نفور الشباب التونسيين من السياسة ينعكس تجاهلا للانتخابات

تواصل عزوف الشباب التونسيين عن المحطات الانتخابية في البلاد من مناسبة إلى أخرى، وآخرها الانتخابات الرئاسية التي أجريت الأحد وشهدت غيابا واضحا للشباب الذين يرى خبراء أنهم أصبحوا ينفرون من الحياة السياسية بعدما تنكرت مختلف الحكومات السابقة لمطالبهم الأساسية.
تونس - لم تكن نسبة إقبال الشباب التونسيين على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي تم تنظيمه الأحد، وانتهى بتتويج قيس سعيد بولاية ثانية، في مستوى تطلعات الأوساط السياسية والشعبية، ما طرح حسب مراقبين حزمة من التساؤلات بشأن ذلك العزوف الكبير من تلك الفئة التي تمثّل خزانا انتخابيا لا يستهان به.
وعلى عكس فئتي الكهول وكبار السنّ، تمنّع شباب تونس عن المشاركة في الانتخابات، كما قاطع سابقا مختلف المحطات الانتخابية والأحداث السياسية.
وعلى الرغم من أن خبراء يقولون إن عالم السياسة ليس من اهتمامات الشباب، بالمقارنة مع بقية المجالات، فإن حجم المقاطعة بدا مفزعا، إذ لم يزر صناديق الاقتراع سوى 6 في المئة من الفئة العمرية بين 18 و35 سنة.
ويؤكد الخبراء أن هذا العزوف هو نتاج لتهميش الشباب وتجاهله بعد ثورة يناير 2011، خصوصا وأنه رفع شعارات التشغيل والحرية والكرامة، لكن الحكومات السابقة تنكرت لمطالبه وانشغلت بالمناكفات السياسية والصراع على المناصب.
واعتبرت آمال بن خوذ مديرة مشروع ملاحظة الانتخابات في جمعية شباب حدود أن نسبة الإقبال على مراكز الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية كانت “مقبولة نسبيا” مقارنة بالمحطات الانتخابية السابقة، وخاصة مشاركة المرأة التي كانت مكثفة.
وأعربت بن خوذ خلال ندوة صحفية الاثنين بالعاصمة تونس عن الأسف لضعف إقبال فئة الشباب على الاقتراع والذي لم تتجاوز نسبته 6 في المئة، داعية إلى وضع إستراتيجية على المدى الطويل والعمل على وضع برامج مشتركة مع عدة أطراف قصد الزيادة والتنويع في الحملات التوعوية الموجهة خاصة للشباب عن طرق وسائل الاتصال والتواصل المختلفة بهدف تعزيز الوعي بالانتخابات والمشاركة المكثفة فيها.
ويربط متابعون للشأن المحلي عودة الشباب إلى صناديق الاقتراع والاهتمام بالحياة السياسية بالمنجز الاقتصادي والاجتماعي الذي يلقى على عاتق السلطة في ولايتها الثانية، خصوصا وأنها باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتقديم إنجازات تنموية واجتماعية تلملم بها جراح الشباب الذي يفكّر في الهجرة عوض الاستقرار في بلاده.
وأكد أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله “نبهنا كثيرا إلى تداعيات نفور الشباب من الحياة السياسية، وكل البرامج السياسية بعد 2011 لم تهتم بتلك الفئة وبقضاياها، لا في مستوى التشغيل ولا الثقافة ولا الرياضة، ووزارات الشؤون الاجتماعية والتشغيل والشباب والرياضة والثقافة كانت مهمشة”.
وأوضح لـ”العرب”، “الشباب واعون جدا، لكن تم تجاهلهم ولم يتم الاهتمام بالجمعيات الرياضية والملاعب ودور الثقافة، حتى أصبحت فكرة الهجرة تراود الجميع في تونس وخصوصا الشباب الطامح لتغيير وضعيته”.
ولعبت الصراعات الحزبية وتدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية دورا سلبيا في توسيع الفجوة بين الشباب والطبقة السياسية طيلة العشرية الأولى لمرحلة الانتقال الديمقراطي.
ومثلت المواعيد الانتخابية الماضية مثالا واضحا لعدم مشاركة الشباب، وقد عكست النسب المتدنية لمشاركتهم سواء كناخبين أو مرشحين هذه الظاهرة.
وتمت دعوة حوالي ثلث التونسيين من الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما (مجموع المسجّلين للانتخابات 9 ملايين ناخب) للإدلاء بأصواتهم الأحد في الانتخابات الرئاسية. لكن كثيرين، لاسيما بين الشباب، غير مهتمين بالتصويت.
وبحسب دراسة أجراها “الباروميتر العربي” صدرت منذ أكثر من شهر، فإن 7 من كل 10 شباب تونسيين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يريدون الهجرة.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “نسب الشباب من 2011 لم تكن كبيرة، ومن كانوا يحكمون البلاد في العشرية الماضية خصوصا الأحزاب، جعلوا الشباب يكرهون السياسة”.
وأضاف لـ”العرب”، “العزوف هو نتيجة تبعات كاملة، وتم تهميش الشباب بعد ثورة يناير 2011 ولم يكن هناك تنفيذ للشعارات التي رفعت حينها، حرية وكرامة وتشغيل”، لافتا إلى أن “عودة الشباب إلى ممارسة الحياة السياسية مرتهنة بجملة من الإنجازات”.
وتابع الشيباني “في الخمس سنوات القادمة ستبدأ السلطة مرحلة التحرير الوطني والعناية بالشباب، والانتخابات الرئاسية في أرقامها كانت متوقعة، ولا يوجد رئيس حصل على شرعية بهذه النسبة”.
واستطرد قائلا “لا بدّ من المزيد من الوقت حتى يعود الشباب للاهتمام بالسياسة”.
وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة الراغبين في الهجرة إلى 46 في المئة من التونسيين، وفقا “للباروميتر العربي” الذي يصنّف تونس في مقدّمة الدول العربية من حيث عدد الراغبين في مغادرة البلاد.
ومطلع الأسبوع، غرق قارب مهاجرين قبالة شواطئ جزيرة جربة السياحية (جنوب شرق) على بعد 500 متر من الشاطئ، ولقي ما لا يقل عن 15 تونسيا حتفهم، بينهم رضع ونساء، في حين تمّ اعتراض قاربين آخرين يحملان نحو أربعين مهاجرا غير قانوني أثناء مغادرتهما جزيرة قرقنة (جنوب) وسواحل محافظة بنزرت (شمال).
وبعد عقد من الزمن، أصبح الشباب هم الأكثر تضرّرا من البطالة، إذ بلغت نسبة العاطلين عن العمل في صفوفهم 41 في المئة (مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 16 في المئة) و23 في المئة بين الخريجين الشباب.
ولم يخف مراقبون وجود أسباب أخرى لذلك العزوف، أبرزها أن عددا كبيرا من الشباب يعتبرون أن ما يقدمه عالم السياسة من تصورات وبرامج لا يمثّلهم ولا يعكس خياراتهم ومشاغلهم ويواجهونه بالرفض.