نتنياهو والسباحة عكس التيار

في ظل ما يجري في غزة والوضع في داخل إسرائيل، نستطيع القول إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعيش هذه الأيام أسوأ حالاته في ظل عدوانه على قطاع غزة.
المعضلة الرئيسية التي تواجه نتنياهو هي ما تتعرض له إسرائيل من ضربات صاروخية قادمة من اليمن، وسخونة الأحداث في شمال فلسطين، فضلا عمّا تقوم به جماعة أنصارالله الحوثية من فرض أمر واقع في باب المندب، والتعرض للسفن التي تنقل البضائع وغيرها إلى إسرائيل وإجبارها على النزول إلى شواطئ اليمن، واستسلام قبطانها للحوثيين.
كل ما سبق هو عبارة عن رسائل من شأنها أن تعدل نهج نتنياهو الذي ما زال مصرّا على الاستمرار في عدوانه على غزة. لكن صراع البقاء هو من يحمل نتنياهو على المضي قدما نحو تحقيق أهدافه الوهمية، وهو يعرف تمام المعرفة فشله في تحقيق مشروعه المتمثل في ترحيل الغزيين إلى سيناء، والقضاء على حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى. خبير فرنسي قالها بالحرف الواحد، بأن القضاء على حماس يحتاج إلى عشر سنوات قادمة، وهو ليس الوحيد من الذين صرّحوا بهذا.
رئيس وزراء الكيان في واد والعالم في واد آخر، فما تريده الولايات المتحدة والغرب برمته هو القضاء على حماس وشطب نتنياهو وحكومته عن الوجود السياسي
التقديرات الخاطئة لا بد أن تصل إلى نتائج خاطئة، ورئيس وزراء إسرائيل يبحث عن نصر حتى لو كان نصرا وهميا، من أجل إقناع الشارع الإسرائيلي به، وفي نفس الوقت الشارع الإسرائيلي يتربص به، ولم يقل كلمته بعد، فهو ينتظر ساعة انتهاء العدوان، وبعدها لكل حادث حديث.
ستكون هنالك عشرات الملفات بانتظار أن تفتح، والتحقيق في سبب الفشل في 7 أكتوبر، رغم تلقي تحذيرات كثيرة عن نية حماس شن هجوم على إسرائيل. ما يبحث عنه الإسرائيليون اليوم هو تحرير الأسرى في غزة، وهذا هو المطلب الرئيس. وفي حال تم تحريرهم سواء من خلال تبادل تفاوضي أو عن طريق القوة، وهذا مستبعد، ستكون ثمة نظرة أخرى للوسط واليسار، وحتى أنصار الليكود الذي بدأ بالتفسخ في يومنا هذا، وتتمثل النظرة في دحر اليمين الديني عن الحكم. وحسب استطلاعات الرأي فإن حزب سموتريتش لن يصل إلى نسبة الحسم، وفعلا كان هنالك الكثير من الأصوات التي خرجت وما زالت تتوسع تحمل بن غفير وسموتريتش مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
من المعلوم أن الوضع السياسي في إسرائيل كان يترنح قبل 7 أكتوبر، وزاد بعد العدوان على القطاع، واللافت للنظر أن دولة الاحتلال من أكثر الدول التي تتمخض عنها أحزاب وتُسحق أحزاب أخرى. لقد كان حزب العمل من أقوى الأحزاب على الإطلاق وتعود جذوره إلى مطلع القرن العشرين خلال موجة الهجرة الثانية لليهود إلى فلسطين (1905 – 1914)، حيث تشكل حزبان عماليان في الأراضي المحتلة، حزب هابوعيل هاتسعير وحزب بوعلي تسيون، اندمج الأخير عام 1919 مع حزب تيار عمالي يساري وشكلا حزب اتحاد العمل الذي اندمج عام 1930 مع هابوعيل هاتسعير بزعامة ديفيد بن غوريون، وعرف الحزب انشقاقات فيما بعد وأصبح اسمه “حزب العمل” عام 1968، لكنه اضمحل في العقد الأخير، لترتفع أسهم الليكود الذي انفصل عنه شارون وأسس حزب كاديما، وفي ظل ارتفاع أسهم التيار الديني الذي أصبح يتطلع إلى رئاسة الوزراء في قادم الأيام، لهذا يجد نتنياهو نفسه في مأزق حقيقي في توجه بعض أنصار اليمين الليكودي لتشكيل حزب منشقين عن نتنياهو.
التقديرات الخاطئة لا بد أن تصل إلى نتائج خاطئة، ورئيس وزراء إسرائيل يبحث عن نصر حتى لو كان نصرا وهميا، من أجل إقناع الشارع الإسرائيلي به، وفي نفس الوقت الشارع الإسرائيلي يتربص به، ولم يقل كلمته بعد
بالتوصيف السياسي الهادئ، سوف نشهد بعد أن تضع الحرب أوزارها تشكل خارطة سياسية جديدة في إسرائيل، وهذا يتناسب مع درجة الوعي داخل الكيان، فالشارع الإسرائيلي اليوم على مفترق طرق فهو لا يصدق إعلامه، ولا يثق بحكومته الحالية. فإذا ما استبعدنا اليمين الديني وهو لا يشكل ثقلا لحسم رئاسة الوزراء حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فهذا يشير إلى تحول نسبة غير بسيطة في الشارع الإسرائيلي من الصقور إلى الحمائم، رغم أن الحرب توحّدهم، وهي مرحلة عابرة وحسب المثل العربي “زوبعة في فنجان”.
وأصدق ما تقوله صحيفة هآرتس التي ما زالت حتى اللحظة تسير بخط متزن قريب إلى الواقع في هذا السياق، لا بد من التنويه أنّ نتيجة تغيير الوجهة التي آلت إلى أحداث 7 أكتوبر، قد حملت نتنياهو إلى تعويض الفشل في منع ما جرى في 7 أكتوبر وهو في حاجة إلى اليقين، أو إذا لزم الأمر لصدمات كهربائية.
ومن الطبيعي أن يلجأ نتنياهو إلى تبرير ما يقوم به في غزة أمام شعبه والعالم، فهو يستشهد بالتوراة أحيانا كطوق نجاة، ويخاطب العالم بأن هذه الحرب هي حربكم للدفاع عن الدول المتحضرة من فتك الشعوب الأخرى المتوحشة، على حد قوله، وقد فشل في تسويق فكرته بشطب أوسلو واحتلال غزة بالكامل فرغم وقوف العالم معه ضد حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، إلا أنهم مصرون على دولة فلسطينية قابلة للحياة بجانب إسرائيل، وهذا ما يحاول نتنياهو عرقلته وقد قالها بصريح العبارة، لقد كان أوسلو خطأ لن يتكرر.
يستشف من ذلك أن رئيس وزراء الكيان في واد والعالم في واد آخر، فما تريده الولايات المتحدة والغرب برمته هو القضاء على حماس وشطب نتنياهو وحكومته عن الوجود السياسي.
موجز القول العقل ينتصر في النهاية.. شروط نتنياهو الصارمة لن تنفعه.