نقابة الأطباء المصريين تحمل السيسي مسؤولية حل أزمة تأجير المستشفيات

النقابة تؤكد أن القانون يهدد سلامة وصحة المواطنين واستقرار المنظومة الصحية ولا يحمل ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة لمحدودي الدخل.
الخميس 2024/05/30
قانون يهدد الحق في الصحة

القاهرة - صعّدت نقابة الأطباء المصريين ضد الحكومة ومجلس النواب برفض قانون تأجير المستشفيات العمومية الذي أقره البرلمان أخيرا، ووضعت حل الأزمة في يد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وطالبته باستخدام صلاحياته الدستورية وعدم التوقيع على القانون وإعادته إلى البرلمان.

ويحق لرئيس الجمهورية إذا رفض قانونا أقره البرلمان رده إليه خلال ثلاثين يوما، وإذا لم يُرد القانون في هذا الميعاد يُعتبر ساريا، وإذا رُد في الموعد الذي قُدم فيه إلى المجلس وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه يُعتبر أيضا ساريا.

ولم يتوقف الجدل السياسي والاجتماعي منذ تمرير مجلس النواب قانونا يسمح للحكومة بتأجير مستشفياتها، ولا تتبقى سوى مصادقة الرئيس عليه، ليدخل حيز التنفيذ رسميا، ما دفع نقابة الأطباء لتصعيد رفضها للرئاسة بحجة أن الحكومة والبرلمان لم يستمعا لها.

واستبعدت دوائر سياسية أن يستجيب السيسي لطلب نقابة الأطباء برفض المصادقة على القانون، لأنه شخصيا كان دائم الإلحاح على الحكومة بسرعة إنجاز التشريع المرتبط بمشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل مستشفيات مملوكة للدولة.

وعقد الرئيس السيسي أكثر من اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزير الصحة خالد عبدالغفار للحديث عن دور القطاع الخاص في تطوير المنظومة الصحية بما يرفع قدرتها الاستيعابية ويعزز كفاءة الخدمة المقدمة، ما يعني أن التحرك الحكومي والبرلماني جاء متسقا مع رؤية رئيس الدولة.

وأكدت نقابة الأطباء أن القانون يهدد سلامة وصحة المواطنين واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة لمحدودي الدخل، ولا يوجد التزام على المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي وعلى نفقة الدولة.

محمود فؤاد: الأمل الأخير لنقابة الأطباء والمصريين في تفهم الرئيس السيسي
محمود فؤاد: الأمل الأخير لنقابة الأطباء والمصريين في تفهم الرئيس السيسي

ولم تعترض النقابة بشكل مطلق على مشاركة القطاع الخاص في المنظومة الصحية، ودعمت تشجيع المستثمرين بإنشاء وإقامة مستشفيات وتذليل العقبات أمامهم، ومنحهم حوافز تشجعهم، دون المساس بالمستشفيات العمومية التي تقدم خدماتها للبسطاء.

ومن بين أسباب رفضها للقانون أنه يهدد استقرار 75 في المئة من العاملين بالمنشآت الصحية التي تنوي الحكومة تأجيرها، ويتاح للمستثمر أن يستغني عنهم ويُعاد توظيف العاملين في الطب والتمريض والإدارة بمعرفة وزارة الصحة في أماكن أخرى.

وأكد المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي لمؤسسة الحق في الدواء محمود فؤاد أن هناك مخاوف من الاستعانة بأطباء أجانب، من اللاجئين والمقيمين في مصر والفارين من الصراعات في بلادهم، وبات حق المواطن البسيط في الرعاية الطبية محاط بالخطر.

وأضاف فؤاد في تصريح لـ”العرب” أن الأمل الأخير لنقابة الأطباء والمصريين عموما في تفهم الرئيس السيسي لأسباب رفض القانون، فما تفعله الحكومة في ملف الصحة بالغ الخطورة، اجتماعيا وسياسيا، معقبا “المواطن البسيط لا يعرف شيئا عن القانون، وعندما يفاجأ بتطبيقه قد تحدث كوارث في بعض المستشفيات“.

ودلل على ذلك بأنه عندما تم رفع تذاكر دخول المستشفيات الحكومية في أحد المحافظات، تعرض مستشفى عام لمحاولة تحطيم من مواطنين أبطلها تدخل الجهات المسؤولة، بالتالي فالأمر خطر لأن الناس تعودت على ملكية المستشفيات للدولة.

ويتعامل مصريون مع المستشفيات، وأي كيان تقرر الحكومة الانسحاب منه، على أنه ملك للشعب، ولا يجوز المساس به بالخصخصة أو التخلي عنه لجهات أخرى، وأيّ تفكير في مراجعة أولويات الإنفاق في قطاع حيوي يفضي إلى صدام غير محسوب.

ويُلزم الدستور الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة لا تقل عن ثلاثة في المئة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات الدولية، وإنشاء نظام تأمين صحي لكل المصريين يغطى مختلف الأمراض.

وجزء من أزمة الحكومة في مسألة المستشفيات يرتبط بأنها لم تحسم موقف علاج البسطاء وطبيعة المظلة الطبية الخاصة بهم، ضمن منظومة الحماية الاجتماعية لتكريس الأمان الاجتماعي كأولوية في ظل الغلاء وصعوبات المعيشة.

ويدافع أعضاء البرلمان المتناغمين مع توجهات الحكومة بأن القانون أوجب علاج 70 في المئة من المرضى مجانا عبر التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، و30 في المئة يجري منحها للمستثمر لتحديد الأجر المناسب.

ويتحمل الرئيس السيسي أحيانا غياب الحنكة لدى البرلمان والحكومة بتعمدهما عدم شرح التفاصيل المرتبطة ببعض التصورات والسياسات المرتبطة بصميم حياة الناس، لذلك يتم تصدير كل أزمة إليه شخصيا لحلها قبل أن يصطدم بالرأي العام.

◙ جزء من أزمة الحكومة في مسألة المستشفيات يرتبط بكونها لم تحسم موقف علاج البسطاء وطبيعة المظلة الطبية الخاصة بهم ضمن منظومة الحماية الاجتماعية

وأكد مجلس الوزراء قبل أيام عدم وجود نية لبيع المستشفيات العمومية، ولذلك فالغضب المجتمعي ليس مرتبطا بفكرة البيع، بل بالانسحاب الحكومي من مسؤولية الرعاية الطبية لحساب دخول مستثمرين دون ضوابط وضمانات صارمة.

ويتسق انسحاب الحكومة من دعم الصحة مع روشتة صندوق النقد الدولي الذي طالب بتقليص فاتورة الدعم المقدم لقطاعات عديدة، مثل الصحة والسكن والتموين والبترول والكهرباء، على أمل تقليص العجز في الموازنة وخفض فاتورة الديون كأحد مسارات حل الأزمة الاقتصادية.

ويظل التحدي أن الرئيس السيسي ورث تركة ثقيلة من أنظمة سابقة عولت على الدعم لتحصين نفسها من غضب الشارع عبر تخصص مبالغ ضخمة لهذا الملف لشراء صمتهم عن الأوضاع المعيشية السيئة، وهو ما لم تعد الحكومة قادرة عليه حاليا.

ويدافع مؤيدون عن تصورات النظام بأن هناك صعوبات اقتصادية حادة طرأت، ولم يعد بوسع الحكومة مجاراة ما كانت تفعله الأنظمة السابقة، ولا بديل عن اتخاذ إجراءات شجاعة مهما بلغ منسوب الغضب ضدها.

ولدى الرئيس المصري حساسية من فكرة الاتكالية الشعبية على الحكومة في قطاعات حيوية، لأن ذلك يعوّد شريحة معتبرة من الناس لتعتمد على الدولة بلا أي جهد منها، طالما تأكل وتشرب وتتعلم وتُعالج بأقل تكلفة، لذلك يتمسك بتغيير تلك الثقافة.

ويصعب فصل توجه الحكومة نحو اقتصار خدماته الطبية المدعومة على شريحة ضيقة من المؤّمن عليهم فقط، عن وجود عشرة ملايين لاجئ في مصر، يستخدمون المستشفيات العمومية مثل عموم المصريين.

ويبدو أن الحكومة مهما كانت محقة في تخفيف فاتورة الدعم واقتصار الحماية الطبية على شريحة معينة، فإنها تقرر ذلك بقليل من الرشادة السياسية، مع أن لديها مبررات كثيرة يمكن الاستناد إليها، مثل الحاجة الملحة لتوجيه الدعم لمستحقيه، لكن العبرة في اختيار التوقيت والإخراج المناسب للقرار والخطاب الملائم للإقناع.

2