نقودهم قطع سكر

علينا أن نتخيل بماذا يفكر أساطين الدولار واليورو من أجل المحافظة عليها من مستقبل يسير بسرعة مخيفة صوب العملات الرقمية.
الاثنين 2021/04/26
عالم يتغير بسرعة

تفحصت محفظة نقودي المنسية على الطاولة منذ عام تقريبا تحت وطأة كورونا والحجر المنزلي، فهناك بضعة أوراق نقدية بقيت نائمة في طيات المحفظة ولم تلمس منذ شهور! لسبب بسيط لا يتعلق بعدم حاجتي للنقود “من يقدر على قول ذلك؟” بل لأنني لم أعد أستخدم الأوراق النقدية. فكل مدخراتي في هاتفي وأنا لا أقوم بغير مس الموبايل بأجهزة الدفع الإلكترونية منذ عامين تقريبا.

ولأنني لم أعد مثل ملايين غيري للتعامل بالأوراق النقدية، فقد دخلت إلى عصر العملات الرقمية بغض النظر عن تعريف العملات المشفرة.

هناك أموال حديثة تدير حركة العالم وتغير الانطباع الاقتصادي الذي يجعل تعريف الدول المنهارة من تضخم عملاتها، عندما تصبح كمية الأوراق النقدية أثقل من أن تحملها جيوب الناس.

دعك من ليبرا عملة فيسبوك سيئة الصيت التي لا يثق بها أحد، لأن الناس لا تثق بفيسبوك بالأساس، فنجاح العملة المشفرة بتكوين، بداية صناعة مستقبل العملات الرقمية.

اليوم الأطفال لديهم عملتهم الرقمية أيضا عندما يمارسون ألعابهم الكمبيوترية. روبوكس هي معادل مالي لبتكوين عندما يتعلق الأمر بألعاب روبلوكس الرقمية التي تشد شغف الأطفال في عالم ألعاب الفيديو على شبكة الإنترنت الموازي لعالمنا الحقيقي المعاصر.

الأخبار المتصاعدة عن تضخم شركة كوين بيز التي تدير أكبر بورصة لبتكوين وعملات رقمية أخرى، تجعلنا اليوم أو غدا جزءا من هذا العالم الغامض الذي لا أحد يقدّر كم هي أعمدته عصية على الانهيار وليس مجرد فقاعات مالية لا نقدّر خطورتها.

فقد حققت شركة كوين بيز قيمة تجارية تبلغ نحو 100 مليار دولار في قائمة سوق الأوراق المالية. وزادت قيمة الشركة بأكثر من عشرة أضعاف منذ عام 2018 عندما قدّر المستثمرون أنها تساوي 8 مليارات دولار.

ذلك ما جعل برايان أرمسترونغ الرئيس التنفيذي لشركة كوين بيز أحد أغنى الأشخاص في العالم بثروة تقدر بـ13 مليار دولار.

إنه اسم رقمي آخر “دخل عامه الحادي والخمسين” ينضم إلى قائمة مارك زوكيربيرغ وجيف بويز وإيلون ماسك بأمواله الرقمية وبشغف الناس للإقدام عليها.

ويمتلك أرمسترونغ، وهو مهندس برمجيات سابق، حوالي 19 في المئة من أسهم الشركة.

علينا أن نتخيل بماذا يفكر أساطين الدولار واليورو من أجل المحافظة عليها من مستقبل يسير بسرعة مخيفة صوب العملات الرقمية.

فقد حذرت وكالات الاستخبارات الأميركية في تقريرها الأخير الذي تطلقه كل أربع سنوات من التهديدات المالية التي سيواجهها الدولار الأميركي واليورو الأوروبي من العملات الرقمية مثل بتكوين.

وذكر تقرير “الاتجاهات العالمية: 2040 عالم مليء بالنزاعات بشكل أكبر” أن العملات الرقمية التي تصدر من جهات خاصة ستؤدي إلى تعقيدات في سلوك السياسة النقدية عن طريق الحد من سيطرة الدول على أسعار الصرف والإمدادات النقدية.

قد لا تبدو هذه التحذيرات من أكبر جهة استخبارية في العالم من الأهمية بمكان لتعرقل طريق العملات الرقمية وهي تمضي باتجاه المستقبل الغامض. بينما العالم يقترب من وضع عملاته الورقية في المتحف المصرفي من باب إن نفعت الذكرى.

هي نفس الذكرى التي تدور اليوم في ذهن الآلاف من الأسرى العراقيين بعد أن قضوا سنوات مريرة في أقفاص الأسر الإيرانية يعيشون التنكيل والتعذيب والجوع. هل تتخيلون ماذا كانت نقودهم! إنها قطع السكر التي تمنح لهم مرة في الأسبوع، يحتفظون بها بمثابة عملة للبيع والشراء فيما بينهم.

24