نظرة فاحصة لليوم التالي لغزة بعد تولي ترامب

العالم يترقب بقلق العشرين من يناير، وهو يوم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وأكثر ما يقض مضاجعنا هو مصير قطاع غزة بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة في ولايته الثانية. للأسف، تصريحاته حول غزة لا تبشر خيرا، فهو لن يمارس الضغط على إسرائيل لكي تغدق على القطاع الجائع المساعدات الغذائية والطبية، وفي حال تم إدخال المساعدات فهذا مشروط بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس والجهاد الإسلامي.
وحسب موقع “أكسيوس”، فإن المسؤولين الإسرائيليين يرون أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الرئيس الأميركي القادم قد يدعم الإجراءات الإسرائيلية التي عارضتها إدارة جو بايدن، مثل الحد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
ولعل التمعن في الصورة يظهر لنا سبب اختيار الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، حاكم أركنساس السابق، مايك هاكابي، ليكون سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل. ويتمتع هاكابي بعلاقة وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما أعرب مرارا عن دعمه للمستوطنين اليهود وأيد فكرة ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة أو كلها.
◄ هناك توافق بين نظرة ترامب واليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم، فهما يلتقيان في نقطة واحدة وهي تفتيت قطاع غزة وإعادة الاستيطان في الضفة الغربية
وفي عام 2015، قال هاكابي إن إسرائيل لديها علاقة تاريخية أقوى بالضفة الغربية من مانهاتن بالولايات المتحدة. وفي ظل إدارات أميركية متعاقبة تحمل نفس الأجندة، وتعرقل بطرقها الناعمة والخشنة كما فعل ترامب سابقا في عهد حكمه السابق، ويعمل في فترة حكمه القادمة على تقزيم القضية الفلسطينية، فأول خطوة سيقوم بها هي تحويل المخاطبات المتعلقة بالضفة الغربية إلى يهودا والسامرة وذلك بناء على ما تذكره التوراة، إرضاء لليمين في إسرائيل. فكل الحلول المطروحة من أجل وقف الحرب على غزة هذا أولا، وثانيا منع إقامة دولة فلسطينية لا توافق عليها إسرائيل، مرفوض أميركيا.
وهنا يمكن أن نلقي نظرة عجلى على ما صرح به الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، فقد تعهد المرشح الجمهوري ترامب أمام الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين في وقت سابق بإنهاء الحرب، وكرر ترامب على مدى العام الماضي مقولة إنه لو كان في الحكم لما وقعت هجمات السابع من أكتوبر 2023، فهو يبحث عن انتصار لإسرائيل، فهذا الانتصار في مفهوم حكومة الائتلاف الصهيونية والمدعومة من ترامب هو القضاء على حماس بشكل كلي والذي سوف يتبناه ترامب، إلى جانب إعادة الاستيطان في غزة، وتحرير الرهائن، وهذا يدل على أن ما تطلبه الفصائل الفلسطينية في نظر ترامب مجرد مطالب صفرية، لا نية لديه لتحقيق أيّ منها. إذن المرحلة القادمة في عهد ترامب تبدو سوداء، مما يساعد على دخول المنطقة في وضع أكثر سخونة من فترة بايدن.
هذه الإشكالية الأميركية التي تصدع الرأس هي مظلومية تضاف إلى مظلوميات الفلسطينيين عبر تاريخهم. والمشهد في ظل حكم ترامب يقود إلى تعميق الأزمة وإضعاف فرص التوصل إلى حلول سلمية، كما أنه قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، من خلال تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل.
ويذكر أن ترامب قال في منشور على موقع تروث سوشيال، “إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم في الشرق الأوسط، وسوف يدفعه المسؤولون الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية، سيتضرر المسؤولون أكثر من أيّ شخص آخر في التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة.” وأضاف “أطلقوا سراح الرهائن الآن.”
◄ كل الحلول المطروحة من أجل وقف الحرب على غزة هذا أولا، وثانيا منع إقامة دولة فلسطينية لا توافق عليها إسرائيل، مرفوض أميركيا
لا ريب أن ترامب سيركز في فترة حكمه على أولويات مصالح بلاده، ومنها وقف نزيف المساعدات التي تذهب إلى أوكرانيا، والعمل على شراء جزيرة غرينلاند الدانماركية، ومحاصرة الصين، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، وتفكيك الميليشيات الشيعية في العراق، والأهم من ذلك تسويق إسرائيل عربيا، وفتح ملف التطبيع مع السعودية، وتفعيل الاتفاق الإبراهيمي.
هذا هو برنامج ترامب، وسوف نلاحظ أن القضية الفلسطينية في عهده سوف تختفي عن المشهد كليا، وما يبدو مستبعدا هو حلحلة القضية الفلسطينية برمتها، وتبقى غزة خارج أجندة ترامب.
هناك توافق بين نظرة ترامب واليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم، فهما يلتقيان في نقطة واحدة وهي تفتيت قطاع غزة وإعادة الاستيطان في الضفة الغربية. عندما فاز ترامب ابتهج غلاة المستوطنين لهذا الفوز واعتبروه نصرا مؤزرا لهم، وهو المخلص لهم من بايدن الذي كان يمارس الضغط على نتنياهو، وكان ضد عودة الاستيطان في غزة، فرغم الضغوطات التي مورست على إسرائيل إلا أنها لم تحقق شيئا لصالح الغزيين وبقيت الأمور تراوح مكانها.
هذا مع العلم أن جملة المطالب الجديدة – القديمة للصهيونية الدينية لا تندرج في إجماع عالمي شاسع، فرغم إيماءات أميركية خجولة حول حل الدولتين إلا أنها لا تضغط باتجاه دولة فلسطينية كاملة السيادة، ودليل ذلك الفيتو الذي تستخدمه ضد أيّ مطلب فلسطيني.