.
وأشارت شبكة “أوبتا” للإحصائيات إلى أن هالاند صار أصغر ثالث لاعب يسجل ثلاثية في مباراة بدوري أبطال أوروبا.
ويأتي هالاند في الترتيب الثالث في هذه القائمة خلف النجم الإسباني راؤول غونزاليس، وهو أصغر من سجل “هاتريك” بالبطولة، عن عمر 18 عاما و113 يوما، وذلك في عام 1995، والإنجليزي واين روني صاحب المركز الثاني في القائمة، حيث سجل ثلاثية عن عمر 18 عاما و340 يوما عام 2004.
ولا يعتبر هذا الرقم القياسي هو الأول لهالاند، إذ خطف اللاعب الأنظار في بطولة كأس العالم للشباب في العام 2019 عندما سجل 9 أهداف كاملة في شباك منتخب هندوراس. وسجل الشاب النرويجي حينها 4 أهداف في الشوط الأول، ثم أضاف 5 أهداف أخرى في الشوط الثاني، ليصبح أول لاعب في مونديال الشباب يسجل 9 أهداف في مباراة واحدة فقط.
وقال اللاعب في تصريحات صحافية عندما كان يلعب لفائدة ليدز يونايتد الإنجليزي “أريد أن أصل إلى أفضل مستوى ممكن، حلمي الأول هو التتويج بلقب الدوري الإنجليزي بقميص فريق ليدز”.
ويرجع ارتباط اللاعب الشاب بنادي ليدز إلى كونه ولد في مدينة ليدز الإنجليزية، حيث كان والده لاعبا في صفوف الفريق كما دافع عن ألوان مانشستر سيتي ونوتينغهام فورست.
الآتي أفضل

رغم هذا التألق إلا أن هالاند يرى أن الأفضل لم يأت بعد. وعلق النجم اليافع للفريق الألماني في تصريح أدلى به بعد مباراة سان جرمان “أعرف أنه يتعين عليّ العمل على تحسين عدة جوانب، لكن الأمور تبدو جيدة حقا. أمامنا المزيد من العمل من أجل المضي قدما في البطولة”.
ويفسّر المحللون هذه النوعية من اللاعبين بكونها الأكثر قدرة على استخراج ما تكتنزه خصوصا عندما تجد كل العوامل والظروف مهيأة أمامها للبروز وخوض غمار التحدي.
وتقام مباراة الإياب في العاصمة الفرنسية باريس يوم 11 مارس المقبل، وتصب الترشيحات بشكل كبير لمواصلة التألق التهديفي لهالاند. ويقول النرويجي إنه يعتقد أن السر في نجاحه هو عدم انشغاله بالكثير من الأمور عندما تمنح له الفرصة.
وأضاف “لا أفكر كثيرا عند التسديد، وإنما استمتع فقط باللحظة”، مشيرا إلى أن دور الستة عشر بدوري الأبطال يشكل مرحلة جيدة بالنسبة له لإبراز موهبته. وتابع “يعيش لاعب كرة القدم من أجل مثل هذه المباريات، إنها رائعة. والآن لنرى ما سيحدث في باريس”.
وكان دورتموند جازف بالتحرك إلى ضم هالاند في الوقت الذي لم يكن قد حَسم فيه صفقة باكو ألكاسير، الموجود حاليا مع فياريال الإسباني.
ولكن النادي الألماني عادة ما يتطلع إلى الخطوة المقبلة، وقد حسم قراره بشأن الحصول على هالاند قبل بداية سوق الانتقالات الشتوية حتى.
وكان النرويجي كأحد أبرز المرشحين للانضمام إلى برشلونة كوريث للويس سواريز في مركز قلب الهجوم، إلا أن دورتموند حسم الصفقة في ظل اهتمام برشلونة بالأرجنتيني لاوتارو مارتينيز مهاجم إنتر ميلان.
ووفقا لصحيفة “سبورت” الكتالونية، فقد كانت هناك ثلاثة أسباب وراء عدم تعاقد برشلونة مع هالاند: السبب الأول يخص الظروف الاقتصادية التي أجبرت الأندية المهتمة بضم اللاعب بما في ذلك برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد ويوفنتوس على التراجع، وترك الساحة فارغة أمام دورتموند لضمه.
أما السبب الثاني فيتعلق بالعمولات المطلوبة إلى جانب قيمة الصفقة لإنهائها، فبالإضافة إلى الـ20 مليون يورو التي طلبها سالزبورغ، اشترط والد هالاند الحصول على 8 ملايين يورو، وطلب وكيله مينو رايولا 15 مليون يورو، كما حدد اللاعب نفسه راتبا قيمته 8 ملايين يورو في الموسم.
ويعتبر دورتموند النادي الوحيد الذي وافق على تلك المطالب من أجل إنهاء الصفقة في يناير الماضي، لاستغلال الشرط الذي يسمح برحيل اللاعب مقابل 20 مليون يورو.
أما السبب الثالث، فوصفته تقارير صحافية بالفني، حيث لم يكن مسؤولو برشلونة على قناعة تامة بأن هالاند يتمتع بالمواصفات التي يبحثون عنها، لكن بعد الأداء اللافت الذي يقدمه النرويجي الأكيد أن مشاعر الندم والحسرة تلفّ هؤلاء الآن خصوصا بعد الأزمة التي يعاني منها الفريق بالبحث عن بديل لسواريز وديمبيلي المصابين.
وأثنى هانز-يواخيم فاتسكه، الرئيس التنفيذي لدورتموند، على هالاند قائلا إنه يتمتع بروح المرح وكذلك الحماس الهائل، مضيفا “هالاند هداف حقيقي، ونحن سعداء بالطبع بضمه. وأعتقد أن لدينا فرصة جيدة في باريس (للفوز بمباراة الإياب)”.
وبرغم امتلاك بطل فرنسا أمثال نيمار ومبابي على أرضه، يرى فاتسكه أن دورتموند يملك أفضلية نفسية نظرا لسعي سان جرمان بقوة إلى تفادي خروجه من ثمن النهائي للموسم الرابع تواليا.
وقال مشيرا إلى خروج الفريق الباريسي أمام مانشستر يونايتد في الموسم الماضي برغم فوزه ذهابا 2-0 في أرض النادي الإنجليزي “لديهم صدمة مانشستر يونايتد. بالنسبة إليهم سينهار العالم إذا تعرضوا للإقصاء. أعتقد أننا نملك أفضلية نفسية”.