نقابة الصحافيين المصريين تدخل معركة الحريات لضمان تغطيات إعلامية بلا قيود

القوانين المقيدة وعلى رأسها التغطية الإعلامية دون تصريح أمني لا تناسب العصر.
الثلاثاء 2025/05/20
حريات منقوصة

تصر نقابة الصحافيين المصريين على كسب معركة الحريات الصحفية والحصول على أكبر قدر منها مستثمرة حالة المرونة البرلمانية في التعاطي مع مطالب أبناء المهنة في الفترة الماضية، لتغيير بعض القوانين المقيدة للمهنة وعلى رأسها التغطية الإعلامية دون تصريح أمني.

القاهرة – أكدت الحملة التي أطلقها مجلس نقابة الصحافيين المصريين لتخفيف القيود المفروضة على التغطيات الصحفية إلى أيّ درجة هناك تمسّك برفض الاستسلام لفرض أمر واقع مرتبط بقيود الحريات الإعلامية، وسط إصرار من أبناء المهنة على الدخول في عملية تفاوضية مع الحكومة لتحقيق مكاسب جيدة خلال الفترة المقبلة.

وأعلن خالد البلشي نقيب الصحافيين إطلاق حملة موسعة لتعديل المادة 12 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، وتفرض على الصحافيين الحصول على تصريح أمني مسبق للتغطية والتصوير في الأماكن العامة، وترى النقابة أن هذه المادة تقيد حرية العمل وباتت سيفا على رقاب أبناء المهنة وتحول كثيرا دون تغطية الأحداث بأريحية.

وتنص هذه المادة على أن “للصحافي أو الإعلامي، في سبيل تأدية عمله، الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك،” دون إشارة صريحة إلى طبيعة تلك الأحوال.

محمد سعد عبدالحفيظ: ثمة إشارات رسمية بعدم وجود ممانعات من التعاطي مع حقوق الصحافيين
محمد سعد عبدالحفيظ: ثمة إشارات رسمية بعدم وجود ممانعات من التعاطي مع حقوق الصحافيين

وتتمسّك النقابة بتعديل المادة خلال المدة المتبقية من دور انعقاد مجلس النواب الحالي قبل نهاية 2025، وطالبت بحذف الجملة الأخيرة وترهن التغطيات الصحفية للأحداث والفعاليات والتصوير في الأماكن العامة بالحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك، باعتبار أن هذا الشرط يُعطي لبعض الأجهزة الأمنية حق التدخل في العمل الصحفي بشكل مبالغ فيه أحيانا.

وبدا مجلس الصحافيين أنه يبحث عن أكبر قدر من المكاسب مستثمرا حالة المرونة البرلمانية في التعاطي مع مطالب أبناء المهنة في الفترة الماضية، وآخرها الاستجابة لطلب النقابة بحذف نصوص كانت تعرقل التغطيات الإعلامية في قانون الإجراءات الجنائية الذي صادق عليه مجلس النواب مؤخرا، وهو ما تبني عليه النقابة لمعاودة التفاوض مع الحكومة على الحريات الإعلامية بمنظور أوسع.

ويرى البعض من الصحافيين أن التجاوب البرلماني والحكومي مع مطالب النقابة ليس سهلا، لأسباب تتعلق بعدم وجود إرادة كافية للتعاطي معها، وتنفيذها يحتاج إلى تغيير في المشهد السياسي بإجراءات فعلية على الأرض، لكن هناك إشارات توحي أن الحكومة لا تمانع في التفاوض مع الصحافيين لتحسين الصورة الحقوقية.

وأظهر بيان نقابة الصحافيين أن مجلسها يرغب في التفاوض مع الحكومة والبرلمان بالمزيد من الحكمة والهدوء والرصانة دون أن تشعر أيّ جهة بأن النقابة تتعمد الصدام أو الابتزاز، وهو ما يظهر في طريقة عرض مطالب الصحافيين بما لا يخدم طرفا معاديا أو يصبّ في حساب المعارضة، وهو أسلوب تفضله السلطة ولا تمتعض من التعامل معه بنفس القدر من الحكمة.

وتطمئن شريحة من الصحافيين إلى تعهدات سابقة قطعتها الحكومة على نفسها بأنها لا ترفض قيام الإعلام بدوره بلا قيود أو عراقيل، والعبرة في عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تمسّ الأمن القومي أو العمل لحساب جهات معادية، أو نشر شائعات ومعلومات لها تبعات سياسية خطيرة على الدولة، وخلاف ذلك يُمكن التفاوض عليه بما يحقق التوازن بين مطالب كل الأطراف.

ويبدو مجلس النقابة الذي يرأسه الصحافي خالد البلشي مقتنعا بأن تصعيد المطالب في هذا التوقيت قد يجلب قدرا من المكاسب على مستوى الحريات الإعلامية، لأن الحكومة تتعامل مع ملف حقوق الإنسان كأولوية، والميزة أن النقابة تطلب حقوقها عبر قنوات رسمية، مثل البرلمان ومجلس الوزراء، وهذا محل تقدير عند السلطة.

ووجهت النقابة حديثها إلى الصحافيين أعضاء مجلس النواب، والهيئات البرلمانية للأحزاب السياسية بمختلف ألوانها، لدفع تحرك مشروع تعديل المادة الخاصة بإلغاء التراخيص المسبقة للتغطيات الإعلامية، ما يسهّل عمل أبناء المهنة، وخاصة المصورين منهم، واستعادة قيمة بطاقة عضوية النقابة كتصريح وحيد للعمل بما يعزز دور الصحافي في ممارسة مهنته بحرية وبلا قيود تعيق أداء رسالته.

وتأتي التراخيص اللازمة للتغطيات الصحفية من جهات ذات صفة أمنية، لكن النقابة تستثمر في عقلانية جهاز الشرطة بالتوقف عن مطاردة أصحاب الرأي واستهداف الصحافيين، وهي علامة تلقفتها نقابة الصحافيين كدليل على وجود بوادر إيجابية لتحسين حال الحريات بالتوازي مع إقرار قانون جديد وعصري للمحاكمات.

ويرى مراقبون أن المشكلة سوف تظل مرتبطة بقناعة بعض دوائر الحكومة المتداخلة مع ملف الإعلام بأن تقييد الحريات الصحفية وقت التحديات الأمنية والسياسية مهم لتحقيق الاصطفاف في مواجهة الضغوط والمؤامرات الخارجية، وهو توجه يعرقل وجود إعلام هادف يحظى بمصداقية وتأثير، وأصبح مطلوبا الكف عن أسلوب المطاردة وإقرار حريات منضبطة برقابة ذاتية دون تدخل في العمل الصحفي.

التجاوب البرلماني والحكومي مع مطالب النقابة ليس سهلا، لأسباب تتعلق بعدم وجود إرادة كافية للتعاطي معها، وتنفيذها يحتاج إلى تغيير في المشهد السياسي بإجراءات فعلية على الأرض

ومن المهم أن تقتنع الحكومة بأن تحسين السجل الحقوقي المرتبط بالحريات الإعلامية لن يتحقق، كما تريد، إلا إذا كانت مرنة في إقرار تشريعات تكرّس هذا الحق للجميع بلا استثناء، ولا يجب أن تظل الأمور خاضعة فقط لوجهة نظر بعض الدوائر الرسمية أو حسب ظروف سياسية بعينها، على الأقل تجد الحكومة إعلاما قويا يستطيع تجييش الرأي العام خلفها وقت التحديات، بعيدا عن اتهام كل المنابر بأنها موجهة.

ويبني الصحافيون آمالهم بقُرب اقتناص المزيد من الحريات، على أن الصوت العاقل داخل النظام الحاكم أكثر سيطرة ونفوذا، وإلا لم تكن الحكومة والبرلمان تحركا بشكل سريع وحكيم في ملف حساس مثل تقييد الحبس الاحتياطي ووضع شروط صارمة له، والإفراج عن الكثير من سجناء الرأي استجابة لأصوات سياسية معارضة دعمتها نقابة الصحافيين بطلب الإفراج عن أعضائها المحبوسين.

وأكد عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ أن مطالب النقابة منطقية لأن هناك نصوصا تشريعية لم تعد تناسب العصر، وثمة إشارات رسمية بعدم وجود ممانعات من التعاطي مع حقوق الصحافيين، لأن تلك المطالب تستهدف تكريس المهنية والتغطيات الإعلامية بشكل احترافي، وهذا من حقوق أبناء المهنة والجمهور أيضا.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن نقابة الصحافيين لا تبحث سوى عن مظلة تشريعية تجعل أعضاءها يعملون في أمان واستقرار، بعيدا عن أيّ مضايقات، وهذا دور أصيل للنقابة، لافتا إلى أن مجلس الصحافيين يتمسك بتقديم المطالب عبر قنوات شرعية ولا يمكن أن يدخل في صدام مع أيّ جهة، ويتم التعامل بحكمة، استنادا إلى وجود إشارات إيجابية من دوائر مختلفة تؤمن بقيمة المهنية ودور الصحافيين التوعوي.

وتجاوب رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني محمود فوزي، وهو أيضا وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، مع مطالب الصحافيين، بتأكيده أن هناك مناقشات جادة حول إصدار قانون حرية تداول المعلومات، وصل إلى مراحل متقدمة في مناقشاته لدى الحكومة، وبتماس مع مقتضيات الأمن، ويجب أن يوازن بين حرية تداول المعلومات واعتبارات الأمن القومي، وهو ما تقبله نقابة الصحافيين.

ويؤكد هذا التوجه أن الحكومة مقتنعة نسبيا بأن الحريات المنضبطة لن تجلب مخاطر سياسية، لأن مجلس نقابة الصحافيين يؤمن بوجود خط أحمر مرتبط بالأمن والاستقرار، ولا يمانع من الدخول في تفاوض لا يثير منغصات حول ملف الحريات أو يشوه الجهود التي تقوم بها السلطة للتسويق لسجلها الحقوقي داخليا وخارجيا، ومن الضروري أن يكون في القلب من هذه الإجراءات الاستجابة لمطالب الصحافيين.

5