نزيف قطاع الألبان يهددالاكتفاء الذاتي للتونسيين

تمارس أوساط صناعة الألبان التونسية ضغوطا على السلطات للإسراع في إيجاد حل جذري ينقذ القطاع من أزماته المتراكمة منذ سنوات، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة تتلكأ في معالجة المشكلة من جذورها، والتي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى منذ 2011.
تونس – عادت مشكلة قطاع صناعة الألبان في تونس إلى الواجهة مرة أخرى مع استمرار السلطات وخاصة وزارة الفلاحة والصيد البحري في التراخي لوضع حد للمشكلة مع بقية الأطراف المتداخلة.
ويجتمع المزارعون بصفة دورية في جهاتهم لوضع الخطط لأنشطتهم القادمة، في خطوة للضغط على الحكومة للنهوض بالقطاع الذي بات يثقل كاهلهم ويمثل عبئا على الدولة نظرا لسوء التصرف في الموارد والخلل الواضح في التسيير.
ومنذ الأحداث التي تفجرت في يناير 2011، يشكو القطاع منذ سنوات من تراجع أعداد قطعان الأبقار نظرا لاستفحال عمليات الذبح العشوائي والتهريب التي أدت إلى عزوف المربين عن هذا النشاط مما تسبب في تراجع الإنتاج بنحو 2 بالمئة.
ويدور حديث بين التونسيين حول اختفاء الحليب من رفوف المتاجر، إذ ربط البعض منهم ذلك بتعمد كبار المزودين والمحتكرين القيام بتخزين الإنتاج الذي من المفترض أن يتم تزويده في السوق إلى حين الزيادة في سعر البيع.
ويقول عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور صغيري في تصريح لـ”العرب” إن المنظمة النقابية استشعرت الخطر إزاء المؤشرات الموجودة والتي تنذر بهبوط كبير في إنتاج الحليب وعدم تجاوب الحكومة، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على السوق.
ويضيف أن إنتاج الحليب تراجع خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث تم إنتاج نحو 30 مليون لتر يوميا فقط، مقابل نحو 17 مليون لتر كمخزون استراتيجي تكفي لشهرين ونصف الشهر فقط.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الاستهلاك اليومي في السوق المحلية يبلغ حوالي 1.5 مليون لتر يوميا، في فترة تتميز بالنقص في كميات الإنتاج نظرا للتغيرات المناخية، الأمر الذي ينذر بأزمة جديدة قد تعقد المشكلة.
وتراجع الإنتاج اليومي من الألبان بنحو 20 بالمئة مقابل ارتفاع الطلب إلى 1.9 مليون لتر يوميا، مسجلا نقصا يقدر بنحو 400 ألف لتر.
وتشكل الأمراض التي تفتك بالقطعان عاملا إضافيا في أزمة نقص عدد الأبقار، حيث لم تعد كافية لتغطية الاستهلاك اليومي ولا كفيلة بدعم نشاط المربين والمزارعين.
وكانت الحكومة قد أبرمت اتفاقية مع الاتحاد الفلاحي في وقت سابق تنص على ميثاق النهوض بقطاع الألبان باعتماد السعر المتحرك بما يراعي ارتفاع كلفة الإنتاج وتحيينها متى استدعت الضرورة ذلك،
ويسعى المزارعون والمربون خصوصا لضمان أرباحهم في حال حصول ارتفاع في أسعار الأعلاف أو الأدوية المستعملة للأبقار.
وتنص الاتفاقية أيضا على وضع برنامج استثنائي لتجديد القطيع بعدد كبير من الأبقار لدعم الإنتاج.
لكن الحكومة لم تفعل حتى الآن الاتفاقية للحد من النقص، في وقت يتواصل فيه نزيف القطيع وترتفع فيه أصوات المتذمرين من المربين.
وتلقي أوساط القطاع باللوم على تدهور قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية، وهو ما ساهم في زيادة كلفة توريد مواد التعبئة والتغليف بما تسبّب في خسائر تقدّر بحوالي 65 دولارا عن كل ألف لتر من الحليب خلال ذروة أزمة القطاع قبل عامين.
ويرى مراقبون أن أزمة القطاع الزراعي في البلاد لم تقتصر على نقص العاملين في تربية المواشي فقط، بل أدت إلى استفحال ظاهرة نزوح القرويين إلى المدن.
ويرى صغيري أن عمليات النزوح وخاصة من مناطق الشمال الغربي للبلاد أدت إلى الدخول في متاهة الديموغرافيا السلبية، حيث بات عدد النازحين أكثر من عدد المولودين الجدد بتلك المناطق.
وتعاني المناطق الريفية في تونس من عزلتها بعد أن عجزت الدولة في ضمها تحت برنامج الإصلاحات بشكل ملموس رغم الوعود التي قطعتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات التسع الأخيرة.
ويوضح النقابي أيضا أن تعامل السلطات مع قطاع الألبان والزراعة بقي مقتصرا في حدود الحسابات المادية وتقدير حجم الربح والخسارة، في حين أن الأرياف تمثل صمام الأمان لتلك المناطق ونزوحهم إلى المدن يضيف عبئا إضافيا على الدولة. واختار العديد من المربين الهجرة بعد أن يئسوا من إمكانية النهوض بالقطاع الذي أصبح يكبدّهم خسائر كبيرة.
وتدق الأوساط الاقتصادية أجراس الخطر منذ سنوات منذرة الحكومة والنقابات بانهيار القطاع، الذي يمثل سقوطه تهديدا لقوت التونسيين وضربا لأحد أهم القطاعات الحيوية.
وسبق وأن هدد اتحاد الفلاحين خلال السنوات الخمس الأخيرة بإيقاف عمليات إنتاج الألبان ومشتقاتها بعد فشل المفاوضات مع الحكومة.
وأججت الحكومة الأوضاع مرارا مع النقابات بعد توريدها للحليب في وقت يرتفع فيه الاستياء الشعبي. وعمق التوريد بكثافة من العجز التجاري لتونس كما استنزف احتياطات البنك المركزي من العملة الصعبة بشكل كبير، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات لا حصر لها.