نقاش حول نشر ثقافة الزواج ببيت العائلة لا يروق لمصريات

أمام تراجع معدلات الزواج في مصر نتيجة غلاء المعيشة واحتداد أزمة السكن، طُرِحت فكرة عيش الزوجة في بيت الأسرة الموسعة كحل بديل. لكن هذه الفكرة قوبلت برفض أغلب المقبلات على الزواج خوفا من إمكانية أن يجدن أنفسهنّ محرومات من أبسط متطلبات الخصوصية والاستقلال الذاتي وحرية اتخاذ القرار. ويرى خبراء العلاقات الأسرية أن السكن مع أهل الزوج لا يجلب بالضرورة أزمات أسرية حادة أو يسبب خلافات تؤدي إلى الطلاق.
القاهرة - اصطدمت مبادرات حول ضرورة تغيير ثقافة الزواج لدى الأجيال الجديدة في مصر وإقناعهم بالسكن في منزل العائلة بردود فعل رافضة من فتيات كثيرات، بينهن من تفضل التأخر في الزواج على قبول العيش في بيت الأسرة الكبيرة.
ويرى مؤيدون للتوسع في نشر ثقافة الزواج داخل العائلة أن ذلك حل جيد لتقليص نفقات الزواج وتسهيل الحياة الأسرية في ما بعد، طالما أن أزمة السكن المستقل من المشكلات التي يعاني منها عدد كبير من المقبلين على الزواج في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة على بعض الأسر.
ويطرح الزواج في بيت العائلة على فترات متقاربة جراء زيادة أسعار الوحدات السكنية إلى مستويات قياسية، إضافة إلى مستلزمات الزواج نفسه، وأصبح الشباب غير قادرين على شراء وحدات مستقلة، ومن المهم قبول الفتيات بالأمر الواقع.
وتراجعت معدلات الزواج في مصر بشكل ملحوظ أمام الظروف المعيشية الصعبة على وقع الأزمة الاقتصادية، وجرى إطلاق مبادرات من رجال دين وتبنتها منابر إعلامية بشأن ضرورة مشاركة أسر الفتيات في الحل بالتخلي عن شرط استقلالهن في سكن الزوجية ورفض العيش في منزل عائلة الزوج، لكن يصعب أن يغير هذا التوجه قناعات كثير من المصريات.
وقالت إيمان حمدي صاحبة الثمانية وعشرين عاما “لا يعنيني التأخر في الزواج، فالمهم أن أكسب راحتي، ولا يمكن أن أجازف بالموافقة على السكن في منزل أسرة كبيرة ثم أعيش في مشكلات زوجية طيلة حياتي”.
المؤيدون للتوسع في نشر ثقافة الزواج داخل العائلة يرون أن ذلك حل جيد لتقليص نفقات الزواج وتسهيل الحياة الأسرية
وتقدم لخطبة إيمان أربعة شبان خلال أقل من عام، رفضتهم جميعا بعد أن كان كل منهم يعترف لها بخطته للبقاء في منزل عائلته تحت مبررات مادية وأخرى تتعلق بأجواء الأسرة والروابط الاجتماعية والشغف في تربية الأطفال مع الجد والجدة.
ولم ترق هذه المبررات لإيمان، وتابعت لـ”العرب” أن “هناك قناعة لدى مصريات بأن التأخر في الزواج أفضل مئة مرة من الحصول على لقب مطلقة بعد عام واحد من بدء العلاقة، والميزة أن غالبية الأسر تعطي الحق للفتاة في القبول أو الرفض”.
بنفس التفكير تحدثت ولاء فكري لـ”العرب”، وهي طالبة جامعية قاربت على التخرج، والتي رفضت الارتباط بشاب لمجرد التلميح بإمكانية البقاء في بيت العائلة لحين البحث عن سكن مستقل بعد أن تتحسن الظروف المادية، معقبة “الجميع يقول هكذا، ثم يستمر الأمر الواقع ونضطر للتعامل معه”.
وتذكرت ولاء وقت أن ارتبطت شقيقتها الكبرى بشاب لم تكن ظروفه المادية في أحسن أحوالها، وأقنعها بالزواج في بيت العائلة مع والديه وأخواته إلى حين ادخار نقود لشراء أو تأجير سكن بعيدا عن أسرته، لكنه نقض وعده وتحولت شقيقتها إلى أشبه بخادمة لأبويه وأشقائه.
وتشير فتيات رفضن الزواج في بيت العائلة إلى حرمانهن من الحد الأدنى من الخصوصية والاستقلال الذاتي وحرية اتخاذ القرار، أو تحديد مصير الأبناء على مستوى التعليم وطريقة التنشئة، إذ يتدخل أفراد العائلة في حياة الزوجية بطريقة فجة.
وأمام تمرد تعيشه فتيات كثيرات، يقف الشباب المصريون عاجزين عن امتلاك القدرة المالية لامتلاك وتأسيس منزل مستقل، وبينهم من يرى أن النقاش حول بيت العائلة حاليا قد يغير أفكارهم بعيدا عن اختزال الأمر في تدخلات الأسرة بشؤون الزوجين.
من هؤلاء محمود سيد وهو موظف بوزارة العدل، ويقيم في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، تعرض لرفض من فتيات تقدم لخطبتهن، لأنه يمتلك وحدة سكنية بنفس منزل العائلة، بينما ترغب كل فتاة تقدم لها بالزواج في المدينة وبعيدا عن عائلته.
وقال لـ”العرب” إن شراء منزل مستقل بعيدا عن سكن العائلة يكلفه مبالغ مالية طائلة، في حين أنه يمتلك شقة مستقلة بنفس منزل والديه، معقبا “الجديد أن فتيات ريفيات يرفضن الزواج في بيت العائلة، ويبحثن عن الاستقلال”.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أنه من حق كل فتاة أن تختار لنفسها نمط الحياة الزوجية الذي تستريح له، ويوفر لها متطلباتها طالما أنها تعاني من حواجز نفسية مرتبطة بصراعات محتملة مع والدة زوجها أو تدخل أسرته في حياتها.
ويشير هؤلاء إلى أن السكن مع أهل الزوج لا يجلب بالضرورة أزمات أسرية معقدة أو يقود إلى خلافات تؤدي إلى الطلاق، لكن المشكلة في تصدير صورة سلبية عن الزواج وسط العائلة، مع أن ثمة إيجابيات قد لا توجد داخل الأسرة المكونة من زوجين فقط.
وهناك زواج داخل العائلة يؤمّن احترام الرجل لزوجته ويمنعه من هضم حقوقها، لأن طبيعة الحياة في بيئة عائلية تمثل عامل ضغط على الزوج يضطره لتحمل مسؤولية الأسرة، وإذا غاب الرجل عن زوجته لظروف العمل أو السفر تجد من يعينها.
وذهبت بعض الدراسات الأسرية إلى أن الزواج في منزل العائلة يحجّم العنف الذكوري ناحية المرأة، بينما السكن المستقل يجعل الزوج حرا وبلا تقييم لتصرفاته من جانب الأبوين، لذلك قد تكون إقامة الزوجين في منزل العائلة صمام أمان ضد العنف الأسري.
وأكد عادل بركات المتخصص في العلاقات الأسرية والتنمية البشرية بالقاهرة أن معالجة الخلافات الزوجية في منزل العائلة أقل حدة من إدارتها في سكن خاص، وهذه ميزة الأسر الممتدة، إذ تلعب نصيحة الأهل دورا في منع اتخاذ قرارات متهورة.
وأوضح لـ”العرب” أن الأسرة الممتدة ترتبط بمشاركة الأجداد في تربية الأطفال بشكل يرفع العبء عن الزوجين، ويحدث تواصل بين الأجيال، وتأتي الأزمة من إمكانية تدخل الأبوين في التربية وتدليل الأحفاد، وهذا يجلب متاعب للزوجين مستقبلا.
والطفل الذي يتربى في بيت العائلة قد يصبح مشتتا وفاقدا للتركيز وتنتابه لحظات من الصراع الداخلي بين تقاليد وأفكار الجد والجدة، وثقافة أبويه من الجيل الجديد، وهذه مشكلة تواجه كل أم ترغب في تنشئة أبنائها وفق متطلبات العصر.
وذكر بركات أن رفض فتيات مصريات الزواج في بيت العائلة يمكن اختصاره في تطور نمط المعيشة، وهذا لا يعبر عن تمرد، لكنه أمر شائع حاليا، فقديما كانت السمة الغالبة وجود عائلة، واليوم تغيرت وأصبحت الراحة في الأسرة المحدودة.
وأضاف “يعكس رفض الفتاة للزواج في بيت العائلة تناميا في الوعي وحرية اتخاذ القرار، ولا يمكن وصفهن بأنهن متمردات لأنهن يستفدن من المشاكل الأسرية ويرفضن تكرارها، حيث يصعب على فتاة واعية ومستقلة الرأي العيش وهي خاضعة لقناعات عائلات تقدس عادات قديمة ولأنها لن تستطيع التأقلم مع بيئة مغايرة لأفكارها من الطبيعي أن تمتنع عن المجازفة بحياتها الأسرية”.
ويمكن اختصار أزمة الرفض الواسع للزواج بمنازل عائلية في أن الجيل الجديد من الفتيات لا يرغبن في الحياة أسيرات لتدخلات الجيل القديم، فهناك متغيرات لا يستوعبها الآباء والأجداد، ومهما كانت إيجابيات الأسرة الممتدة على مستوى الألفة والتراحم والاحتواء سوف تتولد مشكلات في فهم الحياة المعاصرة ومتطلباتها، على رأسها عدم تقييد مساحة الحياة بين المرأة وزوجها.