نزعة الاستقلال تتصاعد لدى شباب أسكتلندا رغم معارضة بريطانيا

لندن - يريد مايكل جراي أن يخرج من تحت عباءة بريطانيا في أقرب وقت ممكن. ويناضل هذا المحامي الذي يبلغ من العمر 29 عاما من أجل استقلال أسكتلندا، ويعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، قد برهن على أن الوقت قد حان لإجراء استفتاء آخر حول خروج أسكتلندا من عباءة بريطانيا.
ويؤكد أن “نتائج تصويت الأسكتلنديين لم تؤثر في حصيلة الأصوات ” في استفتاء بريكست في عام 2016، حيث صوتت أغلبية نسبتها 62 في المئة من ناخبي أسكتلندا ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن كثيرا من المواطنين، وبينهم جراي نفسه، يريدون إجراء استفتاء آخر بشأن استقلال أسكتلندا عن بريطانيا.
وتعهد الحزب الوطني الأسكتلندي الحاكم بإجراء استفتاء ثان بشأن الاستقلال حال فوزه بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة. وكانت نتائج الاستفتاء السابق الذي أجري في سبتمبر 2014 أشارت إلى تفضيل الأسكتلنديين بأغلبية بسيطة نسبتها 55 في المئة، البقاء داخل بريطانيا مع كل من إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية.
ولا يعد جراي – الذي يقيم في إدنبره والمشارك في تأسيس “سكوتيا” وهو موقع صحفي ناشئ للوسائط المتعددة يؤيد الاستقلال بوضوح – استثناء بين الجيل الأصغر سنا من الأسكتلنديين.
وأشار استطلاع للرأي أجري مؤخرا إلى أن أكثر من 60 في المئة من الأسكتلنديين دون 35 عاما يؤيدون الاستقلال، بينما تعارضه أغلبية الشريحة العمرية من السكان ما فوق 45 عاما.
وتقول كريستي هيوز،من المركز الأسكتلندي للعلاقات الأوروبية “الشريحة العمرية دون خمسين عاما تؤيد الاستقلال في معظم استطلاعات الرّأي، وهذا ما يمكن مشاهدته بوضوح منذ فترة، كما أن هذا الاتجاه الرامي للتغيير الجذري ليس قاصرا على الشباب في سنّ المراهقة” فأحيانا تكون نسبة الأسكتلنديين في العشرينات والثلاثينات من العمر الذين يفضلون الاستقلال أعلى منها بين هؤلاء الشباب”.
وينتمي فريدريك باير أيضا إلى مجموعة المؤيدين. ويقول باير الذي يبلغ من العمر 25 عاما والمولود في ألمانيا ويصنف نفسه على أنه “أسكتلندي ألماني”، “اعتقدت على الدوام أنه أمر معقول أن تكون أسكتلندا بلدا مستقلا”.
وانتقل باير إلى الإقامة في أسكتلندا في عام 2015 لاستكمال دراسته الجامعية، بعدما كان هاجر إلى إنجلترا مع أمه. وشكل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نقطة تحول بالنسبة إليه.
وقبل الاستفتاء حول بريكست شارك باير مع مجموعة من المتطوعين في حملة لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي حيث تحدث مع المواطنين في مختلف المدن عن أهمية التكتل الأوروبي، وقد كانت هذه الحملة “رائعة” على حد وصفه.
وبينما كانت لقضايا الهجرة ونظام الرعاية الصحية مكانة بارزة في تغطية وسائل الإعلام البريطانية لحملة الانسحاب كانت ثمة قضايا مختلفة تماما تعني الأسكتلنديين مثل الخوف من خسارة حصص صيد الأسماك ووسائل النقل العام.

وفي حين صوتت أغلبية بسيطة ضد الاستقلال عن بريطانيا في عام 2014 يعتقد كثيرون أن بريكست أعطى دفعة جديدة للحركة المؤيدة للاستقلال. ويرى الحزب الوطني الأسكتلندي أن نتائج بريكست تعدّ سببا محوريا لإجراء استفتاء آخر.
وتقول هيوز “هناك ترابط قوي بين معدلات التأييد الكبيرة للاتحاد الأوروبي والتأييد المرتفع للاستقلال”.
وتضيف إن الجيل الأصغر، بشكل خاص، والذي شب في ظل الاتحاد الأوروبي، يعطي أهمية للحريات المتاحة لكون المرء جزءا من التكتل، وسواء كان الشباب الأسكتلندي يريد أن يدرس أو يسافر أو يعمل في الخارج، فإن بريكست جعل كل هذه الفرص أكثر تعقيدا.
وتشير هيوز إلى أن الاستفتاء على بريكست يعكس أيضا الفجوة بين الشباب ومن هم أكبر سنا، وتقول إنه لو أتيحت لنصف سكان بريطانيا الأصغر سنا إمكانية التصويت لما تحقق بريكست.
وتوضح أن الأجيال الأصغر سنا شبت مع مزيد من الشعور بحق أسكتلندا في تقرير المصير وذلك مقارنة بآبائهم وأجدادهم.
وحصلت الحكومات الإقليمية لكل من أسكتلندا وأيرلندا الشمالية وويلز على مزيد من السلطات اللامركزية منذ عام 1998، وهو ما يفسر أيضا الخطوات المختلفة التي اتخذت لمقاومة جائحة كورونا.
وتوضح هيوز أن “الأجيال الأصغر سنا شبت في ظل هذا الإحساس الأكثر قوة بأسكتلندا كدولة، كما أن تفويض السلطات لحكومتها بشكل لامركزي عزز من هذا الإحساس”.
ويشير جراي إلى أنه لا يزال هناك إحساس بالشعور الوطني البريطاني بين جيل أجداده، وهو شعور ليس مألوفا لديه وسط نظرائه من الشباب، ويقول إن الأشخاص الذين عاصروا كيفية إعادة الحكومة البريطانية بناء المنازل بعد الحرب العالمية الثانية، وإقامة نظام الرعاية الصحية في البلاد لديهم شعور قوي بالانتماء.
ولكن ماذا سيحدث في حالة فوز الحزب الوطني الأسكتلندي بالانتخابات المقبلة ؟ حتى الآن أعلنت لندن بوضوح تام أنها ستحاول بكل الوسائل منع إجراء استفتاء آخر حول الاستقلال.
وينتهز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون جميع الفرص لكي يوضح أن المملكة المتحدة قوية بكل مكوّناتها، ومع ذلك يتردد أن فوز الحزب الوطني في الانتخابات المقبلة سيشكل مزيدا من الضغوط على لندن.
ويعرب جراي عن اعتقاده الجازم بأن أسكتلندا تستطيع أن تحقق هدف الاستقلال في الاستفتاء هذه المرة، ويقول “من منظور مؤيد للاستقلال هناك أسباب كثيرة تدعو إلى الأمل”.