نيران الحرب في إثيوبيا تقترب من دول الجوار

القاهرة - فتح تصميم الحكومة الإثيوبية على تنحية الأدوات الدبلوماسية جانبا ومحاولة حسم الحرب في إقليم تيغراي بالوسائل العسكرية، المجال للمراقبين للحديث عن تداعيات وخيمة على دول الجوار، تتجاوز مسألة نزوح اللاجئين التقليدية، وقد تصل إلى حد التدخل المباشر، بحكم التشابكات العرقية والسياسية والأمنية في المنطقة.
وحذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أخيرا من احتمال امتداد القتال إلى مناطق أخرى في إثيوبيا، وزعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي برمتها، وهي إشارة تنطوي على دلالة بالغة بأن الحرب يمكن أن تقود إلى خلط أوراق كثيرة في إقليم يعاني من هشاشة كبيرة في الأمن والاستقرار، ولم يتمكن من تجاوز حروبه السابقة.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية، السبت، أن هجوما صاروخيا وقع على مطارين في ولاية أمهرة المجاورة لمنطقة تيغراي الشمالية، وأصاب أحدهما مطار جوندر وألحق به أضرارا، في حين سقط الآخر في نفس التوقيت خارج مطار بحر دار، وهي دعوة صريحة لمزيد من تدخل قبيلة الأمهرا في المعارك الدائرة.
وحاولت حكومة تيغراي تجنب هذا الخيار، وعدم توسيع نطاق الحرب، عندما أشارت إلى أن الضربات الصاروخية استهدفت قواعد عسكرية، وجاءت رداً على ضربات جوية نفذتها الحكومة المركزية في منطقة تيغراي الشمالية.
وتواترت معلومات حول قيام إثيوبيا بسحب قواتها العاملة فى الصومال، وتقدر بنحو ثلاثة آلاف جندي، وتعمل بشكل منفصل عن قوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام (يونيصوم)، وكذلك تنوي أديس أبابا سحب قواتها من منطقة أبيي المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان، وتعمل ضمن القوات الدولية لحفظ السلام.
تعكس هذه التوجهات اشتداد حدة المعارك في إقليم تيغراي المسلح تسليحا جيدا، والذي أعلن النفير العام بين جميع السكان للتصدي لما يعتبره غزوا من قبل الحكومة المركزية التي تؤكد عزمها على المضي قدما في الحل العسكري.
وأشار المحلل السياسي عطية عيسوي، لـ”العرب”، إلى أن إخماد التحرك العسكري في تيغراي بات أمرا صعبًا، ويحتاج المزيد من التدفق لقوات الحكومة المركزية، بما يتخطى سحب بضعة آلاف من القوات الإثيوبية في الصومال، والتي ذهبت في مهمة مكافحة حركة الشباب المتطرفة، ومنع تسلل عناصرها إلى العمق الإثيوبي.
ويخشى متابعون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تمكين قوات الشباب الصومالية من تحقيق انتصارات جديدة، ومد نفوذها إلى مناطق مجاورة للصومال، تشن فيها هجماتها، فخروج القوات الإثيوبية يترك فراغا، ولا توجد قوات جاهزة يمكن أن تملأه حاليا.
وأضاف عيسوي لـ”العرب”، أن سحب أديس بابا لجنودها المشاركين في عمليات حفظ السلام في أبيي، يتطلب وقتًا كي تستطيع إدارة قوات حفظ السلام استبدالها بقوات من دول أخرى، فعدد الجنود الإثيوبيين العاملين يناهز 5 آلاف جندي، وهو رقم ليس من السهولة تدبيره سريعا.
وقد يفضي سحب القوات الإثيوبية من أبيي بدون ترتيبات مسبقة إلى فراغ آخر، قد تستغله ميليشيات مسلحة على جانبي السودان لإعادة توتير الأوضاع بعد فترة من الهدوء، وتنقلب التوازنات التي تسببت في منع الالتحامات بين الدولتين.
ولفت عيسوي إلى أن انتصار الحكومة الإثيوبية في الحرب عملية صعبة، فمرجح أن تلجأ قوات تيغراي، ويبلغ عددها حوالي 250 ألفا، إلى العمل السري الذي تجيده جراء خبرتها من كثرة المعارك التي خاضتها، وشن هجمات خاطفة على معسكرات تابعة لأديس أبابا.
ولذلك تحتاج الحكومة المركزية لزيادة التعزيزات العسكرية في أنحاء البلاد، وامتلاك تشكيلات نوعية قادرة على حسم المعارك التي ستأخذ شكل حرب عصابات.
وحذر مراقبون من احتمال تدخل إريتريا، والتي تناصب قادة تيغراي العداء منذ زمن طويل، كما تهدد تداعيات النزوح وإمكانيات امتداد شرارات الصراع العنيف إلى كل من الصومال والسودان، بكارثة كبيرة في منطقة القرن الأفريقي.
وأوضح الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، المقيم في دبي، حمدي عبدالرحمن، أن هناك حالة من الانسداد السياسي العام بعد إصرار رئيس الحكومة آبي أحمد على إتمام العملية العسكرية حتى الإطاحة بحكم الجبهة الشعبية لتحرير اتيغراي.
وأكد لـ”العرب” أن ثمة مخاوف من تداعيات الحرب على الداخل ودول الجوار، حيث تشارك قوات من الأمهرا مباشرة في الصراع، وتقاتل في الصفوف الأمامية مع الجيش الاتحادي، بما يشي بأن الحرب يصعب توقع نهاية قريبة لها.
ومعروف أن هناك نزاعات حدودية بين الأمهرا والتيغراي، كما أن مصطفى محمد عمر زعيم الإقليم الصومالي (الأوجادين) انحاز لصالح الدفاع عن رئيس وزراء إثيوبيا، بما يخلط الكثير من الأرواق، ويقلل من فرص الاستجابة للتحذيرات الخارجية.
وأضاف عبدالرحمن أن تصميم آبي أحمد على ما يسميه إنفاذ القانون وتحقيق العدالة بحق قادة جبهة تيغراي الذين يتهمهم بالاعتداء على مقر القيادة الشمالية في الإقليم، سوف يطيل أمد الصراع ويعمق آثاره التي قد تقود إلى إيجاد مبررات لتفتيت الدولة الإثيوبية، الأمر الذي يحمل معه تأثيرات إقليمية قد يصعب تطويقها.
وتعيش إثيوبيا وغالبية الدول المجاورة وسط براكين من التشابكات الاجتماعية، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، فالحرب في تيغراي ربما تخرج عن عقالها، وتلقي بحممها على منطقة عانت طويلا من كثافة الصراعات والتوترات، وعرفت الحروب الأهلية، وما نجم عنها من مخاطر جسيمة، لا يزال شبحهها يخيم على بعض الدول. ومهدت الطريق إلى التوسع لحفر مصطلح الحروب بالوكالة، بما أدى إلى صعوبة إخماد الكثير من النزاعات، وإذا وضعت إثيوبيا قدميها في فضاء الحرب الأهلية، من الممكن ضخ دماء جديدة في عروق الحروب بالوكالة، التي هدأت ولم تتوقف، وتجد فيها قوى خارجية فرصة لتصفية بعض الحسابات الإقليمية.