نقل إجراءات الطلاق من المحامين إلى عدول الإشهاد يثير الجدل في تونس

مخاوف من التساهل مع الإجراءات والتحايل على القانون.
الاثنين 2025/05/12
مبادرة قد تمهد لتنقيحات جديدة

تونس - عبّرت هيئات حقوقية في تونس عن رفضها لمقترح مشروع قانون برلماني تقدم به بعض النواب يقضي بنقل إجراءات الطلاق من المحامين إلى عدول الإشهاد، وسط تحذيرات من أن تمهّد الخطوة إلى التساهل مع الإجراءات والتحايل على القانون.

ويدعم مشروع القانون 105 نواب بالبرلمان من مجموع 154، ويهدف إلى تبسيط إجراءات الطلاق وتقليص الضغط وتخفيف العبء على المحاكم في قضايا الطلاق بالتراضي، التي لا يتخللها أيّ نزاع.

وتأتي هذه المواقف، إثر تواتر المبادرات في الأسابيع الأخيرة ذات العلاقة بحقوق النساء ومكتسباتهن التشريعية والمتمثلة في مشروع قانون حول العفو التشريعي العام على المطالبين بتسديد ديون أحكام النفقة، وتنقيح الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية وغيرها.

وتقول أوساط حقوقية وسياسية، إن مقترح القانون يخالف المصلحة الوطنية ويضرب بعمق مبادئ ومكتسبات الدّولة التونسية والمواطنة.

ويضيفون أنه، هناك خشية حقيقة من أن يمهد ذلك المقترح لفتح الباب أمام القيام بمراجعات تشريعية أخرى ذات خلفيات سياسية وأيديولوجية تساهم في هدم ما تم بناؤه منذ الاستقلال في علاقة بتنظيم الروابط الأسرية والآليات المعتمدة مثل الطلاق.

المنذر ثابت: هناك مساع للعودة بالطلاق إلى المحاكم الشرعية
المنذر ثابت: هناك مساع للعودة بالطلاق إلى المحاكم الشرعية

وأكّد الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، رفضه القطعي لمشروع تنقيح الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية، مشددا على أن الطلاق لا يمكن أن يصدر إلا عن المحاكم.

وعبر الاتحاد في رسالة موجهة من رئيسته إلى رئيس البرلمان وأعضاء لجنة التشريع العام وكافة النواب، وردت على صفحته الرسمية عن خشيته من أن تكون مبادرة تنقيح الفصل 32 مدخلا للمسّ من جميع أحكامها وفصولها وضربا لحقوق النساء التونسيات ومحضونيهن وزعزعة مؤسسة الزواج والتعامل معه وكأنه عقد لا يختلف عن غيره من العقود الناقلة للملكية التي يختص بتحريرها عدول الإشهاد.

وحذر من أي تراجع على مكتسبات النساء، مؤكدا رفضه القطعي لهذا المشروع لما يشكّله من تهديد حقيقي لمكتسبات النساء التونسيات، ومسّ من الضمانات القانونية التي تنبني على مبدأ المواجهة وتكفلها المحاكمات العادلة لضمان السلم الاجتماعي وتحقيق النظام العام، معتبرا أن إلغاء دور قاضي الأسرة والطور الصلحي وما يقتضيه أحيانا من تكليف ذوي الاختصاص في مجالات فنية أو علمية لمزيد الاطلاع على حقيقة أوضاع الزوجين المتنازعين، كآليات كفيلة بضمان حقوق جميع الأطراف، لا يمكن أن يقوم بها غير القضاة المختصين والمؤهلين للبت في النزاعات الأسرية.

 وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “الاحترازات وجيهة وفي محلّها، ومن الضروري أن ننتبه إلى أصل الإشكال، وهو بالأساس بطء إجراءات الطلاق، ويراد التعجيل بالبت في هذه القضايا من خلال آليات مبسّطة تحدد النقاط الخلافية بين الطرفين (الرجل والمرأة).”

وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “أعتقد أن جوهر الموضوع هو أن تبقى المحاكم تنظر في هذه القضايا”، لافتا أن “هناك فكرا أيديولوجيا من قبل قوى اجتماعية محافظة، تريد العودة بالطلاق إلى المحاكم الشرعية، وقد تخطط لمراجعات عميقة في مجلة الأحوال الشخصية.”

ولفت ثابت إلى أن “هناك خشية من أن تتحول الإجراءات إلى انحرافات تمسّ من حقوق المرأة والرجل، كما يمكن أن يتم التلاعب ببعض الوثائق والشهادات.”

تونس تسجلّ أكثر من 14 ألف حالة طلاق سنويا، أي بمعدّل 38 حالة طلاق يوميا، وهو رقم مرتفع يثير قلقا متناميا بشأن مستقبل الأسرة في البلاد

من جهتها، عبرت الهيئة الوطنيّة للمحامين عن رفضها الشديد للمقترح، واعتبرت في مراسلة وجهتها إلى رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة وأعضاء لجنة التشريع العام، أن مقترح القانون يخالف المصلحة الوطنية ويضرب بعمق مبادئ ومكتسبات الدّولة التونسية والمواطنة، لافتة أن موقفها جاء لأسباب وطنية، حماية للسلم الاجتماعي والاقتصاد الوطني ودفاعا على حقوق مهنة المحاماة كقطاع مشغّل سنويّا للمتخرّجين من الجامعة.

وأكدت الهيئة عن استعدادها لخوض كافة الأشكال النضالية القصوى المتاحة وجميع التحركات الاحتجاجية اللازمة “للتصدي لهذا المشروع الخطير”، مذكرة أن عدد المحامين المباشرين وصل إلى حدّ الآن إلى أكثر من 9160 محاميا، أكثر من نصفهم من الشباب الذين ينتظرون فتح آفاق جديدة وفرص عمل واختصاصات أخرى تطوّر المهنة وتحقق الكرامة للجميع.

وأبرزت أنّ هذا المقترح على صيغته الحاليّة هو بمثابة “العبث القانوني بثوابت ومكتسبات الجمهورية التونسية بالحقوق الدستورية ويمثل خطرا على السلم الاجتماعي ومساسا بالأمن القومي الاجتماعي والاقتصادي،” و”استيلاء على اختصاصات العديد من المهن الحرة وخاصة المحاماة سواء بتحرير جميع العقود والبعض منها أوجبت النصوص الجاري بها العمل أن تكون بواسطة محام.”

ونبهت الهيئة في بيانها إلى أن هذا المشروع “يهدّد مكتسبات الأسرة التونسية والمرأة التي حققتها أجيال من المناضلين وخاصة بأن يكون الطلاق حكميا حماية لحقوق المرأة والطفل والأسرة بصفة عامّة،” “كما يمثّل تهديدا للقضاء والعدالة ومساسا باختصاصاتها في إقامة العدل كاحترام المبادئ العامة للقانون وخاصة مبدأ المواجهة وحق الولوج للعدالة.”

 وسبق أن عبّر عدل الإشهاد والكاتب العام السابق لهيئة عدول الإشهاد، حسين الأقرم، عن ترحيبه بالمبادرة.

 واعتبر في تصريح لوسائل إعلام محلية أن الطوابير الطويلة في المحاكم من أجل الطلاق بالتراضي “أمر غير معقول” خاصة في الحالات التي يكون فيها الزوجان متفقين مسبقًا على الانفصال.

وأكد الأقرم على أن عدول الإشهاد يملكون الكفاءة القانونية اللازمة لإبرام عقود الطلاق، كما هو الحال بالنسبة لعقود الزواج، داعيًا إلى ضرورة إقرار هذه الخطوة ضمن الإصلاحات القضائية والتشريعية المقبلة.

ووفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء، تسجلّ تونس أكثر من 14 ألف حالة طلاق سنويا، أي بمعدّل 38 حالة طلاق يوميا، وهو رقم مرتفع يثير قلقا متناميا بشأن مستقبل الأسرة في البلاد.

4