نمو الاحتياطات النقدية يعطي عُمان فرصة لالتقاط الأنفاس

يعطي نمو احتياطات النقد الأجنبية لسلطنة عُمان فرصة ثمينة للمسؤولين لالتقاط الأنفاس قبل مواصلة جهود تخفيف الاختلالات المالية المزمنة، قبل تعزيز متانة النظام المالي بشكل أكبر، بعد أن واصلت الانخفاض بشكل شبه متواصل طيلة العامين الماضيين في أعقاب تأثر البلاد بتباطؤ النمو العالمي وفاقمت من تبعاته أزمة الجائحة.
مسقط - حققت أصول البنك المركزي العماني منذ بداية 2021 ارتفاعا على غير العادة، يقول محللون ومسؤولون حكوميون إنها ستساعد على دعم متانة النظام المالي للبلد الذي يعمل بجهد من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية تدريجيا.
وأشارت البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الأحد إلى ارتفاع إجمالي الأصول الأجنبية لدى المركزي منذ يناير وحتى نهاية أبريل الماضي بنسبة 8.1 في المئة لتبلغ نحو 6.9 مليار ريال (17.9 مليار دولار) بمقارنة سنوية.
وتتألف الاحتياطات الأجنبية لدى المركزي من ثلاثة عناصر تضم الإيداعات بالعملة الأجنبية والحساب الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي البالغ قرابة 400 مليون دولار والأوراق المالية البالغة قيمتها 8.6 مليار دولار.
ويقول خبراء إن الارتفاع هو مؤشر يعكس ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المحلي رغم كل الظروف وهي تأتي على عكس ما تشير إليه مؤسسات دولية من بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى احتمال انخفاض الاحتياطي النقدي للسلطنة في حال طالت فترة الوباء.
وارتفع احتياطي العملة الصعبة بواقع 4 في المئة بنهاية أغسطس 2020 لتصل إلى 6.66 مليار ريال (17.38 مليار دولار)، وذلك مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
وكانت احتياطيات عٌمان من النقد الأجنبي والذهب تقدر بحوالي 16.6 مليار دولار نهاية 2019، ومع انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا ظلت السلطنة تواجه موقفا اقتصاديا حرجا رأى البعض أنها قد لا يمكنها تداركه سريعا.
وتمتلك عمان، وهي من أضعف اقتصادات منطقة الخليج، وأكثر عرضة للتأثر بتقلبات أسعار المنتجات الهيدروكربونية التي كانت تمثل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي في 2019، اقتصادا متنوعا إلى حد ما على الرغم من هيمنة النفط على الإيرادات الحكومية، ويمثل القطاع المصرفي العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
ويقول عادل بن خليفة السعدي المدير العام لمركز عُمان للمعلومات الائتمانية والمالية (ملاءة) إن درجة ملاءة الائتمانية للأفراد والشركات تعمل وفق أحدث المعايير الدولية في مجال تقييم المخاطر.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى عادل السعدي قوله إن “المركز يبذل جهودا كبيرة لتعزيز الملاءة المالية للجهات والمؤسسات في السلطنة وضمان استدامة مجالات التمويل ومؤشرات قياس مخاطر التعثر”.
وأوضح أن ذلك ينعكس على المؤشرات الائتمانية للسلطنة في المؤسسات الائتمانية والمالية العالمية ويعزز الشمول المالي.
وتشير البيانات إلى ارتفاع إجمالي ودائع القطاع الخاص لدى البنوك التجارية والنوافذ الإسلامية في السلطنة بنسبة 6.8 في المئة ليبلغ 17.2 مليار ريال (44.7 مليار دولار) في الثلث الأول من هذا العام بمقارنة سنوية.
العجز القياسي في الموازنة العامة قد يدفع مسقط إلى فتح باب الاقتراض مرة أخرى قبل نهاية 2021
وتظهر الأرقام أيضا ارتفاع إجمالي القروض والتمويل بالبنوك التجارية بنسبة 3 في المئة ليبلغ حوالي 27 مليار ريال (نحو 70 مليار دولار).
وفاقمت الأزمة المالية التي ترجمها قانون موازنة 2021 بعجز ضخم حاجيات عمان للتمويل، مما دفعها إلى فتح باب الاقتراض المحلي والخارجي واللجوء إلى الاحتياطات المالية لسد الفجوة المالية، في ظل نقص مصادر التمويل وهشاشة الوضع الاقتصادي الذي زادته جائحة كورونا صعوبة.
وقد وضعت مسقط في موازنتها العامة للعام الجاري تقديرات بأن تحصل على إيرادات من تصدير النفط والغاز بحوالي 20 مليار دولار بنهاية العام الجاري، لكن محللين يرون أن ذلك يبدو صعبا في ظل الظروف الراهنة.
وقالت وزارة المالية العمانية الأسبوع الماضي إن سلطنة عمان سجلت عجزا في الموازنة منذ بداية العام الجاري بلغ 890.2 مليون ريال (2.32 مليار دولار) في مايو الماضي بفعل انخفاض أسعار النفط وتراجع إنتاجه، مما قد يدفع مسقط إلى فتح باب الاقتراض مرة أخرى قبل نهاية العام.

وذكرت الوزارة أن الإيرادات النفطية في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري انخفضت بواقع 23 في المئة مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. وهبطت الإيرادات الإجمالية بما فيها الإيرادات غير النفطية بحوالي 19 في المئة.
وعملت عُمان على الحد من الإنفاق العام لتقليل العجز المالي، لكن التعديلات لا تجاري انخفاض الإيرادات. وقالت الوزارة إن الإنفاق العام يواصل الانخفاض، حيث انخفض الإنفاق بنسبة 2.9 في المئة سنويا خلال السنة حتى مايو الماضي.
ولم يكن انكماش الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مفاجئا حيث تراجع بواقع 2.5 في المئة في الربع الأول من العام الجاري تحت وطأة تراجع الأنشطة النفطية بنسبة 20.6 في المئة، في حين نما القطاع غير النفطي بنسبة 5.7 في المئة.
وفي أكتوبر العام الماضي وضعت السلطنة خطة مالية متوسطة الأجل، الأمر الذي طمأن المستثمرين وساعدها في تدبير قروض وإصدار سندات بالمليارات من الدولارات هذا العام.
وفي الشهر الماضي جمعت السلطنة قرابة 1.75 مليار دولار بإصدار صكوك إسلامية تجاوز الطلب عليها نحو 11.5 مليار دولار.
وراكمت الدولة المنتجة للنفط ديونا بسرعة فائقة خلال السنوات القليلة الماضية بعد انهيار أسعار الخام من 115 دولارا للبرميل في يونيو 2014 إلى ما يقل عن 30 دولارا في يناير 2016 قبل أن يعود إلى الارتفاع منتصف هذا العام ليبلغ 75 دولارا.
ولطالما يثير لجوء مسقط إلى الاقتراض الخارجي بشراهة لسد العجز في الموازنة المخاوف بين عدد من المستثمرين، وقد دفع تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطرة، في ظل بطء وتيرة الإصلاحات وزيادة الإنفاق الحكومي.