نتنياهو بين مطرقة الصهيونية الدينية وسندان ترامب

الرئيس الأميركي الجديد سيفرض السلام في الشرق الأوسط بالقوة. طبعا السلام الذي سيطرحه دون أدنى شك لا يلبي الطموح الفلسطيني فالقدس ستبقى خارج الطرح واللاجئون كذلك.
الاثنين 2025/01/20
هل هناك اتفاق مقلق خلف الكواليس

نُفذت صفقة غزة بعد عام ونصف العام من الحرب على القطاع، وقد تمخضت بعدما أهلك الحرث والنسل. كان وجود جو بايدن في البيت الأبيض بمثابة المخلص لبنيامين نتنياهو، ورغم المجازر التي ارتكبها ضد الأطفال والشيوخ والنساء، إلا أن بايدن كان الداعم الحصري لإسرائيل في جميع المجالات. أما دونالد ترامب فقد مضى قدما في إبرام اتفاق بموجبه يتم إنهاء الحرب وعدم العودة إلى القتال.

وربما تنطوي القصة على مفارقة ظاهرة، فحسابات ترامب مختلفة عن حسابات سلفه بايدن؛ ترامب يريد أن يرى الشرق الأوسط غير الشرق الأوسط الحالي، بقليل من الحروب والصراعات. الرجل ذاهب باتجاه بناء اقتصاد أميركي قوي وتبريد الجبهات الساخنة في أوكرانيا وفلسطين. حتى يتم ذلك، فهو يحتاج إلى هدوء نسبي، وخصوصا في المضائق الدولية والبحار الدافئة. لا يختلف ترامب اليوم عن ترامب الأمس، الأمر سيان. هدف ترامب الرئيسي في الشرق الأوسط سيكون تحقيق الاستقرار، ويترتب على ذلك تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسية وهي: إنهاء الحرب في غزة وعودة الأسرى، واتفاقية تطبيع تاريخية بين إسرائيل والسعودية، ومنع حصول إيران على الأسلحة النووية. وأيضاً هذا في ظل عدم وجود نتنياهو رئيسا للوزراء في إسرائيل.

ورشحت أخبار من صحيفة “معاريف” الإسرائيلية تفيد بأن مقربين من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نقلوا رسالة مقلقة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مفادها أن الرئيس المنتخب يكن استياء تجاهه رغم اللقاءات بينهما. في الاتصال الأول بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المنتخب ترامب، أعرب الأخير عن التزامه بوقف الحرب، والسعي إلى تحقيق السلام، وهو ما يعني أن الأولوية الأميركية الآن التي يرغب الرئيس في استثمار جهده ووقته لتحقيقها هي أولوية وقف الحرب.

◄ بنيامين نتنياهو أمام مرحلة صعبة في حياته السياسية؛ لا شك أنه رجل الأزمات، ولكن في هذه الحالة وضع في زاوية ضيقة جدا فالخروج منها يحتاج إلى معجزة

من المخاوف الحقيقية التي قد يحملها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش كواليس مخطط الضم، حيث يطمح إلى استغلال حقبة الرئيس ترامب الجديدة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة. وهو الموقف الذي تناغم مع تصريحات نتنياهو الذي قال “يجب إعادة طرح مخطط ضم مناطق واسعة في الضفة إلى إسرائيل عندما يدخل ترامب إلى البيت الأبيض.”

لا يستطيع أحد أن يجزم بأن هنالك اتفاقا من خلف الكواليس، فلا بد في النهاية من هدية يقدمها ترامب لإسرائيل. فهنالك فجوة بين الرجلين نتجت عندما اتفق ترامب ونتنياهو على اغتيال قاسم سليماني، فتنصل الأخير من هذا الاتفاق. ويكمن وجه الخلاف بينهما أيضا في إصرار نتنياهو على جر الولايات المتحدة إلى حرب في الشرق الأوسط، وهذا ما لا يريده الرئيس الأميركي المنتخب. فترامب لديه خطوط عريضة في تعامله مع إيران، ولقد أوضح في وقت سابق أنه سيعود إلى سياسة الضغط الأقصى على إيران، ربما للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو لتقييد إيران أكثر.

لن ندخل في تفاصيل الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل. إذن، نتنياهو أمام مرحلة صعبة في حياته السياسية، لا شك أنه رجل الأزمات، ولكن في هذه الحالة وضع في زاوية ضيقة جداً، فالخروج منها يحتاج إلى معجزة. فهو يحاول قدر الإمكان إرضاء الصهيونية الدينية وترامب في نفس الوقت، لكنه يجد صعوبة. ترامب يريد إنهاء الحرب وشرق أوسط خاليا من الحروب، وسموتريتش وإيتمار بن غفير يريدان قطاع غزة أرضا إسرائيلية وترحيل نصف سكانه. طبعاً هذا الطرح لا يتوافق مع طرح الرئيس الأميركي الجديد، لأن من شأن ذلك أن يؤجج الصراع في المنطقة، وهذا ما لا يريده.

وبالتالي نحن أمام سياسة ترامب القادمة التي لا تبدو مختلفة عن سابقتها مع تعديل طفيف. في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، الجديد في تصريحاته أنه سيفرض السلام في الشرق الأوسط بالقوة. طبعاً السلام الذي سيطرحه دون أدنى شك لا يلبي الطموح الفلسطيني، فالقدس خارج الطرح واللاجئون كذلك. باختصار، كل مكونات القضية الفلسطينية وركائزها المهمة ليست محل نقاش أو تفاوض. قد يبدو أن الاقتصاد وتحسين الاقتصاد الفلسطيني وإلهاء الفلسطينيين بإعمار غزة وتحسين وضعهم الاقتصادي المتردي ومحاربة الجوع في القطاع وإدخال المساعدات كلها محددات سياسة الإدارة الأميركية الجديدة.

لننزل قليلاً إلى أرض الواقع. لا أحد يستطيع أن يجزم بأن الصفقة بين إسرائيل وحماس تسير دون عقبات، فهنالك ثلاث مراحل وبين المرحلة والتي تليها الكثير من المعضلات. نتنياهو وائتلافه ماضيان بعد 42 يوما للعودة إلى القتال في غزة كشرط أساسي أبرم بين سموتريتش ونتنياهو، وهذا ما لا يتفق عليه ترامب. أكاد أجزم بأن ائتلاف نتنياهو قد لا يصمد طويلاً، وهذا في تقدير المراقبين ما يعمل عليه ترامب، وهو إنهاء حكم الصهيونية الدينية ونتنياهو. في نفس الوقت يتطلع ترامب إلى حكومة أكثر اعتدالاً تلبي شروطه للمضي قدمًا نحو التطبيع مع السعودية بالدرجة الأولى وغيرها من دول الجوار.

9