نقابات التعليم في تونس ترفض منشورا يوسع صلاحيات المتفقدين على حساب مهام المدرسين

تونس - دشنت نقابات التعليم في تونس جولة جديدة في الصراع مع وزارة التربية، وذلك بعد أن رفضت الجامعة العامة للتعليم الثانوي (نقابة) منشورا اعتبرت أنه يوسع من صلاحيات المتفقدين على حساب مهام المدرسين.
وتقول أوساط تربوية، إن المنشور الجديد سيسمح لمتفقدي التعليم بتجاوز دورهم البيداغوجي والتأطيري للمدرسين إلى نوع من المراقبة والعقوبة، وهو ما سيضعف روح المبادرة لديهم في نشاطهم اليومي.
ويضيفون أن، المدرس باعتبار علاقته الوطيدة مع الطلاّب وممارسته اليومية للعملية البيداغوجية، سيجد نفسه مقيدا بضوابط جديدة يتحرك في مجالها، وهو ما سيؤدي إلى تقليص هامش الاجتهاد داخل المؤسسات التربوية.
وعبرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، في بيان لها، عن رفضها للمنشور الصادر عن وزارة التربية والمتعلق حول تيسير مهام متفقدات ومتفقدي التعليم الإعدادي والثانوي، معتبرة أنه يوسع من صلاحيات المتفقدين ومهامهم على حساب مهام المدرسين والمدرسات.
ودعت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، وزارة التربية إلى سحب المنشور الجديد الصادر بتاريخ يوم 23 يوليو 2024، واصفة، إياه بكونه “يجمع مختلف الصلاحيات البيداغوجية والإدارية ويمنحها إلى المتفقدين بما قد يشكل سطوا واضحا على مهام مختلف الأسلاك والفاعلين كما حددتها القوانين والمناشير المنظمة للمجال التربوي”.
وحذرت الجامعة، من أن اعتماد هذا المنشور قد يسبب “تداخلا وإرباكا وتعطلا وتنازعا للصلاحيات ويفضي إلى تعطيل العملية التربوية وإعاقة العودة المدرسية”، مستنكرة عدم إشراكها في إعداد الصيغة البيداغوجية والإدارية لهذا المنشور.
واعتبرت أن العمل وجوبا برأي المتفقدين بالنسبة إلى تعيين المنتدبين الجدد والمدرسين الوافدين على المندوبيات الجهوية للتربية في إطار العمل الدوري والتعيين بالمؤسسات داخل المركز الواحد بعد نقلة المدرس إليه في إطار أي نوع من أنواع النقل، “يعد غلوا وتضخيما لدور المتفقد البيداغوجي وعبثا بحركة النقل الجهوية يفرغها من مضامينها الاجتماعية والإنسانية ويلغي عمل اللجنة المخول لها قانونا إجراء حركة النقل داخل الجهة والمتكونة من الطرف الإداري والطرف الاجتماعي، وينسف كل عمل تشاركي عماده السلم الاجتماعي“.
وعللت الجامعة رفضها للمنشور الجديد بتنصيصه كذلك على استشارة المتفقدين في تعيين الأساتذة المعوضين قصد تخير أقدرهم على التعويض”، واصفة هذا الإجراء بأنه “تراجع فج” عن مقاييس إسناد النيابات.
وقال فريد الشويخي المتخصص في علم النفس التربوي إن ” المنشور الجديد فيه مسّ من قدرات المدرس وكفاءته في العملية التربوية، ذلك أن المتفقد في الأصل هو مستشار بيداغوجي ودوره المساعدة على أداء مهام التعليم وليس المراقبة والعقوبة“.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “مهام متفقد التعليم تكون بالأساس للتأطير، وبهذا المنشور سيصبح المدرسون دون مبادرة من أجل العمل والإبداع، كما سيقلص من هامش اجتهادهم ونشاطهم داخل القسم والفضاء التربوي”.
الجامعة حملت سلطة الإشراف مسؤولية ما يمكن أن ينجر عنه من إرباك وفوضى في حال عدم سحب المنشور
ولفت الشويخي إلى أن “تحجيم دور المدرس سيؤدي إلى حتما إلى نتيجة سلبية وسيخرجه من العملية التربوية وسيصبح يدا تنفيذية لبرامج المتفقد”.
واعترضت الجامعة بشدة كذلك على نقطة منع المدرس منعا باتا رفض زيارة التفقد مهما كانت الأسباب باعتبار ذلك موجبا للمؤاخذة القانونية، معتبرة أن الأمر ينطوي على تهديد مبطن للمدرسات والمدرسين وسيفضي إلى توتير المناخ التربوي والبيداغوجي.
وحملت الجامعة، سلطة الإشراف مسؤولية ما يمكن أن ينجر عنه من إرباك وفوضى في حال عدم سحب المنشور، مهيبة، بعموم المدرسات والمدرسين المباشرين والنواب والمديرين والنظار إلى التجند للدفاع عن كرامة القطاع والاستعداد لخوض كل الأشكال النضالية المشروعة رفضا لتطبيقه.
واعتبرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي أن التنصيص على الاستغناء مؤقتا عن الأستاذ المعوض بالاستناد إلى تقرير يحرره في الغرض المتفقد يشكل “امتهانا لكرامة الأستاذ النائب إذ يضعه تحت طائلة الأهواء”.
وأكد عامر الجريدي، ناشط مجتمعي تربوي وباحث في سياسات التعليم، أنه “مهما كان الجديد في هذا المنشور، إلاّ أنّه لن ينفع في منظومة تستدعي المراجعة العميقة وقلب معادلات الفشل إلى موازين تأسيس لمنظومة تعليم قويمة”.
وقال لـ”العرب”، إن “ما قامت به وزارة التربية بادرة صحيحة الاتجاه باعتبارها ترمي إلى المزيد من إحكام متابعة العملية التعليمية وتأطير المدرّسين وقطع الطريق أمام ‘معارك’ جداول الأوقات في عديد المعاهد التي أصبحت سُنّة غير محمودة وتعتبر من أحد مؤشرات تراجع منظومة التعليم.
وتابع الجريدي “مهما كانت الإدارة مصيبة في إجراءاتها، فإن العائق الأوّل لنفاذها هو غياب رؤية، ورسالة جديدة للمدرسة وسياسة تعليمية متأسِّسة عليها من جهة، وعُرف المطلبية النقابية المتعارضة مع واقع البلاد وإمكانيّاتها، فضْلا عن كون المجموعة الوطنية تنتظر بفارغ الصبر الرؤية والسياسة الجديدتيْن لمدرسة تستغيث ولمنظومة تعليم تعلّلت محرّكاتها بسبب الفاعلين الأساسيّين”.